تيار الخليج يتباطأ مع تغير المناخ في نصف الكرة الأرضية الجنوبي


من الواضح أنَّ تيارات المحيطات المسؤولة عن المناخ المعتدل في إنكلترا في حالة تباطؤ.
وهذا التحول لا يحدث بشكل مفاجئ ودرامي، كما في فيلم الخيال العلمي الذي صدر عام 2004 «يوم بعد غد»، وإنما هو تأثير فعلي له عواقب وآثار على المناخ في شرق أميركا الشمالية وغرب أوروبا.

وكذلك خلافًا لما حدث في ذلك الفيلم، وفي نظريات التغير المناخي على المدى الطويل، فإنَّ هذه الاتجاهات الحديثة ليست مرتبطة بذوبان الجليد في بحر القطب الشمالي وتراكم وتجمُّع المياه بالقرب من القطب الشمالي.

وبدلًا من ذلك يبدو بأنَّها مرتبطة بالتحولات والتغيرات التي تحدث في الطرف الجنوبي من الكرة الأرضيَّة، وذلك بحسب الدراسة التي أجرتها مؤخرًا جامعة واشنطن في دورية رسائل الأبحاث الجيوفيزيائيَّة.

وقالت (كاثرين كيلي- Kathryn Kelly) وهي عالِمة المحيطات في مختبر الفيزياء التطبيقيَّة بجامعة واشنطن: «بالتأكيد أنَّ التغير لا يحدث كما حصل في الفيلم، وفي الواقع يحدث هذا التباطؤ تدريجيًا، ولكن يبدو أنَّه يتم كما هو مُتوقَّع: يبدو كأنَّه يدور باتجاه الأسفل».

وشملت الدراسة بيانات من الأقمار الصناعيَّة وأجهزة الاستشعار في المحيطات قبالة ميامي، والتي تعقَّبت ما يُعرف بانقلاب دوران تيارات الأطلسي لأكثر من عقد من الزمن.

ومعًا يُظهران تباطؤً واضحًا منذ عام 2004، ومؤكدًا الاشتباه بوجود نزعة للتغير قبل ذلك من خلال البيانات غير المكتملة.

وعند النظر إلى مشاهدات أخرى بحثًا عن السبب، استبعد الباحثون ما كان المشتبه الرئيسي حتى الآن: الذوبان الهائل وتحلية وتجديد المياه في شمال المحيط الأطلسي والتي يمكن أن تمنع المياه من الغوص للأسفل، وتكبح انقلاب التيارات، مما يدفع ويُحرِّك المياه الأكثر دفئًا باتجاه الشمال على امتداد سطح المحيط ويُرسل المياه الأبرد جنوبًا باتجاه الأعماق.

وأضافت كيلي: «من الواضح أنَّ هذا التغير الحاصل على مدى 10 أعوام ليس مرتبطًا بالملوحة، في الواقع بالرغم من ذوبان الجليد، فإنَّ المياه السطحيَّة في المنطقة القطبيَّة أصبحت أكثر ملوحةً وبالتالي أكثر كثافة، وذلك بسبب تدني نسبة هطول الأمطار.

مما يعني أنَّ هذا التباطؤ لا يمكن أن يكون سببه الملوحة، وقد أصبح المحيط الأطلسي بالفعل أكثر ملوحةً من ذي قبل.

وبدلًا من ذلك لاحظ المؤلفون اتصالًا غريبًا مع تيار حول الطرف الجنوبي لجنوب إفريقيا، والذي يُعرف بتيار «Agulhas»، وهو عبارة عن تدفق المياه الدافئة للمحيط الهندي جنوبًا على طول الساحل الإفريقي وحول طرف القارة باتجاه المحيط الأطلسي، ولكنه ينعطف بعد ذلك بشكل حاد لينضم للتيار القطبي الجنوبي العاصف.

والمياه الدافئة التي تتسرَّب إلى المحيط الأطلسي حول رأس جنوب إفريقيا يُعرف بتسرُّب «Agulhas».
وقد أظهرت الأبحاث الجديدة بأنَّ كمية هذا التسرُّب تتغير مع كمية الحرارة المنقولة شمالًا بواسطة الانقلاب.

وقالت كيلي: «لقد وجدنا أنه هنالك علاقة بين الاثنين، ولكنني لا أعتقد بأننا وجدنا أنَّ أحدهما يُسبِّب الآخر». كما أضافت: «مهما كان السبب في تغير تيار Agulhas فعلى الأرجح قد غير النظام بأكمله».

وتعتقد كيلي بأنَّ التغيرات المناخيَّة من الممكن أن تؤثر على كِلا التيارين في الوقت ذاته.

كما أوضحت قائلةً: «إنَّ معظم الناس يعتقدون بأنَّ السبب وراء حدوث هذه التيارات هو التغير في درجة الملوحة، ولكن ربما رياح المحيط الجنوبي هي السبب».

وقد يكون لهذه الاكتشافات آثار على مناخ شمال أوروبا وشرق الولايات المُتَّحدة الأميركيَّة، وعلى كيفية فهم آلية نقل المحيطات للحرارة من المناطق الاستوائيَّة باتجاه القطبين.

وقالت المؤلفة المشاركة ( لوآنا سومبسون- LuAnne Thompson)، أستاذة علم المحيطات في جامعة واشنطن: «أعتقد بأنَّ هذه الاكتشافات غيَّرت مفهومنا حول انقلاب دوران التيارات في المحيط الأطلسي والتي يُعتبر تيار الخليج جزءًا منها.

وهي تُعيد دور الغلاف الجوي في السيطرة على المناخ في مناطق خطوط العرض العليا، وأنَّ كُل ما يحدث ليس بسبب المحيطات».

وبالرغم من تباطؤ تيار الخليج وتوسُّع نطاق الانقلاب، لأي سبب من الأسباب، من الممكن أن يجلب كميات أقل من المياه الدافئة لشرق أميركا الشماليَّة وأوروبا الغربيَّة، ويكون سبب التأثيرات الناتجة عن ارتفاع الحرارة بشكل عام هو تغير المناخ العالمي.

وصرَّحت كيلي: «إنَّ مشهد تجمُّد ميناء نيويورك في الفيلم ليس منطقيًا»، وتُضيف قائلةً: «إذا لم ينقل تيار الخليج كميات كافية من الحرارة من المناطق الاستوائيَّة فإنَّ هذا يعني بأنَّ شمال الأطلسي لن ترتفع حرارته بنفس سرعة ارتفاع الحرارة في بقية أجزاء المحيط، وبالتالي لن يبرد المحيط».


إعداد: علي بيشاني
تدقيق: هبة فارس
المصدر