كان جيمس واط (30 يناير 1736-25 أغسطس 1819) المخترع والمهندس الميكانيكي والكيميائي الاسكتلندي الذي حصل محركه البخاري على براءة اختراع عام 1769 ما زاد جدًا من كفاءة ومدى استخدام المحرك البخاري الجوي الذي صنعه توماس نيوكمان في عام 1712. في حين أن واط لم يكن هو مخترع المحرك البخاري، فإن التحسينات التي أدخلها على تصميم نيوكومان السابق يُنظر إليها عمومًا بأنها جعلت المحرك البخاري الحديث القوة المحركة للثورة الصناعية.

حياة جيمس واط المبكرة وتدريبه

ولد جيمس واط في 19 يناير 1736 في غرينوك، اسكتلندا، وهو الأكبر بين الأطفال الخمسة الأحياء لجيمس واط وأجنيس مويرهيد. كانت غرينوك قريةً تعتمد على الصيد، ثم أصبحت مدينةً مزدحمةً بأسطول من البواخر في أثناء حياة واط. كان توماس واط -جد جيمس جونيور- عالم رياضيات معروفًا ومدير المدرسة في المنطقة. كان جيمس الأب شخصًا بارزًا في غرينوك ونجارًا ناجحًا وصانع سفن، جهّز السفن وأصلح البوصلات وغيرها من الأجهزة الملاحية. وعمل بالإضافة إلى ذلك دوريًا بوصفه رئيس قضاة وأمين صندوق في غرينوك.

على الرغم من إظهاره جدارة في الرياضيات، فإن صحة جيمس السيئة منعته من الالتحاق بمدرسة غرينوك الألمانية بانتظام. وعوضًا عن ذلك فقد اكتسب المهارات التي احتاجها لاحقًا في الهندسة الميكانيكية واستخدم الأدوات عند مساعدة والده في مشاريع النجارة. كان جيمس واط قارئًا نهمًا ووجد شيئًا يثير اهتمامه في كل كتاب وصل إلى يديه. في سن السادسة، كان يحل المشكلات الهندسية ويستخدم إبريق الشاي ليبحث في البخار. في سن المراهقة المبكرة، بدأ استعراض قدراته، لا سيما في الرياضيات. في أوقات فراغه، كان يرسم بأقلامه ويخطط ويعمل على طاولة أدواته بالخشب والمعدن. صنع العديد من الأعمال والنماذج الميكانيكية الابتكارية، واستمتع بمساعدة والده في إصلاح أدوات الملاحة.

بعد وفاة والدته عام 1754، سافر جيمس واط البالغ من العمر ثمانية عشرعامًا إلى لندن، حيث تلقى تدريبًا على صناعة الآلات. على الرغم من أن مشكلاته الصحية منعته من استكمال تدريبه المهني بشكل كامل، فإنه بحلول عام 1756 شعر أنه تعلم ما يكفي “للعمل مثل معظم العمال”. في عام 1757، عاد جيمس واط إلى اسكتلندا. استقر في المدينة التجارية الرئيسة غلاسكو، وافتتح متجرًا في حرم جامعة غلاسكو، حيث صنع وأصلح أدوات رياضية؛ مثل السدس والبوصلة والبارومترات والمقاييس المختبرية. في أثناء وجوده في الجامعة أصبح صديقًا للعديد من العلماء الذين أثروا في حياته المهنية المستقبلية ودعموه، بما في ذلك الاقتصادي الشهير آدم سميث والفيزيائي البريطاني جوزيف بلاك، الذين ثبت أن تجاربهم كانت أساسيةً لتصميمات جيمس واط للمحركات البخارية المستقبلية.

في عام 1759، شكل جيمس واط شراكةً مع المهندس المعماري ورجل الأعمال الاسكتلندي جون كريج لتصنيع وبيع الآلات الموسيقية والألعاب. استمرت الشراكة حتى عام 1765، ووصل عدد العاملين في بعض الأحيان إلى 16 عاملًا

في عام 1764، تزوج واط من ابنة عمه مارجريت ميلار المعروفة باسم بيغي، التي كان يعرفها منذ أن كانا طفلين. كان لديهم خمسة أطفال، اثنان منهم فقط عاشا حتى سن الرشد: مارغريت التي ولدت عام 1767، وجيمس الثالث الذي ولد عام 1769، الذي سيصبح الداعم الرئيس لوالده وشريكه التجاري. توفيت بيغي في أثناء الولادة عام 1772، وفي عام 1777 تزوج جيمس واط من آن ماكجريجور، ابنة الحرفي في غلاسكو. كان للزوجين طفلتان: غريغوري التي ولدت عام 1777 وجانيت التي ولدت عام 1779.

