في عام 2005، سافر رئيس قطاع صناعة أنصاف النواقل والذواكر في سامسونغ، تشانغ غيو هوانغ، برفقة اثنين من زملائه التنفيذيين إلى بالو آلتو، في زيارة إلى منزل ستيف جوبز، حاملين معهم ذاكرة متنقلة، ما عُد حلًا لمشكلة عميقة حاولت آبل حلها. إذ إن الذاكرة المتنقلة أخف وزنًا وأكبر سعةً من القرص الصلب، وكانت سامسونج واحدةً من قلائل الشركات التي استطاعت تأمين إمداد ثابت من هذا المنتج.

وافق جوبز على أن تكون سامسونج المورد الحصري للذواكر المتنقلة التي ستعمل على أجهزة iPod. وكتب هوانغ: «كانت تلك اللحظة بداية سيطرتنا على سوق أنصاف النواقل في الولايات المتحدة». وبذلك امتلكت سامسونج منصة انطلاق نحو الهواتف الذكية ما سيحولها من مورد آبل إلى منافسها.

استشاط جوبز غضبًا عندما أطلقت سامسونج هاتفها الذكي عام 2009، وأخبر كاتب سيرته أنه أراد شن «حرب نووية» على مورد رقائق الذاكرة الذي تجرأ على منافسة آبل وصُنع هاتف مشابه لهاتف iPhone ورغم خطر تدمير العلاقة مع شركة تعتمد آبل عليها، كان جوبز مستعدًا لمقاضاة سامسونج.

إلا أن آبل بدأت بعرض ترخيص استخدام سامسونج بعض براءات الاختراع خاصتها مقابل 30 دولار لكل هاتف و40 دولار لكل جهاز لوحيّ، مع حصول آبل على نسبة 20% على الترخيص المتبادل في محفظة سامسونج. كان هذا يعني إيرادات تصل إلى 250 مليون دولار في عام 2010.

رفض محامو سامسونج العرض، وقالوا إن آبل هي التي تستنسخ اختراعات سامسونج. وفي أبريل 2011، رفعت آبل دعاوى انتهاك براءات الاختراع ضد سامسونج في أكثر من بلد مطالبة بتعويض قدره 2.5 مليار دولار. وبسرعة، رفعت سامسونج دعوى مضادة، متهمة آبل بانتهاك خمس من براءات الاختراع خاصتها والمتعلقة بالاتصال اللاسلكي وتقنية نقل البيانات.

كانت الحرب بين الشركتين قد بدأت.

وفّر نظام الإدارة الضخم والصارم والمتدفق من أعلى الهرم إلى أسفله، وسلسلة التوريد القوية في سامسونج نقطة قوة تمثلت في قدرة الشركة على تصنيع أجزاء صلبة متميزة أسرع من منافسيها.

غير إن أداء المسوقين في الشركة كان مخيبًا للآمال. إذ اقتصرت إعلانات سامسونج على تعليق صوتي يتحدث عن فوائد المنتج، ولم يكن يظهر أشخاص فيها. وبدلًا من استخدام التسويق في إقناع الزبائن بجودة سامسونج، كانت القصص التسويقية تتمحور حول مشغلي الشبكات الخلوية وجودتها. حتى الإعلانات التي أرسلت من المركز الرئيس في كوريا كانت مضحكة، بحسب وصف كلايد روبيرسون نائب مدير التسويق السابق: «أرادوا منا أن نستعمل فراشات في الإعلانات». وأَطلق عليها اسم إعلانات «Hello Kitty».

كُلف ديل سون، رئيس فرع سامسونج في تكساس، بمهمة تغيير أوضاع الشركة في أميركا، التي تعد سوق سامسونج الأصعب نظرًا إلى شعبية هاتف iPhone الكاسحة. أعلن سون في أحد الاجتماعات: «نحتاج إلى مزيدٍ من الإبداع، وأشخاصًا غير اعتياديين!».

في أثناء بحثهم عمّن يناسب منصب كبير مسؤولي التسويق، ركز مستكشفو المواهب على تود بيدلتون، المسوّق غير التقليدي في Nike ومحترف بناء العلامات التجارية الذي لفت الأنظار بإعلانات جريئة، وامتاز بقدرة على إيصال الأفكار بذكاء ومباشرة. ولأن تود لم تكن له خبرة العمل مع شركة تكنولوجيا، استعانت الشركة بمسؤول التسويق الرقمي السابق في BlackBerry، براين والاس.

سرعان ما باشر الثنائي العمل، وشكلا فريقًا من ستة وثلاثين مسوّقًا، وجعلا من مكتب العمل صندوقًا أسود، إذ خشيا من تدخلات الشركة الأم في كوريا. لكن ديل أمن لهما الغطاء، ومنحهما حرية عمل غير مسبوقة بهدف إكمال المهمة.

