التلوث هو عملية جعل الأرض أو الماء أو الهواء أو أجزاء أخرى من البيئة قذرةً وغير آمنة أو غير ملائمة للاستخدام. ويحصل هذا بإدخال ملوث ما في بيئة طبيعية وليس هذا الملوث ملموسًا بالضرورة، فقد نعدّ الأشياء البسيطة مثل الضوء والصوت ودرجة الحرارة ملوثات عند إدخالها المُفتعل في البيئة.

وبحسب منظمة Pure Earth البيئية غير الربحية، يؤثر التلوث السام في أكثر من 200 مليون شخص في جميع أنحاء العالم. إذ يولد الأطفال في بعض الأماكن الأكثر تلوثًا في العالم بعيوب خلقية، ويفقد الأطفال الأكبر سنًا من 30 إلى 40 نقطة من معدل ذكائهم، وقد يصل متوسط العمر المتوقع إلى 45 عامًا بسبب السرطانات والأمراض الأخرى.

تلوث التربة

تتلوث التربة بالقمامة المنزلية والنفايات الصناعية، وبحسب وكالة حماية البيئة الأمريكية أنتج الأمريكيون 258 مليون طن تقريبًا من النفايات الصلبة في 2014، نصفها تقريبًا (136 مليون طن) تجمعه مكبات النفايات، ونسبة 34% منها فقط أُعيد تدويرها لتتحول إلى سماد.

شكلت المواد العضوية النسبة الأكبر من القمامة بحسب تصريح وكالة حماية البيئة، وشكّل الورق والكرتون نسبةً تفوق 26%، بينما كانت نسبة الطعام 15%، ونفايات الحدائق 13%، أما البلاستيك فقد بلغت نسبته حوالي 13% من النفايات الصلبة، بينما كانت نسبة المطاط والمنسوجات والجلود 9.5%، والمعادن 9%، وساهم الخشب أيضًا بنسبة 6.2% من القمامة، وبلغت نسبة الزجاج 4.4%، فيما شكلت المواد المتنوعة الأخرى نسبة 3%.

تشكّل النفايات التجارية أو الصناعية جزءًا كبيرًا من النفايات الصلبة. فوفقًا لجامعة يوتا، تستهلك الصناعات أكثر من 1800 طن من المواد لتزويد الأسرة الأمريكية المتوسطة بالمنتجات المطلوبة سنويًا.

وتصنف معظم هذه النفايات بأنها غير خطرة مثل مواد البناء (الخشب، والخرسانة والطوب والزجاج وما إلى ذلك)، والنفايات الطبية (الضمادات والقفازات الجراحية والأدوات الجراحية والإبر المُتلفة وما إلى ذلك).

أما النفايات الخطرة فهي أية نفايات سائلة أو صلبة أو حمأة تحوي مكونات خطرة قد تكون ضارةً بصحة الإنسان أو البيئة. إذ ينتج عن الصناعات نفايات خطرة من عمليات التعدين وتكرير النفط وتصنيع مبيدات الآفات وغيرها من الإنتاج الكيميائي. وينتج عن العائلات أيضًا نفايات خطرة كالطلاء والمذيبات وزيت المحركات وأضواء الفلورسنت وعلب الرذاذ والذخيرة.

تلوث المياه

تتلوث المياه عندما تدخلها المواد الكيميائية، أو المعادن مثل الرصاص أو الزئبق، أو المواد الغريبة الخطرة كالمواد الكيميائية السامة ومياه الصرف الصحي ومبيدات الآفات والأسمدة من الجريان السطحي الزراعي.

وفقًا لوكالة حماية البيئة (EPA)، فإن 44% من الجداول المائية التي فحصوها و64% من البحيرات و30% من الخلجان ومصبات الأنهار ليست نظيفة بما يكفي لصيد الأسماك والسباحة.