في عام 1759، عرض طالب في جامعة غلاسكو على جيمس واط نموذجًا لمحرك نيوكمان البخاري، واقترح إمكانية استخدامه -بدلًا من الخيول- لدفع العربات

كانت براءة الاختراع التي حصل عليها المخترع الإنجليزي توماس نيوكمان في عام 1703 لمحرك يعمل عن طريق سحب البخار إلى أسطوانة، ومن ثم خلق فراغ جزئي يسمح للضغط الجوي المتزايد بدفع مكبس موجود في تلك الأسطوانة. في القرن الثامن عشر، استُخدمت محركات نيوكمان في جميع أنحاء بريطانيا وأوروبا، وفي معظم الأحيان لضخ المياه لخارج المناجم.

كان جيمس واط مفتونًا بمحرك ًنيوكمان، وبدأ في بناء نماذج مصغرة باستخدام أسطوانات بخار ومكابس متصلة بعجلات القيادة بوساطة نظام من المسننات.

في شتاء 1763-1764، طلب جون أندرسون في جامعة غلاسكو من جيمس واط إصلاح نموذج لمحرك نيوكمان. كان قادرًا على تشغيله، لكنه كان مرتبكًا من هدر البخار، بدأ واط بدراسة تاريخ المحرك البخاري، وأجرى تجارب على خصائص البخار.

أثبت واط مستقلًا وجود الحرارة الكامنة (الحرارة اللازمة لتحويل الماء إلى بخار)، التي وُضعت نظريًا من قبل معلمه وداعمه جوزيف بلاك. ذهب واط ببحثه إلى بلاك الذي شاركه خبرته برحابة صدر. ابتعد واط عن الفكرة التي وضعته على الطريق باتجاه محرك بخاري مُحسَّن اعتمادًا على أشهر اختراعاته (المكثف المنفصل).

محرك جيمس واط البخاري

أدرك جيمس واط أن الخطأ الأكبر في محرك ًنيوكمان البخاري كان استهلاكه الكبير للوقود؛ بسبب فقدانه السريع للحرارة الكامنة. وفي حين قدمت محركات نيوكمان تحسينات على المحركات البخارية السابقة، إلا أنها كانت غير فعّالة من حيث كمية الفحم المحروق لتوليد البخار مقابل الطاقة التي ينتجها هذا البخار. في محرك نيوكمان، نُفثت كميات متناوبة من البخار والماء البارد في الأسطوانة نفسها، ما يعني أنه مع كل ضربة للمكبس صعودًا وهبوطًا كانت تُسخَّن جدران الأسطوانة ثم تبرَّد. في كل مرة يدخل فيها البخار إلى الأسطوانة فإنه يستمر بالتكاثف حتى تبرَّد الأسطوانة من جديد إلى درجة حرارة عملها بوساطة نفث الماء البارد. نتيجة لذلك، فُقد جزء من الطاقة الكامنة من حرارة البخار في كل دورة للمكبس.

في مايو 1765 طوّر جيمس واط تقنيةً؛ تتمثل بتزويد محركه بتجويف منفصل أطلق عليه اسم “المكثف”، إذ يُكثّف فيه البخار. نظرًا لأن تجويف التكثيف منفصل عن أسطوانة التوليد التي تحتوي على المكبس فإن التكثيف يحدث مع خسارة ضئيلة جدًا للحرارة من الأسطوانة. يظل تجويف المكثف باردًا وتحت الضغط الجوي في جميع الأوقات، بينما تظل الأسطوانة ساخنةً في جميع الأوقات.