خشي بيدلتون من مشكلة تضارب الرؤى لدى موظفي سامسونج. إذ جرب أن يطرح على نحو خمسين منهم سؤالين مهمين: من نحن؟ وما الذي نمثله؟

كان حصوله على خمسين جوابًا مختلفًا بمثابة جرس الإنذار، وعلق قائلًا: «إن لم يستطع موظفو الشركة الإجابة على تلك الأسئلة، فلن يدرك الزبائن من نكون».

وعندما وضِع منافسو سامسونج على مخطط بياني فيه محور عمودي يمثل تقييم مظهر المُنتج ومحور أفقي يمثل الابتكار، احتلت آبل وسوني الربع الأيمن الأعلى أي تفوقتا في المظهر والابتكار. وبالمقابل، لم تكن علامة سامسونج التجارية قوية، إذ بالكاد حققت شيئا على محور المظهر، وتمركزت بعيدًا يسار محور الابتكار. بعبارة أخرى، عد المستهلكون منتجات سامسونج عادية المظهر وعديمة الابتكار، لكنها عملية وذات جودة وسعر مناسبين.

ومع تفوق آبل وسوني في المظهر والابتكار، ودفاعهما المستميت عن هذا التفوق، بدأت سامسونج رحلة البحث عن مفتاح الحل.

لاحظ المسوقون حالة من الاستقطاب المتزايد بين معسكرين في مجموعات اختبار المنتجات واستطلاع الرأي: مستخدمو هواتف آبل، iPhone، من جهة، وآخرين استخدموا هواتف من سامسونج وHTC ونوكيا وجميعها تعمل على نظام تشغيل مفتوح المصدر طورته شركة جوجل هو أندرويد Android.

استنتج أحد المسوقين في فريق تود أن مستخدمي أندرويد يعدون أنفسهم أكثر ذكاء من مستخدمي آبل. وكان الفريق قد اضطر إلى فصل محبي الشركتين عن بعضهم في مجموعات الاختبار خشية فقدان السيطرة عليهم. إذ دائمًا ما لجأ الطرفان إلى سلاطة اللسان في توجيه النقد.

مع تنامي قاعدة مستخدمي أندرويد وتفاخرهم بمدى مرونة نظام التشغيل وقابليته للتعديل، بدا هؤلاء كالقبيلة التي تبحث عن قائد. وأرادت سامسونج أن تكون هي هذا القائد.

عرض بيدلتون على زملائه مقارنة أجرتها وول ستريت جورنال بين الأجزاء الصلبة في هاتفي جالاكسي وأبل، أظهرت تفوق سامسونج في عدد من النواحي. غير إن مشكلة الشركة في حينه، كانت عدم محاولتها رواية قصة محددة عكس آبل التي كانت تسيطر على سياق الأحداث، إذ لديها مجموعة المعجبين بشخصية ستيف جوبز حد العبادة، وحملات إعلامية ضخمة تعج بالحماس، إضافة إلى إطلاقها وابلًا من الإجراءات القانونية متهمة سامسونج بتقليد منتجاتها وابتكاراتها.

هل استطاعت سامسونج رواية قصة مختلفة؟ ماذا لو كانت هواتف أندرويد هي بديل الأذكياء عن آيفون، هل كان أتباع جوبز جماعة من السُذج؟

لم تكن النتائج القانونية محل اهتمام فريق تود قدر اهتمامهم بالصورة الكبيرة، وبالتقرب من الزبائن عاطفيًا. إذ عرفوا أن صاحب القصة الأفضل سيربح المعركة النهائية.

ولأن آبل كانت زبونًا مهمًا عند سامسونج، ضغط التنفيذيون في مقر الشركة الرئيس نحو مقاربة أكثر حذرًا، واقترحوا التخلص من المنافسين مثل HTC وموتورولا وبلاكبيري وأبل واحدًا تلو الآخر في مدة خمس سنوات. لكن ديل أخبر تود أن هذه المدة طويلة جدًا، وأنزلها إلى سنتين.

بدأ فريق التسويق في سامسونج يفكر في مهاجمة آبل مباشرة وتحويل المنافسة إلى نسخة الهواتف الذكية من الحرب بين بيبسي وكوكاكولا. لكنهم لم يريدوا الظهور بمظهر تافه، ولم يرغبوا بإعطاء دعاية مجانية للمنافس، وتجنبوا جعل الشركة موضع سخرية. لذا لجؤوا إلى استشاري يدعى جو كرامب، وهو تنفيذي سابق في Razorfish إحدى أكبر شركات التسويق الرقمي.