وأفادت وكالة حماية البيئة أيضًا أن الملوثات الأكثر شيوعًا في الولايات المتحدة هي البكتيريا والزئبق والفوسفور والنيتروجين. ويعد الجريان السطحي الزراعي والترسيب الجوي وتحويل المياه وتخطيط مجاري الجداول المائية من المصادر الأكثر شيوعًا للملوثات أيضًا.

إن تلوث المياه لا يعد مشكلة للولايات المتحدة وحدها، فوفقًا للأمم المتحدة لا يستطيع 783 مليون شخص الحصول على المياه النظيفة، و2.5 مليار شخص تقريبًا ليس لديهم المرافق الصحية المناسبة التي تساعد بدورها على منع مياه الصرف الصحي وغيرها من الملوثات من الوصول إلى الموارد المائية.

وفقًا للإدارة الوطنية للمحيطات والغلاف الجوي (NOAA)، يعود مصدر 80% من تلوث البيئة البحرية إلى التربة من خلال مصادر مختلفة مثل الجريان السطحي.

يؤثر تلوث المياه تأثيرًا شديدًا في الحياة البحرية، فقد يتسبب الصرف الصحي مثلًا في نمو مسببات الأمراض، في حين أن وجود المركبات العضوية وغير العضوية في الماء قد يغير تركيب المورد المائي. ووفقًا لوكالة حماية البيئة، فإن المستويات المنخفضة من الأوكسجين المنحل في الماء يعد أيضًا من الملوثات.

إذ يحدث هذا الانحلال نتيجة تحلل المواد العضوية التي تتواجد في مياه الصرف الصحي على مثلًا.

قد يكون ارتفاع درجة حرارة المياه ضارًا أيضًا، ويعرف ذلك الاحترار الاصطناعي للمياه بالتلوث الحراري، الذي يحدث نتيجة استخدام المصانع والمنشآت للمياه في عمليات التبريد ثم طرح المياه الحارة، ما يقلل نسبة الأوكسجين الموجود في الماء، وهذا قد يودي بحياة الأسماك والبرمائيات.

التغير المفاجئ في درجة حرارة الجسم المائي قد يقتل الأسماك أيضًا. فوفقًا لجامعة جورجيا، تشير التقديرات إلى أن حوالي نصف كمية المياه المسحوبة كل عام من أنظمة المياه في الولايات المتحدة تُستخدم لتبريد محطات توليد الطاقة الكهربائية.

وبحسب دون ديرز الرئيس السابق لمؤسسة TSAugust غير الربحية التي تركز على قضايا الطاقة: «في معظم الحالات تقريبًا تُرجع 90% من هذه المياه إلى مصدرها حيث ترفع درجة حرارة الماء في المنطقة التي تحيط بأنبوب تصريف المياه مباشرةً. وبحسب تدفق الماء فإن درجة حرارة الماء سرعان ما تعود الى درجات الحرارة المحيطة التي لا تضر بالأسماك».

تلوث المغذيات أو الإثراء الغذائي هو أيضًا نوع آخر من تلوث المياه. يحدث عندما تُضاف العناصر الغذائية مثل النيتروجين إلى المسطحات المائية. وتكون هذه المغذيات مثل السماد بالنسبة للطحالب، ما يؤدي إلى نموها بمعدلات مفرطة. تمنع الطحالب الضوء عن النباتات الأخرى ما يؤدي إلى موت هذه النباتات وتحللها بالنتيجة، ما يؤدي بدوره إلى خفض نسبة الأوكسجين في الماء وهذا يسبب موت الكائنات المائية.

تلوث الهواء

إن التركيب الكيميائي للهواء دقيق جدًا، إذ يتألف بنسبة 99% من النيتروجين والأوكسجين وبخار الماء والغازات الخاملة، وعندما تُضاف إلى هذه التركيبة مواد جديدة لا توجد فيه عادةً يحدث عندها تلوث الهواء.