في محرك جيمس واط البخاري يُسحب البخار من السخّان إلى الأسطوانة العاملة الموجودة أسفل المكبس. عندما يصل المكبس إلى قمة الأسطوانة يُغلق صمام يسمح للبخار بدخول الأسطوانة في الوقت ذاته الذي يفتح فيه صمام يسمح للبخار بالنفاذ إلى المكثف. يسحب الضغط الجوي المنخفض في المكثف البخار، حيث يُبرد ويُكثف من بخار الماء إلى ماء سائل. تحافظ عملية التكثيف هذه على فراغ جزئي ثابت في المكثف، الذي يُمرَّر إلى الأسطوانة بوساطة أنبوب متصل. يدفع الضغط الجوي الخارجي المرتفع المكبس إلى أسفل الأسطوانة لإكمال سير الطاقة.

أدى فصل الأسطوانة والمكثف عن بعضهما إلى إلغاء فقدان الحرارة الذي خرّب محرك نيوكمان، ما سمح لمحرك جيمس واط البخاري بإنتاج نفس قدرة محرك نيوكمان مع حرق 60٪ أقل من الفحم. مكّن هذا التوفير في الطاقة من استخدام محركات واط ليس فقط في المناجم، ولكن حيثما كانت هناك حاجة إلى الطاقة.

ومع كل هذا، فإن نجاح جيمس واط المستقبلي لم يكن مضمونًا بأي حال من الأحوال ولن يتحقق دون مشقة. فبحلول الوقت الذي توصل فيه إلى فكرته الرائعة للمكثف المنفصل عام 1765، كانت نفقات بحثه قد جعلته على شفير الفقر. بعد أن اقترض مبالغ كبيرة من أصدقائه، اضطُر أخيرًا للبحث عن عمل لإعالة أسرته. خلال فترة عامين تقريبًا، أعال نفسه بعمله مهندسًا مدنيًا، إذ مسح وأدار بناء العديد من القنوات في اسكتلندا، واستكشف حقول الفحم في غلاسكو لقضاة المدينة، كل ذلك مع استمراره العمل على اختراعه. في مرحلة ما، كتب واط اليائس إلى صديقه القديم ومعلمه جوزيف بلاك: «من بين كل الأشياء في الحياة، لا يوجد ما هو أكثر حماقةً من الاختراع، ولربما معظم المخترعين قد وصلوا إلى الرأي ذاته عبر تجاربهم الخاصة».

في عام 1768، بعد إنتاج نماذج عمل صغيرة، دخل جيمس واط في شراكة مع المخترع والتاجر البريطاني جون روبوك؛ لإنشاء وتسويق محركات بخارية بالحجم الطبيعي. في عام 1769، حصل جيمس واط على براءة اختراع للمكثف المنفصل. تُعد براءة الاختراع الشهيرة لواط بعنوان “طريقة مبتكرة جديدة لتقليل استهلاك البخار والوقود في المحركات المعتمدة على الاحتراق” واحدة من أهم براءات الاختراع الممنوحة على الإطلاق في المملكة المتحدة حتى يومنا هذا.

شراكة جيمس واط مع ماثيو بولتون

في أثناء سفره إلى لندن للتقدم بطلب الحصول على براءة اختراعه عام 1768، التقى جيمس واط بماثيو بولتون، صاحب شركة تصنيع في برمنغهام تُعرف باسم سوهو للتصنيع، كانت تصنع منتجات معدنية خفيفة. كان بولتون وشركته معروفين على نطاق واسع ولهم احترامهم في حركة التنوير الإنجليزية في منتصف القرن الثامن عشر.

كان بولتون باحثًا جيدًا ذا معرفة كبيرة باللغات والعلوم وخاصة الرياضيات رغم أنه ترك المدرسة عندما كان صبيًا للذهاب للعمل في متجر والده. في المتجر، سرعان ما قدم عددًا من التحسينات القيمة، وكان دائمًا ما يبحث عن أفكار أخرى يمكن استخدامها في عمله.

كان أيضًا عضوًا في المجتمع القمري الشهير في برمنغهام، وهي مجموعة من الرجال الذين التقوا لمناقشة الفلسفة الطبيعية والهندسة والتنمية الصناعية معًا، كان من بين الأعضاء الآخرين مكتشف الأكسجين جوزيف بريستلي، إيراسموس داروين (جد تشارلز داروين)، والخزّاف التجريبي يوشيا ويدجوود. انضم جيمس واط إلى المجموعة بعد أن أصبح شريك بولتون.