أراد كرامب أن يكون لدى كبار التنفيذيين في سامسونج فكرة عن مدى عمق مشكلة العلامة التجارية في أميركا، فأرسل لهذا الغرض أطقم تصوير إلى تايمز سكوير، حمل كل فريق حقيبتين وأخبر الناس أن إحدى الحقيبتين تحتوي الإصدار القادم من iPhone، أما الأخرى ففيها أحد هواتف سامسونج. وسُئل الناس عما يمكن أن يعطوا مقابل كل حقيبة.

وتضمنت الإجابات فيما يخص iPhone أشياء من قبيل :«مستعد للتخلي عن سيارتي الفخمة الجديدة» أو «سأدفع 10,000 دولار» أو «سأتخلى عن أختي».

أما في حالة Galaxy: «لا أدري! لربما 5 دولارات». وشخص ما عرض مثلجات كان قد أكل بعضها.

بُهت وفد التنفيذيين عندما شاهدوا الفيديو، لكن بيدلتون نجح في تجسيد حجم المشكلة.

عمل بيدلتون على توفير الميزانية الكافية للحملة ثم نفذ خطوته التالية وهي التعاقد مع وكالة إعلان، مبتعدًا عن الخيارات التقليدية، فتعاقد مع شركة جديدة نسبيًا تدعى 72andSunny تنشط في مجال التسويق الثقافي. وشرح تود لهم هدف سامسونج: «أتطلع إلى احتلال المركز الأول في غضون سنتين».

بدت النسخة الأولى من الإعلان، التي احتوت على مشهدين حواريين حول هواتف أبل وسامسونج بين الشخصيات، مملة وباهتة. وخشي الفريق أن تنتهي الحملة قبل أن تبدأ. فلم يكن هناك بد من إعادة التصوير، وعندها اقترح أحد أعضاء الفريق اختصار المشاهد إلى مشهد واحد بدلًا عن مشهدين منفصلين مليئين بالحوارات المقحمة الغريبة. واكتمل الإعلان بعد ظهر اليوم التالي.

يُصوِر الإعلان صفًا من الناس أمام متجر أبل وهم ينتظرون إطلاق «المنتج الضخم القادم» وهو iPhone وإن لم يذكر صراحةً. ثم يبدأ الناس بملاحظة أداة غريبة يستعملها المارة، وعند السؤال يتبين أنها هاتف Galaxy SII من سامسونج.

كانت رسالة الإعلان واضحة: «لست مضطرًا للانتظار في صفوف ملاحقًا خدعة، فالمُنتج الضخم القادم موجود بين يديك». «يا للهول! ها هي حملتنا الدعائية جاهزة» صرخ بيدلتون.

للمفاجأة، لم تجب الشركة عندما أرسل الفيديو إلى كوريا للحصول على الموافقة. ما دفع بيدلتون إلى تسريبه عبر موقع Mashable يوم 22 نوفمبر 2011 قبل نشره رسميًا على صفحة سامسونج على فيسبوك في وقت لاحق من ذلك اليوم. تجاوز تود بذلك استراتيجية بث الإعلان على التلفاز أولًا، آملًا أن يحوز الإعلان على اهتمام جيل الألفية.

بعدها، وفي عطلة عيد الشكر ظهر الإعلان لأول مرة على الشاشة في مساحة إعلانية تخللت مباريات NFL.

نجحت الحملة نجاحًا منقطع النظير، فاق كل توقعات فريق التسويق. إذ أبدى مشاهدو الإعلان سأمهم من تحمل غطرسة أبل غير المبررة. وفي غضون 16 شهر ارتفع عدد معجبي سامسونج على فيسبوك أكثر من 26 مليونًا. وبناءً على أرقام المبيعات، اندفعت سامسونج في أثناء الربع الثالث من عام 2011 وتقدمت على أبل محتلةً المركز الأول بين شركات تصنيع الهواتف. وتغير شكل حرب الهواتف الذكية لتصبح سباقًا بين حصانين بعد أن سقط البقية على جانبي الطريق.

بدأت سامسونج بتوزيع سلل من التفاح الطازج في غرف المصاعد وأماكن الاستراحة في مكتبها الرئيس في تكساس، ساخرةً من شعار أبل، ولكي يتذكر موظفوها وهم يشربون قهوتهم أن مهمتهم الأساسية هي قضم التفاح!

اقرأ أيضًا:

والت ديزني.. كيف أصبح الترفيه إمبراطورية؟

لماذا يضع المشاهير الأثرياء أموالهم في المصارف السويسرية؟

ترجمة: مالك عوكان

تدقيق: نغم رابي

المصدر