إن كنت تبدو مختلفًا عن أفراد أسرتك، فلابد أنك شعرت ببعدك عنهم، وفي لحظات المشاعر العاصفة الخاصة في طفولتك، لا بد أنك فكرت في أنك طفلٌ مُتبنّى.

وفقًا لما أظهرته الأبحاث الحديثة، قد يكون المظهر خادعًا عندما يتعلق الأمر بأفراد الأسرة، فقد هزت تقنية الحمض النووي الحديثة الشجرة التطورية لأسر مجموعة كبيرة من الحيوانات والنباتات.

وُجدت في البداية شكوك حول القرابة بين الرئيسيات التي ينتمي إليها الإنسان والخفافيش، وذلك بسبب تشابه هياكلها العظمية وأدمغتها، إلا أن بيانات DNA الحديثة تضع الإنسان في مجموعة تشمُل القوارض؛ الفئران والجرذان، والأرانب، وما يثير الدهشة هو أن للخفافيش قرابة مع الأبقار والخيول، وحتى وحيد القرن أكثر من قرابتها مع الإنسان.

لم يتمكن العلماء في زمن داروين وفي القرن العشرين من معرفة فروع الشجرة التطورية أو شجرة الحياة إلا بملاحظة بنية الحيوانات والنباتات ومظهرها، فقد جُمعت أشكال الحياة وفقًا لأوجه التشابه التي يُعتقد أنها تطورت معًا.

بدأ العلماء منذ ثلاثة عقود مَضت استخدام بيانات DNA لبناء أشجار جزيئية، والعديد من هذه الأشجار الأولية القائمة على بيانات DNA تتعارض مع الأشجار الكلاسيكية، فقد اعُتقد أن الكسلان وآكل النمل والحيوان المدرع وآكل النمل الحرشفي والخنازير تنتمي إلى مجموعة تسمى «عديمات الأسنان» نظرًا إلى أنها تتشارك جوانب من بنيتها التشريحية.

أظهرت الشجرة التطورية أن هذه الصفات قد تطورت مستقلة في فروع مختلفة من شجرة الثدييات، واتضح أيضًا أن الخنازير أكثر ارتباطًا بالفيلة، بينما يرتبط آكل النمل الحرشفي ارتباطًا وثيقًا بالقطط والكلاب.

تجميع المعلومات حول الشجرة التطورية:

يوجد دليل آخر كان مألوفًا لداروين ومعاصريه، إذ إنه أشار إلى أن الحيوانات والنباتات التي يبدو أنها تتشارك في الأصل الأقرب المشترك، تعيش غالبًا بالقرب من بعضها جغرافيًا، واعُتمد الموقع الجغرافي للأنواع انطلاقًا من هذه الفكرة مؤشرًا قويًا آخر على ارتباطها، فالأنواع التي تعيش بالقرب من بعضها البعض تميل أكثر للاشتراك في شجرة العائلة.

راجع العلماء أول مرة الأبحاث الجديدة وبيانات DNA ومظهر مجموعة كبيرة من الحيوانات والنباتات التي دُرست، ونظروا إلى الشجرة التطورية المبنية على أساس مظهر وجزيئات 48 مجموعة من الحيوانات والنباتات، وقد تضمنت الخفافيش والكلاب والقردة والسحالي وأشجار الصنوبر.

تتطابق الشجرة التطورية المبنية على بيانات DNA بمقدار الثلثين مع نتائج الموقع الجغرافي للأنواع أكثر من تطابقها مع نتائج خرائط التطور التقليدية. بعبارة أخرى، أظهرت الشجرة التطورية أن العديد من الأنواع ارتبطت ببعضها بناءً على المظهر.

لكن أبحاث العلماء أظهرت أن هذه الأنواع كانت أقل عرضة للعيش بالقرب من بعضها البعض مقارنةً بالأنواع المرتبطة ببيانات DNA.

يبدو أن التطور يبتكر حلولًا جديدة إلى ما لا نهاية، لكن حلوله أقل مما نعتقد.

يمكن أن تتشابه الحيوانات لأنها تطورت لتنجز وظائف متشابهة أو لتعيش بطريقة مماثلة، مثل الحيوانات التي لها أجنحة عظمية للطيران بما فيها الطيور والخفافيش والديناصورات المنقرضة، لكن أسلافها جميعًا كانت ذات أرجل أمامية للمشي على الأرض بدلًا من الطيران.

تطورت أشكال الأجنحة والعضلات في مجموعات مختلفة بطريقة مشابهة، لأن فيزياء توليد الدفع والرفع في الهواء هي نفسها دائمًا، الأمر نفسه مع أشكال العيون التي تطورت 40 مرة في الحيوانات، وذلك بعدد قليل من التصاميم الأساسية.

تشبه عيون الإنسان عيون الحبار في احتوائها على العدسة البلورية وقزحية العين وشبكية العين والأصباغ البصرية، مع أن الحبار يرتبط بالقواقع والبزاقات والمحار أكثر من ارتباطه بالإنسان، فإن لأقاربه من الرخويات عيونًا بتصاميم أبسط.

أما حيوانات الخلد فقد تطورت عمياء، وتطورت أربع مرات على الأقل في قارات مختلفة، وفروع مختلفة من الشجرة التطورية للثدييات.

كان تطور كل الكائنات التالية في مسار واحد: حيوانات الخلد الجرابية الأسترالية المرتبطة ارتباطًا وثيقًا بالكنغر، والخلد الذهبي الأفريقي المرتبط ارتباطًا وثيقًا بخنزير الأرض، وفئران الخلد الأفريقية المرتبطة بالقوارض، وحيوانات الخلد التالبية أو المعروفة بالمناجذ الحفارة في أوراسيا وأمريكا الشمالية المرتبطة بالقنافذ أكثر من ارتباطها بحيوانات الخلد الأخرى.

جذور التطور:

كانت دراسة المظهر هي الطريقة الوحيدة التي اتبعها علماء الأحياء التطورية إلى أن ظهرت تقنية التسلسل الجيني الفعالة والأقل تكلفة في القرن الحادي والعشرين.

أظهر داروين بعدها في عام 1859 أن الحياة الأرضية كلها ترتبط ببعضها عبر الشجرة التطورية الواحدة، لكنه لم يساهم كثيرًا بتقسيم فروعها.

كان عالم التشريح أرنست هيكل (1834-1919) من أوائل العلماء الذين رسموا الشجرة التطورية التي حاولت توضيح كيفية ارتباط المجموعات الرئيسية لأشكال الحياة.

قدمت رسوم هيكل ملاحظات رائعة عن الكائنات الحية التي أثرت الفن والتصميم في القرنين 19 و20، واستندت الأشجار التطورية التي وضعها إلى مظلهر هذه الكائنات وتطورها في المرحلة الجنينية، وحُفظت العديد من أفكاره حول الشجرة التطورية حتى زمنٍ قريبٍ.

نظرًا إلى أنه قد أصبح من السعل الحصول على الكثير من البيانات الجزيئية من الـ DNA وتحليلها بتكلفة أرخص، فسنحصل على مفاجآت عديدة مستقبلًا.

اقرأ أيضًا:

أدلة أحفورية جديدة تناقش الغرض التطوري من عنق الزرافة

كيف تتشكل الأنواع؟ دراسة توضح تاريخ العلاقة المعقدة بين الدببة القطبية والبنية

ترجمة: جوليا كاملة

تدقيق: سمية بن لكحل

المصدر