تتحرك الأجرام في كوننا باستمرار، دون أن يكون أحدها معزولًا عن الآخر، وليست مجموعتنا الشمسية استثناءً، فهي تحوي تريليونات الأجرام التي تدور حول مركز المجرة في دورات تستغرق مئات الملايين من السنين. انتشر سابقًا مقطع فيديو يصور الشمس وهي تتحرك عبر المجرة في شكل دوامة، جاذبةً الكواكب خلفها.

حركتنا في الفضاء ليست حركة دوامية، بل شيء أكثر إثارة - تريليونات الأجرام التي تدور حول مركز المجرة في دورات تستغرق مئات الملايين من السنين

لكن حركتنا الكونية في الحقيقة أعقد وأكثر إثارة من هذا النموذج، إذ إنها محكومة بقانون النسبية العامة. على المقاييس الكونية الكبيرة، تتحكم الجاذبية وحدها في حركة كل شيء يتحرك في الكون، بما في ذلك نحن.

شاهد الفيديو:

https://www.youtube.com/watch?v=0jHsq36_NTU

مع ذلك، لا يخلو الفيديو المنتشر من بعض الأشياء الصحيحة جزئيًا:

  •  تدور الكواكب حول الشمس تقريبًا في نفس المستوى.
  •  يدور النظام الشمسي صانعًا زاوية قدرها 60 درجة بين مستوى دوران الكواكب ومستوى دوران المجرة.
  •  تبدو الشمس كما لو أنها تتحرك صعودًا وهبوطًا، وإلى الداخل والخارج بالنسبة لباقي المجرة وهي تدور حول مركز مجرة درب التبانة.

جميع النقاط السابقة صحيحة، ولكن ليس بالطريقة التي عُرضت في الفيديو، لذلك قلنا إنها صحيحة جزئيًّا لا كليًّا.

على المقاييس الكبرى، ليست الشمس والكواكب فقط ما يتحرك، بل إن المجرة بأكملها والمجموعة المحلية، كلهم يتحرك بفعل الجاذبية في الفضاء بين المجرات

نستطيع بثقة، ودون تنبؤات، أن نجزم بأن حركة الأجرام ليست حركةً دوامية، لكن ما هي؟ في الحقيقة هي أمر رائع للغاية.

تدور الأرض حول محورها وحول الشمس، وتدور الشمس في مدار يتخذ شكل القطع الناقص ellipse حول مركز مجرتنا درب التبانة، التي تنجذب نحو مجرة أندروميدا ضمن مجموعتنا المحلية local group، وتُدفَع أندروميدا متأثرةً بالمجرات والمجموعات المجرية والفراغات الكونية داخل عنقودنا المجري لانياكا Laniakea، الذي يقع في الفراغ الكوني KBC وسط الكون الفسيح. بعد عقود من البحث، توصل العلماء إلى هذه الصورة الكاملة، وأصبح بإمكاننا الآن تحديد سرعتنا بدقة في الفضاء على كل المقاييس.

يسبب دوران الأرض حول نفسها ظاهرة تعاقب الليل والنهار، وانتفاخ الأرض عند خط الاستواء، وتقوية المجال المغناطيسي للأرض الذي يحمينا من الأشعة الكونية والرياح الشمسية

ربما تشعر أنك ثابت، ولكننا نعلم أن هذا ليس صحيحًا على المقاييس الكونية، فجميع كواكب النظام الشمسي تدور حول محورها وحول الشمس، بما في ذلك الأرض التي تدور حول محورها بسرعة 1700 كيلومتر في الساعة عند خط الاستواء، قد تبدو سرعةً كبيرة، لكنها لا تُعَد شيئًا بالمقاييس الكونية، إذ تكافئ 0.5 كيلومتر في الثانية، أي 0.001% من سرعة الضوء، ولكن ليست هذه هي الحركة المهمة.

تدور الأرض حول الشمس بسرعة أعلى كثيرًا من سرعة دورانها حول محورها. تحتاج الأرض -كي تحافظ على مدارها الثابت حول الشمس- إلى أن تتحرك بسرعة 30 كيلومترًا في الثانية، في حين تتحرك الكواكب القريبة من الشمس (أي عطارد والزهرة) بسرعة أعلى، والكواكب البعيدة عن الشمس (المريخ وبقية الكواكب) بسرعة أقل، لهذا نجد أنه في الوقت نفسه الذي تستغرقه الأرض لتتم دورةً واحدةً حول الشمس، يتم عطارد أربع دورات، في حين تتم الأرض 160 دورةً في الوقت الذي يستغرقه نبتون ليتم دورةً واحدة.

