أعادت دراسة جديدة فكرة تتعلق بأبحاث السكتة الدماغية إلى الأضواء، وقد كانت معروفة سابقًا لكنها موضع جدل. إذ اعتقد الباحثون سابقًا أن تهدئة الخلايا العصبية مفرطة الاستثارة عقب السكتة الدماغية يمنعها من إنتاج مادة سامة قد تؤدي إلى قتل الكثير من الخلايا العصبية الأخرى المتضررة أساسًا بسبب نقص الأكسجين. ونُشرت كثير من الدراسات التي تدعم هذه الفكرة سابقًا وقد أُجريت على الخلايا والحيوانات، لكنها فقدت مصداقيتها في بداية الألفية الجديدة نتيجة عدم ظهور نتائج إيجابية عند إجراء التجارب السريرية على مرضى السكتة الدماغية.

لكن توجهًا جديدًا أظهر دليلًا يثبت أن الباحثين ربما تسرعوا قليلًا في الحكم. إذ أُخذت عينات لجينوم كامل لستة آلاف شخص مصاب بالسكتة الدماغية، واستطاع باحثو كلية الطب في جامعة واشنطن في سانت لويس تحديد جينين مرتبطين بالشفاء من السكتة في أول 24 ساعة التي تعد هامةً في تحديد نتائج السكتة الدماغية. إن جميع ما يحدث في اليوم الأول جيدًا كان أم سيئًا يسهم في تحديد خطة العلاج على المدى الطويل، واتضح أن الجينين مسؤولان عن تنظيم استثارة الخلايا العصبية، ما يُقدم دليلًا على مدى تأثير فرط استثارة الخلايا العصبية في نتائج السكتة الدماغية.

وقد صرح البروفيسور جين مو لي المشارك في هذه الدراسة ورئيس قسم الأعصاب في جامعة واشنطن: «لقد تأخرنا قليلًا في إجابة سؤال يتعلق بمدى تأثير فرط استثارة الخلايا العصبية في شفاء مرضى السكتة الدماغيث. لقد كنا قادرين على علاج السكتة الدماغية عند الفئران باستخدام حاصرات فرط الاستثارة، لكن جميع محاولاتنا في تجربة ذلك على البشر باءت بالفشل، إذ كانت جميع النتائج سلبية بلا استثناء، لكن ما يميز هذه الدراسة اكتشافنا جينين (من بين 20 ألف جين) يفسران آلية فرط الاستثارة العصبية. هذا رائع حقًا، فهو أول دليل جيني يثبت أهمية فرط الاستثارة العصبية عند البشر وليس الفئران فقط».

يُصاب سنويًا ما يقارب 800 ألف شخص بالسكتة الدماغية في الولايات الأمريكية المتحدة وحدها، وتحدث السكتة الدماغية التي تعد أكثر أنواع السكتات شيوعًا عندما تسد خثرة وعاءً دمويًا قاطعةً الأكسجين عن جزء من الدماغ، وهو ما يسبب مباشرة الخدر والضعف والتخليط الذهني وصعوبة الكلام والكثير من الأعراض الأخرى، وخلال 24 ساعة من حدوثها، قد تسوء الأعراض عند بعض الناس وقد تستقر أو تتحسن عند آخرين.

وقد أجرى البروفيسور دينس تشوي في تسعينيات القرن الماضي بحثًا فريدًا من نوعه عن فرط الاستثارة عند مرضى السكتة الدماغية، وقد أثبت أن السكتة كانت سببًا في إفراز كمية كبيرة من الغلوتامات (مادة تنقل الاستثارة بين الخلايا العصبية)، صحيح أن الغلوتامات مادة طبيعية تفرز باستمرار من الخلايا العصبية بوصفها جزءًا من وظائف الجهاز العصبي الطبيعية، لكن إفرازها بكميات كبيرة دفعةً واحدةً قد يكون سامًا للخلايا. لكن الجهود المبذولة في تحويل هذه النتائج إلى علاج ملموس لمرضى السكتة الدماغية باءت بالفشل، لتترك بعد ذلك جميع شركات الأدوية جميع خطط التطوير وصناعة الأدوية المضادة للاستثارة.

