كم مرة سألت الآخرين كيف حالكم؟ بينما أنت في الحقيقة لا تبالي، ويمكن اعتبار سؤالك صادق بمقدار صدق الإجابة التي تتلقاها وهي: أنا في أحسن أحوالي. في الولايات المتحدة الأمريكية تفرض قيم التشجيع والتحفيز لتنفيذ المهام سلوكيات تسبب ضغطًا على الأفراد، إذ تجعلهم يبتسمون ابتسامة مزيفة.

قد يؤثر هذا في الأفراد المكتئبين ويجعلهم يشعرون بالذنب لأنهم ليسوا بأفضل أحوالهم، ويؤثر أيضًا في الأفراد غير المكتئبين إذ يشعرون بالسوء بسبب التقلبات التي يعيشونها.

من الصعب أن يبقى الإنسان مبتسم الوجه في ظل المشكلات العالمية والمعاناة التي نعيشها اليوم، وهذا بدوره يثبط من عزيمة الفرد ويضعف قدرته على المحاولة، ولذلك يلجأ إلى أن يبتسم ابتسامة مزيفة.

تملك الفتيات المراهقات أعلى معدل ابتسامة مزيفة من بين كل مجموعات المجتمع، ويعزى ذلك إلى الضغط الذي يدفعهن كي يبقينَ دائمًا في حالة مثالية ومطابقة للتوقعات الاجتماعية.

نقلًا عن البروفيسور والباحث جيسون وايتينغ: «بعد انتهاء درس تحدثنا فيه عن تزييف الابتسامة، ذهبت إلى زميلي وسألته عن حاله، فأجابني بأنه: «لم يكن أفضل من ذلك!»، وأجبته اعتمادًا على جوابه: «رائع، أنت في القمة الآن! أنت أفضل حالًا من أي وقت مضى، وأنا هنا لأشهد على ذلك!»، فأجابني مبتسمًا ابتسامة مزيفة ومؤكدًا على أن الأمور في وضعها الطبيعي.

ما يجعل المحادثات تنتهي دائمًا بكذبة هو ضغوطات المجتمع فمثلًا، يُقال عادةً «حسنًا، من الأفضل أن تذهب، لأنني واثق بأنك مشغول»، فهذا مقبول مجتمعيًا أكثر من الإجابة الصريحة وهي «سأتوقف عن التكلم معك».

أما في العلاقات العاطفية يقول الشريك «اشتقت لك»، فيجيب الآخر عليه «اشتقت لك أيضًا»، وذلك لأن هذه الطريقة أفضل من أن يكون صريحًا ويقول: «إنني أقضي وقتًا رائعًا ولم أتذكرك ولو للحظة».

ومن الأفضل في المحادثات أيضًا أن تدّعي أنك تفهم ما يقال وتقول: «نعم، لقد فهمتك»، بدلًا من أن تجيب بصراحة: «ليس لدي أي فكرة عما كنت تقول، لأنني كنت أفكر في الغداء».

من الصعب جدًا أن تكون دائمًا حاضرًا ذهنيًا بالكامل، وفي بعض الأوقات يغيب ذهن المستمع فجأة، ربما من غير الواقعي توقع أن تصل المحادثات دائمًا إلى المستمعين، لكن هناك تكلفة زهيدة إذا حدث سوء تفاهم.

لذلك إن كانت جملة «أنني أسمعك» مهمة، فإنه من الأفضل الاعتراف بأنك سهوت قليلًا وتقول بدلًا من ذلك: «انتظر، فإن ذهني تشتت قليلًا، هل بإمكانك أن تعيد ما قلته؟»، فإن هذا أفضل بكثير من محاولتك التظاهر بتواصل غير موجود.

يستغل مقدم البرامج التلفزيونية جيمي كيميل هذا الضغط ليكذب من أجل المظاهر، وألقى الصحفيون أسئلة على مجموعة عشوائية من الأفراد في الشارع، ولكن هذه الأسئلة لم تكن إلا أسئلة مُعدةً.

فمثلًا، يسألون الناس عن آرائهم حول الحوار السياسي في الليلة الماضية، ولكن في الحقيقة لم يكن هناك أي حوار، لكن الناس سيناقشون على كل حال ويجيبون على نمط «أظن أن مرشحي كان هادئًا» أو «تكلم عن مجموعة من النقاط الجيدة» أو «كان الطرف الآخر يبدو متوترًا، فقد تعرض لضغط كبير».

في برنامج Lie Witness News يسأل كيميل الأشخاص عن رأيهم بالهزات الأرضية غير الموجودة، فأجابوه «نعم لقد كانت غير معقولة» أو يسألهم عن فرق موسيقية لم تكن موجودة في مهرجان كواتشيلا الموسيقي.

وكانت الأسئلة على نمط: «ما رأيك بدكتور سلو مو، وجي آي كلينكس، أو عن أوبيستي أبديمك»، ويجيبونه الأفراد مبتسمين ابتسامة مزيفة عن آرائهم حول هذه الفرق غير الموجودة، ويعلق كيميل على ذلك بقوله: «من الغريب حقًا عدم وجودها».

وهذه مجموعة من أجوبة الأشخاص عن سؤاله: «إنني أحب أسلوبهم وطبيعة موسيقاهم فهم مبدعون للغاية». أو «ريجيس وفيلبينز؟ نعم لقد كنت أشغل المحطة الإذاعية لأسمعهم طيلة الوقت عندما كنت في كندا».

إن الضغوط الاجتماعية قوية للغاية، ومن المتوقع أنه إذا أجاب شخص ما مذيعًا يحمل آلة تصوير جوابًا صريحًا مثل «لم أسمع عنهم أبدًا»، فإنه لن يظهر أبدًا في التلفاز.

عالمنا يشجع على الوقوف أمام آلة التصوير ويجبر الأشخاص على إظهار أفضل ابتسامة مزيفة لديهم، ففي الحياة الاجتماعية والعلاقات يمكنك أن تتظاهر بعكس ما تشعر به مؤقتًا، ولكن هناك ثمن للتزييف، لذلك من الأفضل أن تبقى صريحًا وعميقًا، فهذا يؤدي إلى مزيد من التفاعلات والعلاقات الصادقة.

اقرأ أيضًا:

هل نمارس التأمل الواعي بطريقة صحيحة؟

ما مدى تأثير الأحداث السلبية في طفولتك على صحتك الآن؟

ترجمة: جوليا كاملة

تدقيق: محمد الشعراني

مراجعة: محمد حسان عجك

المصدر