عندما تجلس على البيانو وتضرب على مختلف النوتات، فتلك هي خطوتك الأولى لإتقان العزف عليه، لكن ماذا لو كانت كلتا يديك تقومان بنفس الحركات؟! هذه الحالة النادرة التي يختبرها بعض الناس تُعرَف بحركات المرآة، وقد وثَّق الأطباء الآن حالة فريدة منها.

منذ عدة سنوات، كشف الباحثون في الهند عن حالة لفتاة في الثالثة عشرة من عمرها تعاني هذا المرض النادر، إضافةً إلى إصابتها بمتلازمة تيرنر (اضطراب صبغي). يعد اجتماع هاتين الحالتين معًا الأول من نوعه في المجتمع الطبي، ما يطرح العديد من الأسئلة عن احتمال ارتباط هاتين الحالتين.

يستغرق معظم الصغار بعض الوقت ليصبحوا بارعين، وبحلول العاشرة يُمَكِّنُنا الاتصال بين نصفي الكرة المخية من القبض والوخز وهز الأصابع في كل يد مستقلةً عن الأخرى، لكن طفلًا من مليون لا يكتمل عنده هذا التطور، فتُكرر إحدى يديه الحركة تزامنًا مع حركة اليد الأخرى، فمثلًا يصنع علامة النصر بيده اليسرى فتضطر يده اليمنى لتقريب شكل مماثل لتلك العلامة، ولا يزال السبب الأساسي لحركة التقليد غير مؤكد إلى حد بعيد، رغم وجود سبب للشك في وجود تداخل في الإشارات بين الأعصاب الدماغية الرئيسية، نتيجة تشكيل تشابُك عصبي خاطئ بين الخلايا العصبية.

حالة نادرة لفتاة تتحرك كلتا يديها كانعكاس على المرآة - متلازمة تيرنر - تداخل في الإشارات بين الأعصاب الدماغية الرئيسية - نصفي الكرة المخية

في نحو ثلث الحالات، تظهر طفرة في زوجين من المورثات تكون مسؤولة عما يحدث، إذ يضعف تطور الجهاز العصبي فتُنقَل التعليمات من أحد نصفي الكرة المخية بالخطأ إلى كلا جانبي الجسم. أما بقية الحالات المُسجلة فما زال سببها مجهولًا لنا.

إن أعراض مَن يعانون هذه الحالة وسلوكهم هي فرصة جيدة لإيجاد دليل وللبحث عن وجود علاقات أعمق. مثلًا، يظهر مرضى الشلل الدماغي درجات من حركات المرآة، ويعد مرض باركنسون حالة أخرى قد تترافق مع ما يُسمى التزامن، خاصةً إن كان يصيب أحد جانبي الدماغ أكثر من الآخر.

قد يتزامن انقطاع الاتصال بين نصفي الكرة المخية أو غيابه مع هذا السلوك، وقد اكتُشِفَ ارتباط جيني في الكثير من هذه الحالات. فمتلازمة كالمان تحدث بسبب نقص في بعض الهرمونات ما يؤدي إلى ظهور أعراض نقص في الشم وتأخُّر في البلوغ وأحيانًا حركات المرآة، وتؤثِّر متلازمة تيرنر أيضًا في قدرة الجسم على تنسيق الاستجابة الهرمونية، وقبل أن نشهد حالة تلك الفتاة لم يُسجَّل من قبل أن شخصًا يعاني شذوذًا صبغيًا قد يختبر حركات المرآة أيضًا.

متلازمة تيرنر هي غياب زوج من الزوجين الصبغيين X، فيوجد صبغي X واحد يؤدي العمل المطلوب. قد تنتشر نتائج هذا الشذوذ في كل الجسم بدءًا من عيوب في القلب وقصر القامة إلى فشل في تطور المبيض، في تلك الحالة تحديدًا وُجدت تشوهات جسدية خفيفة وغياب للصفات الجنسية الثانوية، وعند رؤية مخطط صدى القلب نجد أن الصمام الأبهري يملك سديلتين بدلًا من ثلاث، لكن فيما عدا ذلك بدا كل شيء طبيعيًا.

باستثناء ضعف الأداء الدراسي، كان نطقها وكل العلامات العصبية كالمتوقع من طفلة في عمرها. لم يُظهِر التصوير بالرنين المغناطيسي أي مفاجآت، ومن دون موارد للنظر من قُرب إلى فيزيولوجيا دماغها، عدّها الطاقم الطبي في معهد (Sri Ramachandra) للبحث والتعليم العالي إحدى الظواهر الغريبة.

في هذا الفيديو تظهر الفتاة وقد طُلِب منها أن تَعُدّ من واحد إلى خمسة باستخدام يدها اليسرى، لكن يدها اليمنى تنضم إلى الحركة رغمًا عنها.

بسبب ندرة ظاهرة حركات المرآة، وحدوث متلازمة تيرنر بنسبة 1 لكل 2000 امرأة، فمن الصعب تحديد هل هي مجرد مصادفة أم أنه يوجد رابط معين بين الحالتين. كثيرًا ما تسجل العلوم الطبية اكتشافات كهذه وتنتظر بصبر لترى ما ستضيفه الأبحاث المستقبلية من أدلة.

أما السيدة الصغيرة التي يبلغ عمرها الآن تسعة عشر عامًا فنحن سعداء بالقول إن موضوع دراسة حالتها غير الاعتيادية تسير جيدًا، وقد قال اختصاصي الغدد الصماء: «مع أخذ عمرها في الحسبان، بدأت بتناول جرعات متدرجة من الإستروجين متبوعةً بعلاج البروجسترون».

اقرأ أيضًا:

حالة طبية نادرة: رجل لا يرى الأرقام

رجل جميع أعضائه في الجانب المعاكس من جسمه (انقلاب وضع الأحشاء )

ترجمة: كارمن صطوف

تدقيق: أكرم محيي الدين

مراجعة: تسنيم المنجد

المصدر