إضافةً إلى ذلك، تغير الكواكب اتجاه حركتها باستمرار في أثناء دورانها في مستوى المجموعة الشمسية، وتعود الأرض إلى نقطة البداية نفسها كل 365 يومًا.

إن الشمس بدورها ليست ثابتة، إذ إن مجرتنا درب التبانة شاسعة المساحة، وتحوي الكثير من الكواكب وسحب الغاز والغبار والثقوب السوداء والمادة المظلمة، وتؤثر كل هذه الأجرام وتتأثر بالجاذبية. تدور الشمس حول مركز المجرة الذي يبعد 25 ألف سنة ضوئية في مدار يتخذ شكل القطع الناقص، وتتم دورةً واحدةً كل 220-250 مليون سنة.

تتراوح سرعة دوران الشمس بين 200 و220 كيلومتر في الثانية، وهي سرعة هائلة مقارنةً بسرعة دوران الأرض حول محورها وحول الشمس، والجدير بالذكر أن كل من حركة الكواكب حول محورها وحول الشمس مائلة بالنسبة لمستوى حركة الشمس حول المجرة، وبهذا تحافظ الكواكب على نفس مستوى الدوران دون أن تنجرف في حركة دوامية.

حركتنا في الفضاء ليست حركة دوامية، بل شيء أكثر إثارة - تريليونات الأجرام التي تدور حول مركز المجرة في دورات تستغرق مئات الملايين من السنين

مع أن الشمس تدور -ضمن دوران مجرة درب التبانة- على بعد حوالي 25-27 ألف سنة ضوئية من المركز، فإن الاتجاهات المدارية لكواكب نظامنا الشمسي لا تتوافق مع اتجاه دوران المجرة

نتيجةً لقوى الجاذبية الناتجة من الأجرام المتكدسة، وضعف جاذبية الأجرام الأقل تكدسًا، فإن المجرة نفسها ليست في حالة ثبات. باستطاعتنا أن نقيس سرعة مجرتنا باتجاه مجرة أندروميدا، أضخم مجرة ضمن مجموعتنا المحلية، وقد وجدنا أنها تقترب منا بسرعة تقارب 301 كيلومتر في الثانية، ما يعني -عند أخذ حركة الشمس عبر المجرة في الإعتبار- أن مجرتي أندروميدا ودرب التبانة يتقاربان بسرعة تقارب 109 كيلومتر في الثانية.

تبدو أندروميدا، أكبر مجرة في المجموعة المحلية، صغيرة مقارنةً بدرب التبانة، ويرجع هذا لأنها تبعد نحو 2.5 مليون سنة ضوئية، وهي تتحرك نحونا بسرعة تقارب 300 كم / ثانية.

إن مجموعتنا المحلية من المجرات ليست معزولةً بدورها، بل تتأثر بالمجرات والعناقيد المجرية الأخرى، ما يسبب حركةً إضافية تبلغ سرعتها 300 كيلومتر في الثانية، ولكن في اتجاه مختلف، ولا يمكننا إغفال عامل آخر هو قوى التنافر الناتج عن الفراغات الكونية.

حركتنا في الفضاء ليست حركة دوامية، بل شيء أكثر إثارة - تريليونات الأجرام التي تدور حول مركز المجرة في دورات تستغرق مئات الملايين من السنين

المجرات المختلفة في عنقود فيرجو Virgo Supercluster متجمعةً معًا. على المقاييس الكبرى يبدو الكون متجانسًا، لكن بالنظر إلى مقاييس المجرات والعناقيد المجرية، نجده ينقسم إلى مناطق عالية الكثافة وأخرى منخفضة الكثافة

تسبب المناطق المكدَّسة في الكون قوى جذب، في حين تسبب المناطق الأقل تكدسًا قوى تنافر، ونتيجةً لوقوع عنقودنا المجري بين منطقتين إحداهما مكدسة والأخرى أقل تكدسًا، فإن محصلة قوى الجذب والتنافر تُنتِج سرعةً تبلغ 600 كيلومتر في الثانية.

