خلال فترةٍ لا تتعدى السنة، تمكن فريقٌ من الباحثين باستعمال تلسكوب الراديو الكندي من التقاط عددٍ كبيرٍ من الإشارات القادمة من الفضاء الخارجي التي تُعرف باسم الدفقات الراديوية السريعة الخارجية -EFRBs.

بين عامي 2018 و2019، تمكنت التجربة الكندية المختصة بقياس كثافة الهيدروجين CHIME من التقاط ما يعادل 535 إشارة راديوية. وتساعد هذه التجربة المختصين عبر الدفقات الراديوية السريعة التي تلتقطها على تحليل البيانات أفضل وأوسع.

وبالمقابل، ستساعدنا هذه البيانات على معرفة أصل الدفقات الراديوية الخارجية، مما سيساهم في فهم الكون بصورة أفضل.

وتؤكد كايتلين شين -الفيزيائية الباحثة في CHIME ومعهد ماساتشوستس- أن سنةً من هذه التجربة كانت كافية لتُمكّن الباحثين من رفع عدد الدفقات الراديوية المُكتشفة، إذ كانت لا تتعدى مئة دفق قبيل تجربة CHIME أما الآن، بات العدد المُكتشف بالمئات.

وتستطرد شين حديثها قائلة: «عبر هذه البيانات، سنتمكن من فهم هذه الدفقات بصورة أعمق، ما يساعدنا على فهم الكون تباعًا».

تُعد هذه الدفقات غاية في الروعة من منطلق فيزيائي إذ تتكون من دفقات ضوئية ذات طول موجة راديوي موجودة على بعد ملايين السنين الضوئية. تبقى هذه الدفقات فتراتٍ لا تتعدى جزءًا من الثانية، وتصدر في هذه الفترة القصيرة ما يعادل ما تصدره طاقة 500 شمس في نفس الفترة.

اكتشف أول دفق راديوي عام 2007، ومنذ ذلك الحين، تعتبر سرًا محيرًا للجميع، إذ تكمن صعوبة دراستها بقصر فترة وجودها، وعدم قدرتنا على توقعها.

راقبت تجربة CHIME السماء بحثًا عن هذه الدفقات باستعمال التلسكوب الكندي، الذي يتكون من أربعة هوائيات مكافئة Parabolic antennas تساعده على توسيع نطاق بحثه عن الدفقات.

يصدر هذا التلسكوب ما يعادل سبعة تيرابايت من البيانات في كل ثانية، وتُحلل باستخدام مرابط ذي قدرة عالية مخصص لهذه المهمة-Custom powerful correlator.

تعتبر هذه التكنولوجيا الموجودة في CHIME هي ما تمكن التلسكوب من التقاط هذا العدد من الدفقات الراديوية.

ساهمت اكتشافات هذا التلسكوب في معرفة الكثير عن أصل هذه الدفقات، إذ أظهرت البيانات توسع انتشارها في الفضاء، إذ يقترح العلماء إمكانية التقاط ما يقارب 9000 دفق راديوي يوميًا.

وعلق الفيزيائي كيوشي ماسوي على ذلك قائلًا: «هنا تكمن جمالية الدفقات الراديوية، إذ إنها صعبة الالتقاط، لكنهاواسعة الانتشار. لو امتلكنا القدرة على رؤية هذه الدفقات كما نرى فلاش الكاميرا، لتمكنا من رؤيتها دائمًا في السماء».

ساهمت التجربة أيضًا في إيضاح وتأكيد بعض النظريات السابقة. يعرف عن الدفقات الراديوية عدم تكرر معظمها. اكتشف الفريق من خلال تجربة CHIME، 18 دفقًا متكررًا من أصل 535.

تظهر الإشارات من هذه الدفقات مختلفة، بدقةٍ أكبر ومدةٍ أطول.

معظم الدفقات المتكررة تتكرر عشوائيًا باستثناء دفقين، يقومان بذلك دوريًا، وما يزال البحث قائمًا عن أًصل هذا التكرر الدوري ومعناه.

التقط التلسكوب السنة الماضية أول دفق راديوي من داخل مجرتنا، مصدره نجمٌ مغناطيسي، إلا أن هذا لا يعني أن أصل هذه الدفقات من هذه النجوم، إذ ما تزال هناك العديد من الأجرام والأحداث الفلكية التي قد تصدرها.

مع الاكتشافات الجديدة، بات الباحثون يتمكنون من تحديد أصل هذه الدفقات بدقة، إذ تحدد المنطقة داخل المجرة التي ينبع منها الدفق. وتقترح بيانات CHIME عددًا من النظريات عن الطبيعة التي تنبع منها هذه الدفقات.

يستعمل علماء الفلك حاليًا هذه الدفقات الراديوية لفهم بيئة الفضاء الخارجي وطبيعته، وبسبب تبعثر وتشتت الدفق الراديوي عند مروره، يدرس العلماء هذا التشتت لإعادة رسم الرحلة التي عبر فيها الدفق.

خلال السنة الماضية، استعمل عددٌ من الباحثين هذه الطريقة لإيجاد الغاز المنتشر الذي لا تمكننا رؤيته في الفراغات الفضائية. ستساعد بيانات CHIME العلماء في رسم خارطة لهذه المناطق وفهمها بعمق أكبر.

وتقول شين أن وجود هذا العدد من الدفقات سيساعدنا بالتأكيد في إيجاد وفهم هذه الغازات المنتشرة، لذا، فإن دور هذه الدفقات سيكون مستقبلًا، مسابير طبيعية في الفضاء الخارجي.

اقرأ أيضًا:

مرصد أسترالي متطوّر يرصد سلسلة من التدفقات لإشارات راديو غامضة في الفضاء خلال عام واحد فقط

إشارات غامضة تدل على أن الدفقات الراديوية السريعة أنشط مما اعتقدنا

ترجمة: محمد علي مسلماني

تدقيق: مازن النفوري

المصدر