تعرّف بولتون -العالم اللامع والنشيط- على بنجامين فرانكلين في 1758. بحلول عام 1766، كان هذان الرجلان المتميزان على درجة عالية من الانسجام، وناقشا -من بين أمور أخرى- إمكانية استخدام قوة البخار لأغراض مفيدة مختلفة. صمَّموا محركًا بخاريًا جديدًا، وبنى بولتون نموذجًا له، وأرسله إلى فرانكلين الذي عرضه في لندن. لم يكونا يعرفان جيمس واط بعد أو يعرفان محركه البخاري.

عندما التقى بولتون بواط في عام 1768، أحب محركه وقرر شراء رخصة استخدام لبراءة اختراعه. بموافقة روبوك، عرض واط على بولتون حصة الثلث. على الرغم من وجود العديد من التعقيدات، اقترح روبوك في النهاية على ماثيو بولتون أن ينقل له نصف ملكيته في اختراعات واط بمبلغ 1000 باوند. قُبل هذا الاقتراح في نوفمبر 1769.

محركات بولتون وواط التي تعمل بالبخار

في نوفمبر 1774، أعلن جيمس واط أخيرًا لشريكه القديم روبوك أن محركه البخاري قد أكمل بنجاح تجاربه الميدانية. في رسالته إلى روبوك، لم يكتب واط بحماسه المعتاد، بل كتب ببساطة: «إن المحرك الذي اخترعته يعمل الآن أفضل بكثير من أي محرك آخر صُنع حتى الآن، وأتوقع أن يكون هذا الاختراع مفيدًا جدًا بالنسبة لي».

من تلك اللحظة فصاعدًا، تمكنت شركة جيمس واط وبولتون من تصنيع مجموعة من المحركات القابلة للاستخدام في الحياة العملية. طُرحت ابتكارات وبراءات اختراع جديدة للآلات التي يمكن استخدامها في الطحن والنسيج والتصفيح. استُخدمت المحركات البخارية في وسائل النقل على الأرض والمياه. نشأ تقريبًا كل اختراع ناجح ومهم ميز فترة الطاقة البخارية لسنوات عديدة في مشاغل بولتون وواط.

تقاعد واط ووفاته

عمل جيمس واط مع بولتون حوله إلى شخصية ذات شهرة دولية. جلبت له براءة اختراعه التي استمرت 25 عامًا الثروة، وأصبح هو وبولتون قادة في التنوير التكنولوجي في إنجلترا، مع سمعة باهرة في هندسة المبتكرة.

بنى واط قصرًا أنيقًا يُعرف باسم «هيثفيلد هول» في هاندزورث، ستافوردشاير. تقاعد عام 1800، وقضى بقية حياته في المتعة والسفر لزيارة الأصدقاء والعائلة.
توفي جيمس جيمس واط في 25 أغسطس 1819 في هيثفيلد هول عن عمر ناهز 83 عامًا، ودُفن في 2 سبتمبر 1819 في مقبرة كنيسة سانت ماري في هاندزورث. يقع قبره الآن داخل الكنيسة الموسعة.

ساعدت اختراعات واط على الثورة الصناعية وابتكارات العصر الحديث كثيرًا، بدءًا من السيارات والقطارات والقوارب البخارية إلى المصانع، ناهيك عن القضايا الاجتماعية التي تطورت نتيجةً لذلك. اليوم، اسم جيمس واط مرتبط بالشوارع والمتاحف والمدارس. ألهمت قصته الكتب والأفلام والأعمال الفنية، بما في ذلك التماثيل في حدائق بيكاديللي وكاتدرائية القديس بولس.

على تمثاله في كتدرائية القديس بولس نُقشت الكلمات الآتية: «جيمس واط … وسع موارد بلده، وزاد من قوة الإنسان، وصعد إلى مكانة مرموقة بين أكثر أتباع العلم شهرةً، وكان من المساهمين الحقيقيين في العالم».

اقرأ أيضًا:

الثورة الصناعية: كل ما يجب أن تعرفه عنها

المحرك البخاري: من اخترعه ومتى؟

ترجمة: وراد الحماده

تدقيق: إيناس خير الدين

مراجعة: آية فحماوي

المصدر