تُمثَّل قوى الجذب الناتجة عن المناطق عالية الكثافة بالأزرق، وقوى التنافر الناتجة عن المناطق الأقل كثافة بالأحمر

تُمثَّل قوى الجذب الناتجة عن المناطق عالية الكثافة بالأزرق، وقوى التنافر الناتجة عن المناطق الأقل كثافة بالأحمر

بهذا يصبح لدينا العديد من الحركات المختلفة: دوران الأرض حول محورها وحول الشمس، ودوران الشمس حول مركز المجرة، وحركة مجرة درب التبانة نحو أندروميدا، ومحصلة قوى الجذب والتنافر في مجموعتنا المجرية.

بأخذ محصلة كل ذلك في الاعتبار، نستطيع أن نحدد سرعتنا خلال الكون في أي لحظة، وقد وجدنا أنها تقارب 368 كيلومترًا في الثانية، مضافًا إليها نحو 30 كيلومترًا في الثانية حسب الوقت من السنة واتجاه حركة الأرض. أُكدَت تلك القياسات بقياس إشعاع الخلفية الكونية الدقيق cosmic microwave background، الذي يظهر أسخن في اتجاه حركتنا وأبرد في الاتجاه المعاكس.

تتوهج بقايا الانفجار الكبير أسخن من المتوسط بمقدار 3.36 مللي كيلفين في اتجاه معين (الأحمر)، وأبرد من المتوسط بمقدار 3.36 مللي كيلفين في الاتجاه الآخر (الأزرق)، بسبب الحركة الكلية لكل الأجرام في الفضاء

تتوهج بقايا الانفجار الكبير أسخن من المتوسط بمقدار 3.36 مللي كيلفين في اتجاه معين (الأحمر)، وأبرد من المتوسط بمقدار 3.36 مللي كيلفين في الاتجاه الآخر (الأزرق)، بسبب الحركة الكلية لكل الأجرام في الفضاء

بتجاهل دوران الأرض حول الشمس، نجد أن مجموعتنا الشمسية تتحرك بالنسبة لإشعاع الخلفية الكونية بسرعة 368 كيلومترًا في الثانية، زائد أو ناقص كيلومترين في الثانية، وبأخذ حركة مجموعتنا المجرية في الاعتبار، نجد أن مجرة درب التبانة وأندروميدا والمجرات الأخرى تتحرك بالنسبة لإشعاع الخلفية الكونية بسرعة 627 كيلومترًا في الثانية، زائد أو ناقص 22 كيلومترًا في الثانية، وترجع نسبة الزيادة والنقص إلى حركة الشمس حول مركز المجرة، وهي أصعب مكونات القياس.

تأثير الطرد والتجاذب النسبي الناتج عن المناطق عالية الكثافة ومنخفضة الكثافة في مجرة درب التبانة، تُعرف محصلة التأثير بالطرد الثنائي Dipole Repeller

تأثير الطرد والتجاذب النسبي الناتج عن المناطق عالية الكثافة ومنخفضة الكثافة في مجرة درب التبانة، تُعرف محصلة التأثير بالطرد الثنائي Dipole Repeller

وبهذا نستطيع أن نفهم كيف تتحرك الأرض عبر الكون، إنها حركة سلسة ورائعة. يدور كوكبنا وجميع الكواكب حول الشمس في مستوى محدد، ويتحرك هذا المستوى في مدار يتخذ شكل القطع الناقص عبر المجرة، ولأن كل نجوم المجرة تتحرك أيضًا بنفس الشكل، يبدو لنا أننا نتحرك دخولًا وخروجًا من مستوى المجرى باستمرار، على فترات زمنية تصل إلى عشرات الملايين من السنين، بينما نستغرق نحو 200-250 مليون سنة لإتمام دورة واحدة حول مركز مجرة درب التبانة. تساهم الحركات الكونية الأخرى جميعها أيضًا في حركة الأرض: حركة مجرة درب التبانة داخل المجموعة المحلية، وحركة المجموعة المحلية في مجموعتنا المجرية، وكل ذلك في إطار الكون الفسيح.

وبهذا نستنتج أن حركة نظامنا الشمسي ليست دوامية، بل هي محصلة كل هذه الحركة الرائعة. لقد استطعنا بفضل التقدم المذهل في علم الفلك والفيزياء الفلكية، أن ندرك بالضبط كيف نتحرك عبر الكون.

اقرأ أيضًا:

هل تدور الشمس حول نفسها؟

هل من الممكن أن نختبر شروق الشمس من الغرب؟

ترجمة: أحمد جمال

تدقيق: أكرم محيي الدين

مراجعة: صالح عثمان

المصدر