دراسة جديدة تابعت 657 شخصًا ممن أخذوا عقارًا واقيًا من فيروس نقص المناعة المكتسب تروفادا «Truvada» لمدة سنتين ونصف؛ وجدت أن جميع المشاركين في الدراسة بقوا سليمين من الإيدز، حتى هؤلاء المعرّضين لاحتمال كبير للإصابة بالمرض.

هذا العقار -والذي يجب أن يؤخذ يوميًا- موجود في السوق الأمريكية منذ 2012، وفي طريقه إلى دخول أسواق أخرى في أفريقيا، وآسيا، وأمريكا الجنوبية وعدة ولايات أسترالية.

لكن بغض النظر عن النتائج الواعدة، لا زال الباحثون مترددين بالنسبة للمبالغة في إمكانيات هذا العقار وقدرته على مكافحة انتشار الإيدز، بسبب السرعة في تهاوي فاعليته إذا ما تم تخطي أخذه يوميًا، بالإضافة إلى وصمة العار التي جاءت عقب استخدامه في الولايات المتحدة.

المعروف عن هذا العقار أنه بمثابة وقاية لما قبل التعرّض للفيروس، ووفقًا لمحرّر الدراسة وعالم الأوبئة جوناثان فولك »Jonathan Volk» من المركز الطبي كايزر «Kaiser» في سان فرانسيسكو، فإن هذه الدراسة هي “الأولى في التمهيد لفهم طريقة التحكّم في الوقاية من الفيروس في بيئة حقيقية، وتقترح طريقة علاج قد تمنع إصابات بالفيروس حتى في بيئات خطرة”.

دراسات سابقة أدّت إلى نتائج مشابهة لكن “بمثالية” أقل -من خلال تجارب سريرية شارك فيها 2499 ذكرًا مثلي الجنس من 6 دول (البرازيل، والاكوادور، وبيرو، وجنوب أفريقيا، وتايلاند والولايات المتحدة) عام 2012، وقد وجدت نسبة فاعلية تبلغ 99% في منع الإصابة بالفيروس. دفعت الدراسة إدارة الغذاء والدواء الأمريكية «FDA» للموافقة على تسويق الدواء لأي شخص يرغب باستخدامه، وليس فقط للأشخاص المصابين بفيروس الـ HIV.

يقول المركز الأمريكي لمكافحة الأمراض والوقاية منها «CDC» أن العقار قد أظهر تراجعًا في خطر الإصابة بفيروس الإيدز بنسبة 92%، لكن فقط عندما يؤخذ يوميًا بشكل متواصل، وهنا تكمن المشكلة.

“ما هي نسبة السكان المعرّضين للإيدز الذين سيأخذون العقار للوقاية من الإصابة؟ كيف سيتم دفع تكاليف الفحوصات السريرية؟”، أسئلة طرحها الباحثان من جامعة كالفورنيا في سان فرانسيسكو كيمبرلي كوستر «Kimberly A. Koester» وروبرت جرانت «Robert M. Grant» كتعليق أُرفق بالدراسة المنشورة في موقع «Clinical Infectious Diseases» التابع لجامعة أوكسفورد. وتساءلا أيضًا: “على افتراض أن الناس مستعدون لاستعمال العقار الوقائي مع إمكانية الحصول على العقار طبعًا؛ هل سيهتمون باستعمال الدواء بانتظام؟ هل سيكون استعمال العقار عند الأشخاص المعرّضين أكثر للإصابة بالمرض؟ هل سيُعرّض الناس أنفسهم لخطر الإصابة بالمرض أو أمراض جنسية أخرى كنتيجة لاستعمال العقار؟”.

 

المشكلة مع أحدث دراسة أن نتائجها تنحصر على الأشخاص الذين يأخذون العقار يوميًا، دون تفويت يوم واحد لبقية حياتهم، وهو أمرٌ غير عملي أبدًا، إذ أن «CDC» قد صرّحت بأن العقار يكون “أقل فاعلية” إن لم يؤخذ بانتظام. حتى الدراسات التي عرضت دفع المال للأشخاص المعرّضين بنسبة أعلى للإصابة بالمرض قد فشلت أيضًا، كما جاء في تقرير في صحيفة نيويورك تايمز سابقًا هذا العام:

“دُفِع مبلغ 280$ سنويًا للمشاركين في البرنامج في برونكس وواشنطن، حيث معدلات الإصابة أعلى بين الفقراء السود والأشخاص من أصولٍ أمريكية لاتينية، ليأخذوا العقار يوميًا؛ ولم يُظهر ذلك تحسنًا كبيرًا في الالتزام تجاه أخذ الدواء، كما قال محرّر الدراسة…”

فشل تجربة التحفيز النقدي شكّل مفاجأة وخيبة أمل للعلماء والداعمين، حيث تم دفع 2,8 مليون دولار لتسعة آلاف مريض في 39 عيادة على مدى ثلاثة أعوام، لكن المحصلة كانت فرقًا بنسبة 5% فقط عن العيادات التي لم تدفع، وهو فرق غير مؤثر إحصائيًا”.

لا يقتصر الأمر على أن العقار قد شكّل خطرًا على الأشخاص الذين لم يستعملوه بانتظام؛ بل تمّ انتقاده أيضًا في الولايات المتحدة كونه يشكل إغراءً للتخلي عن الواقي الذكري، والذي قد يزيد خطورة الإصابة بأمراض جنسية أخرى. وقد انتشر الهاشتاغ Truvadawhore# سريعًا بعد موافقة إدارة الأغذية والعقاقير، بالرغم من الدراسات التي أظهرت أن العقار لم يؤثر سلبًا على نسبة الممارسات الآمنة للجنس.

“تكمن المشكلة في النزاع بين الرجال المثليين من كبار السن الذين عاشوا خلال أسوأ أزمة إيدز، وبين الشباب الأصغر سنًّا الذين ينظرون إلى الفيروس على أنه أكثر بقليل من مرض مزمن، لكن مُتحكّم به”. بحسب ما كتب «Mark Joseph Stern» في مجلة سليت «Slate».

يوصي الباحثون حاليًا بأخذ العقار بشكل يومي دون إهمال وسائل الوقاية الجنسية. وهناك دراسات يتم إجراؤها لملاحظة مدى فاعلية العقار في حالة أُخذه قبل وبعد الممارسة الجنسية عوضًا عن أخذه يوميًا، بحسب ما نشرت صحيفة واشنطن بوست.


 

المصدر