يعود أحد أنواع التلوث الشائعة للنشاط البشري الذي يتسبب بإطلاق الجزئيات الناتجة عن حرق الوقود الأحفوري. أما الغازات الخطرة مثل غاز ثاني أكسيد الكبريت وأكاسيد النتروجين وأول أكسيد الكربون والأبخرة الكيميائية فتتسبب بنوع شائع آخر من أنواع تلوث الهواء، إذ تشارك هذه الغازات في التفاعلات الكيميائية فور وجودها في الغلاف الجوي، ما يؤدي الى تشكل الأمطار الحامضية والضباب الدخاني. وقد يكون التدخين السلبي الآتي من المنازل والأبنية أحد مصادر تلوث الهواء الأخرى.

قد يتجلى تلوث الهواء أخيرًا في غازات الدفيئة، مثل ثاني أكسيد الكربون أو ثاني أكسيد الكبريت، التي تؤدي إلى ارتفاع درجة حرارة الكوكب بتأثير الاحتباس الحراري الذي يظهر أثره عندما تمتص الغازات الأشعة تحت الحمراء التي تنطلق من الأرض، ما يمنع الحرارة من الخروج، وهذه عملية طبيعية تحافظ على دفء غلافنا الجوي. لكن إضافة الكثير من الغازات إلى الغلاف الجوي، تؤدي إلى احتجاز المزيد من الحرارة وهذا يجعل دفء الكوكب مصطنعًا.

يقتل تلوث الهواء أكثر من 2 مليون شخص كل عام، وفقًا لدراسة نُشرت في مجلة Environmental Research Letters.

قد تؤثر آثار تلوث الهواء في صحة الإنسان كثيرًا أيضًا، وذلك اعتمادًا على الملوث، وبحسب هيو سيلي الأستاذ ومدير مسار الصحة البيئية والمهنية في قسم الصحة العامة والطب الوقائي من جامعة سانت جورج في غرينادا، إذا كان الملوث شديد السمية فإن آثاره في الصحة قد تكون شديدة وواسعة الانتشار. فمثلًا أدى إطلاق غاز إيزوسيانات الميثيل من مصنع Union Carbide في بوبال عام 1984 إلى مقتل أكثر من ألفي شخص، وعانى أكثر من 200 ألف آخرون من مشكلات في الجهاز التنفسي. وقد يسبب المهيج (مثل الجسيمات التي تقل عن 10 ميكرومتر) أمراض الجهاز التنفسي وأمراض القلب والأوعية الدموية وزيادة في الربو.

ويقول سيلي: «الأطفال وكبار السن وذوو أجهزة المناعة الضعيفة هم الأكثر عرضةً لمخاطر تلوث الهواء. فقد يكون ملوث الهواء مسرطنًا (مثل بعض المركبات العضوية المتطايرة) أو نشطًا بيولوجيًا (مثل بعض الفيروسات) أو مشعًا (مثل الرادون). أما ملوثات الهواء الأخرى مثل ثاني أكسيد الكربون فيكون لها تأثير غير مباشر في صحة الإنسان بتغير المناخ».

التلوث الضوضائي

مع أن البشر لا يستطيعون رؤية التلوث الضوضائي أو شمه، فهو ما يزال يؤثر في البيئة. إذ يحدث التلوث الضوضائي عندما يصل الصوت القادم من الطائرات أو الصناعات أو من المصادر الأخرى إلى مستويات ضارة. وقد أظهرت الأبحاث وجود روابط مباشرة بين الضوضاء والصحة، كالأمراض المرتبطة بالتوتر وارتفاع ضغط الدم وتداخل الكلام وفقدان السمع.

فمثلًا، وجدت دراسة أجرتها منظمة الصحة العالمية بعنوان (العبء البيئي للضوضاء على المرض) أن التلوث الضوضائي قد يسبب مئات آلاف الوفيات سنويًا بزيادة معدلات الإصابة بأمراض القلب التاجية. وبوسع وكالة حماية البيئة تنظيم ضوضاء الآلة والطائرة بموجب قانون الهواء النظيف.