لكن البروفيسور لي لم يستسلم، وجمع الكثير من الباحثين الآخرين في محاولة للبحث عن أسباب الأذية الدماغية التالية للسكتة، إذ جمع الباحثون مجموعة من الناس الذين تعرضوا سابقًا لسكتة دماغية، ثم بحثوا في الاختلافات الجينية بين من استعادوا وظائفهم الأساسية خلال اليوم الأول من السكتة الدماغية وبين من لم يفعلوا، إذ درس الباحثون عينة من 5870 مريضًا من 7 دول (وهي إسبانيا وفنلندا وبولندا وكوستاريكا والمكسيك والولايات المتحدة الأمريكية وكوريا الجنوبية)، وقاسوا معدل شفاء كل مريض في اليوم الأول من حدوث السكتة الدماغية أو تدهوره، وذلك باستخدام درجاتهم على مقياس السكتة الدماغية لدى معاهد الصحة الوطنية الأمريكية بعد 6 و 24 ساعة من حدوث السكتة الدماغية، ويقيس هذا السلم درجة الأذية العصبية بناءً على معايير مثل القدرة على الإجابة على أسئلة بديهية (مثل: كم عمرك؟)، أو أداء حركات مثل رفع الذراع أو الساق، أو الشعور بملامسة شخص آخر.

وأجرى الباحثون دراسة ربطت بين تسلسل جينات المرضى وبين درجتهم على سلم الأعراض السابق، وركزوا على مدى ارتباط التغيرات الجينية بدرجة الأعراض على سلم السكتة الدماغية، وكانت أكثر الجينات المرتبطة الجينين المسؤولين عن ترميز بروتين ADAM23 وبروتين GluR1، وكلاهما مرتبط بإرسال معلومات استثارية بين الخلايا العصبية، إذ يشكل ADAM23 جسرًا بين الخلايا العصبية ما يمكّن جزئيات نقل الإشارة مثل الغلوتامات بالانتقال من خلية إلى أخرى، بينما يشكل GluR1 مستقبلًا للغلوتامات.

وقد صرح أحد باحثي الدراسة: «لقد بدأنا الدراسة دون امتلاك أدنى فكرة عن آلية حدوث الأذية العصبية، لكننا خمنا أن بعض التغيُّرات الجينية بين الأفراد مسؤولة عن الشفاء من السكتة الدماغية، لكن تحديد هذه الجينات لم يكن معروفًا، لذلك درسنا كل جين ومنطقة جينية، ولهذا السبب كانت نتائج هذه الدراسة الحيادية التي أظهرت تورط جينين فيما يخص الاستثارة العصبية مشيرةً إلى أهميتها».

وقد ساد استخدام الأدوية الحالة للخثرات بعد التخلي عن تطوير الأدوية المضادة للاستثارة، وتهدف هذه الأدوية لاستعادة التدفق الدموي ما يسمح للأكسجين وجميع المواد الموجودة في الدم كالأدوية بالوصول إلى مناطق الأذية في النسيج الدماغي، وبهذا تكون الأدوية الواقية للخلايا العصبية التي فشلت في الماضي أكثر فعاليةً الآن بحكم أنها قادرة على الوصول إلى المناطق المتضررة أكثر من السابق. وصرح لي:

«نعلم أن لأحداث أول 24 ساعة بعد السكتة الدماغية الأثر الأكبر في تحديد النتائج وما يتعلق بالعلاج طويل الأمد، ولا نملك حاليًا أي دواء واق قادر على التأثير في أول 24 ساعة، لكن هذا يدفعنا للعودة قليلًا إلى الوراء وإعطاء فرصةً أخرى للأدوية المضادة للاستثارة التي أثبتت فشلها سابقًا نتيجةً لعدم معرفتنا بالتصميم الصحيح للدراسة، لكن الآن بعد أن تضاعفت معرفتنا بالسكتة الدماغية خلال العقود السابقة، فأعتقد أنه من الجيد إعادة اختبار تلك الأدوية».

اقرأ أيضًا

السكتة الدماغية الإقفارية: الأسباب والأعراض والتشخيص والعلاج

جراحة بسيطة تبعد خطر السكتة الدماغية عند مرضى اضطراب النظم القلبي

ترجمة: محمد أديب قناديل

تدقيق: محمد حسان عجك

المصدر