التنبؤ بعدم القدرة على التنبؤ، دراسة المناخ أصعب مما كنا نتصور


بطولها البالغ ميلين وقطرها الذي يصل إلى خمس بوصات، تُعتبر العينة الجليدية الجوفية المُسماة: «فجوة الغطاء الجليدي لغرب القطب الجنوبي» أو (WAIS) سجلًا ملموسًا لمناخ كوكبنا خلال الثماني والستين ألف عامٍ الماضيين.

بعد الانتهاء من استخراجها في عام 2011، كانت العينة مليئة بالمعلومات، ولكنها أيضًا كانت مليئة بالضجيج والخطأ، ما جعل من قراءة قصة المناخ مهمة صعبة. ويُشكّل موضوع معرفة ما إذا كانت التغييرات الصغيرة في البيانات خلال قراءة قصة الأسطوانة الجليدية ناتجة عن إلقاء البشر المزيد من الكربون في الغلاف الجوي أو عن ظواهر جويَّة غريبة في القطب الشمالي أو عن أخطاء في المعدات تحديًا كبيرًا للعلماء.

اعتمادًا على نظرية المعلومات؛ اقترح فريق بحثي بقيادة حامل منحة أوميديار في معهد «سانتا في»، وهو «جوشوا غارالاند»، اقترح أساليب جديدةً وأكثرَ تعقيدًا تحمل وعودًا بجعل تفسير معلومات العينة الجليدية (WAIS) أكثر سهولة، وباستخراج أنواع جديدة من المعلومات التي يمكن أن تغيير من طريقة تفكيرنا بمناخ كوكب الأرض.

يقول جيمس وايت، وهو مدير معهد أبحاث القطب الشمالي وجبال الألب ومساهم في المشروع: «هناك معلومات في هذه السجلات لم نعرف بوجودها قبل الآن، وهذا يفتح أبوابًا لم نعرف بوجودها أصلًا».

في التطبيق الأول لهذه الأساليب الجديدة، يركِّز كل من غارالاند ووايت والفريق على النظائر المُشعِّة للماء الموجودة في الجليد، والذي يُعتبر مزيجٌ منها دليلًا جيدًا على درجات حرارة سطح البحر المجاور خلال فترة تشكل الجليد، وبالتالي طريقة جيدة لمُلاحقة تغيُّرات المناخ عبر آلاف السنين. فقط قم برسم تغيرات المزيج للنظير المشع بالنسبة للزمن، ويمكنك معرفة تغيُّرات درجة الحرارة.

ولكن كما يقول ناشطوا الثورة الصناعية: «الأمر الأكثر صعوبة، هو معرفة ما إن كانت هذه التغيرات ناتجة عن عوامل طبيعية أم تأثيرات خارجيَّة». وهنا تدخل نظرية المعلومات، وما يمكن أن يُعرف باسم «تباديل الأنتروبي» (Permutation Entropy).

في نظرية المعلومات، يقيس الأنتروبي مقدار عدم القدرة على التنبؤ بمحتوى المعلومات. وتعتبر تباديل الأنتروبي بشكل رئيسي طريقة لتكميم قابلية التنبؤ بأحداث مستقبلية.

تخيَّل نظامًا مناخيًا معزولًا، خالٍ من العوامل المسببة للتغييرات؛ مثل البراكين أو البشر. سيكون كل ما تحتاجه للتنبؤ بمستقبل المناخ موجودًا في تاريخ مناخ الأرض. ولكن، وعند إدخال العوامل المسببة للتغيرات، سيُطلقون معلومات جديدة لا يمكن التنبؤ بها من الأنماط السابقة للمناخ، وهذا يجب أن يظهر كزيادة في تباديل الأنتروبي (مثل زيادة في عدم القدرة على التنبؤ).

في الواقع، هناك دلائل مبكرة في سجل العينة الجليدية (WAIS) تشير إلى زيادة في الأنتروبي تعود إلى 10000 سنة ماضية، أي في بداية الفترة الهولوسينية، مما يقترح بدء تأثيرات البشر على المناخ قبل الثورة الصناعية.

لا زلنا بانتظار تأكيد على هذه الاكتشافات. في هذه الأثناء، حقق غارالاند وفريقه اكتشافَين آخرين مثيرين للدهشة باستخدام أساليبهم الجديدة. يتعلق الاكتشاف الأول بأحداث (Dansgaard-Oeschger)، والتي مرت خلالها غرينلاند بارتفاع سريع بدرجات الحرارة خلال فترات جليدية، مما أحدث آثارًا في جميع أنحاء العالم.

يظن علماء الجيولوجيا أن هذه الأحداث بدأت مع صدمة خارجية من نوع ما. ولكن حين نظر غارالاند وفريقه إلى عينة جوفية جليدية أخرى من شمال غرينلاند، لم يجدوا أي زيادة في تباديل الأنتروبي. أي بكلمات أخرى، عدم وجود صدمة خارجية، مما يقترح كون هذه الأحداث على الأغلب جزء من طريقة عمل المناخ القياسية. واستدعت النتائج الأولية دراسات إضافية.

وفي مفاجأة أخرى؛ اكتشف غارالاند وفريقه شذوذًا في معلومات العينة الجليدية (WAIS)، والتي استعصت على آخرين (حالة شاذة أدت إلى استخدام أدوات قديمة في تحليل قسم من العينة). باستخدام أساليب تباديل الأنتروبي، يُفتش الباحثون عن حالات شاذة مشابهة في العينة الجليدية.


إعداد: مازن ملص
تدقيق: إسماعيل الحسناوي
المصدر