ثبت أن التلوث الضوضائي تحت سطح الماء القادم من السفن يربك أنظمة ملاحة الحيتان، ويقتل الأنواع الأخرى التي تعتمد على العالم الطبيعي تحت الماء. وتجعل الضوضاء أيضًا الأنواع البرية تتواصل بصوت أعلى، ما قد يجعل عمرها الافتراضي أقصر.

التلوث الضوئي

لا يستطيع معظم الناس تخيل العيش من دون رفاهية الأضواء الكهربائية الحديثة. لكن بالنسبة للعالم الطبيعي فقد غيرت الأضواء مهام الأيام والليالي وطريقة عملها، وفيما يلي بعض عواقب التلوث الضوئي:

  •  غناء بعض الطيور في غير الساعات الطبيعية لها في وجود الضوء الاصطناعي.
  •  وجد العلماء أن الأيام الاصطناعية الطويلة قد تؤثر في جداول الهجرة، لأنها تسمح بأوقات إطعام أطول.
  •  قد تربك مصابيح الشوارع السلاحف البحرية التي تفقس حديثًا والتي تعتمد على ضوء النجوم المنعكس على الأمواج لتوجيهها من الشاطئ نحو المحيط، لذلك غالبًا ما تجدها تتجه في الاتجاه الخاطئ.
  •  إن التلوث الضوئي الذي يعرف بتوهج السماء يصعّب على علماء الفلك المحترفين والهواة رؤية النجوم رؤية صحيحة.
  •  قد تتعطل أنماط تطور النبات وإزهارها تمامًا بسبب الضوء الاصطناعي.
  •  وفقًا لدراسة أجراها الاتحاد الجيوفيزيائي الأمريكي قد يؤدي التلوث الضوئي أيضًا إلى تفاقم الضباب الدخاني بتدمير جذور النترات التي تساعد على تشتيت الضباب الدخاني.

قد لا يكون تشغيل الكثير من الأضواء ضروريًا. إذ تُقدر الأبحاث التي نشرتها المجلة الدولية للعلوم والبحوث أن الإضاءة المفرطة تهدر تقريبًا مليوني برميل من النفط يوميًا، والإضاءة مسؤولة عن ربع إجمالي استهلاك الطاقة في جميع أنحاء العالم.

حقائق أخرى عن التلوث

  •  وفقًا لتحالف المدارس الخضراء ينتج الأمريكيون سنويًا: 30 مليار كوب من الرغوة، و 220 مليون إطار و1.8 مليار من الحفاضات التي تستخدم لمرة واحدة.
  •  وفقًا لمنظمة الصحة العالمية، يساهم تلوث الهواء المحيط في 6.7% من جميع الوفيات في جميع أنحاء العالم.
  •  يستنزف نهر المسيسيبي ما يقرب من 40% من أراضي الولايات المتحدة القارية. ويحمل أيضًا ما يقدر بنحو 1.5 مليون طن متري من التلوث النيتروجيني الى خليج المكسيك سنويًا، ما يؤدي إلى مناطق ميتة كل صيف بحجم نيوجيرسي تقريبًا.
  •  قد يغير التلوث في الصين أنماط الطقس في الولايات المتحدة، إذ يستغرق انتقال تلوث الهواء الكثيف من الصين الى الولايات المتحدة الأمريكية خمسة أيام فقط، إذ يمنع السحب من إنتاج الأمطار والثلوج.
  •  وفقًا لمنظمة الصحة العالمية، ترتبط 7 ملايين حالة وفاة مبكرة تقريبًا سنويًا بتلوث الهواء، ما يقارب 1 من 8 في جميع أنحاء العالم.

اقرأ أيضًا:

التلوث الضوئي يؤدي إلى حجب النجوم في السماء. ماذا يعني ذلك؟

هل يزيد تلوث الهواء بجزيئات فائقة الدقة من خطر الإصابة بالنوبات القلبية؟

ترجمة: ساره الحمصي

تدقيق: منال توفيق الضللي

مراجعة: محمد حسان عجك

المصدر