في فيلم (قصة لعبة – Toy Story) الصادر عام 1995، تقوم الشخصية الحماسية (باز لايت يير) بترديد شعارها بلا هوادة: “إلى اللانهاية … وما بعدها!”.

تكمن النكتة هنا بالطبع في افتراضنا المنطقي بأنّ اللانهاية هي مفهوم مطلق لا يمكن تجاوزه, أي بمعنى آخر, لا يوجد ما هو بعدها.

ذلك الافتراض ليس سليماً تمامًا، كما أوضح عالم الرياضيات الألماني (جورج كانتور – George Cantor) في أواخر القرن التاسع عشر, هناك مجموعة متنوعة من اللانهايات, وبعضها أكبر من الآخر.

خذ ما نسميها بالأعداد الطبيعية على سبيل المثال: 1, 2, 3 وهلم جراً.

لا يوجد حدّ لتلك الأعداد, وهكذا نرى أنّ مجموعة الأعداد الطبيعية مجموعة ذات حجم لانهائي.

لكن ما مدى لانهائيتها؟ قام (كانتور) باستخدام حجة أنيقة لإظهار أنّ مجموعة الأعداد الطبيعية – على الرغم من كونها لانهائية – هي في الواقع أصغر حجماً من عائلة أخرى من الأعداد, الأعداد “الحقيقية”.

(تحتوي تلك المجموعة على جميع الأعداد التي يمكن تمثيلها على نحو عشريّ, حتى ولو كان ذلك التمثيل العشريّ ذو طول لانهائي.

لذا, فالعدد 27 عدد طبيعي, كما هو π, أي …3.14159) في الواقع, قام (كانتور) بتبيان وجود أعداد طبيعية محصورة بين الصفر والواحد الصحيح, يفوق تعدادها الأعداد الطبيعية كافة.

قام بذلك عن طريق برهان خطأ النقيض¹, منطقياً, قام بافتراض كون هاتين المجموعتين اللانهائيتين من الأعداد ذات أحجام متماثلة, ثم اتبع سلسلة من الخطوات المنطقية فوصل إلى خلل قوّض ذلك الافتراض.

قال بأنّ احتواء كل من مجموعة الأعداد الطبيعية ومجموعة الأعداد الحقيقية الموجودة بين الصفر والواحد الصحيح على عدد متطابق من العناصر, يدل ضمناً على امكانية مطابقة عناصر هاتين المجموعتين, بحيث يقابل كل عنصر من المجموعة الأولى عنصراً واحداً فقط من المجموعة الثانية.

فكر بالأمر من هذه الناحية: حتى في غياب أنظمة العد الرقمية, يمكن استخدام مقابلة العناصر في مجموعتين كطريقة لمقارنة أحجامها بالنسبة لبعضهما البعض.

تخيل وجود صندوقين بحجمين غير معلومين, يحتوي أحدهما على التفاح, ويحتوي الآخر على البرتقال.

إنّ سحب تفاحة من الصندوق الأول, وبرتقالة من الصندوق الثاني في نفس الوقت كفيل بربط المجموعتين ببعضهما على شكل أزواج من التفاح والبرتقال.

إذا ما فرغ محتوى كل من الصندوقين في ذات الوقت, فإنّ محتوياتها تكون ذات عدد متساو, وإذا ما فرغ محتوى إحد الصندوقين قبل محتوى الصندوق الآخر, فإنّ الصندوق الذي لم ينفذ بعد يكون أكثر وفرة من الآخر.

وهكذا, يقوم (كانتور) بافتراض ربط كل من مجموعة الأعداد الطبيعية ومجموعة الأعداد الحقيقية الموجودة بين الصفر والواحد الصحيح, وذلك عن طريق مقابلة عناصر كل منهما مع عناصر الأخرى.

حينها يوجد لكل عدد طبيعي (نرمز له بـ n) قرين من الأعداد الحقيقية (نرمز له بـ rn), عندها يمكن سرد الأعداد الحقيقية عن طريق تمثيلها بالأعداد الطبيعية المقابلة لكل منها: r1, r2, r3, وهلم جراً.

ثم يبدأ الجانب الماكر من (كانتور) بالظهور.

يصنع عددًا حقيقياً يرمز له بـ p, وذلك وفق القاعدة التالية: اجعل الرقم الذي يبعد عن الفاصلة العشرية n مرتبة, ذو قيمة مختلفة عن الرقم الواقع على نفس البعد من الفاصلة العشرية في العدد المقابل rn.

وبمقاربة مبسطة, يمكن اسناد القيمة 3 عندما تكون القيمة المقابلة 4, وإلا نقوم بإسناد القيمة 4.

التوضيح, لنفترض أنّ قرين العدد الطبيعي (1) من الأعداد الحقيقية هو (…r1=0.40570), وأنّ قرين العدد الطبيعي (2) هو (…r2=0.47868), وأنّ قرين العدد الطبيعي (3) هو (…r3=0.14159).

لنقم الآن بصنع العدد p باتباع تعليمات (كانتور): يجب على الرقم الواقع في المرتبة العشرية الأولى ألا يساوي الرقم الواقع في المرتبة العشرية الأولى من r1, أي 4.

لذا, نختار الرقم 3, ويبدأ p بالشكل …0.3 ثم نختار الرقم الواقع في المرتبة العشرية الثانية من p بحيث لا يساوي الرقم الواقع في المرتبة العشرية الثانية من r2, أي 7.

(نختار 4, ويصبح …p: 0.34) أخيراً, نختار الرقم الواقع في المرتبة العشرية الثالثة من p بحيث لا يساوي الرقم الواقع في المرتبة العشرية الثالثة من r3, أي 1.

(نختار 4 مجدداً, ويصبح …p: 0.344) باتباع نفس الخطوات في كل مرتبة عشرية (في هذه العملية التي تسمى بالتقطير)², يتولد لدينا عدد حقيقي p يقع بين الصفر والواحد الصحيح, وبسببب طريقة إنشائنا له, لا يساو أياً من الأعداد الحقيقية الموجودة بين الصفر والواحد الصحيح, باختلافه بمرتبة عشرية واحدة على الأقل عن كل منها.

لهذا, فهو عدد حقيقي جديد لم يكن موجوداً في تلك القائمة.

بعبارة أخرى, يمثل p عدداً لا يمتلك قريناً من الأعداد الطبيعية – أي تفاحة بدون برتقالة مقابلة لها.

وهكذا يفشل الربط بين الأعداد الطبيعية وبين الأعداد الحقيقية عنصر بعنصر, وذلك لوجود كم كبير جداً من الأعداد الحقيقية, كم كبير بشكل لا يمكن إحصاؤه, مما يجعل اللانهاية المرتبطة بسلسلة الأعداد الحقيقية أكبر – بطريقة أو بأخرى – من تلك المرتبطة بسلسلة الأعداد الطبيعية.

يقول (ستانلي بوريس – Stanley Burris) بروفيسور الرياضيات الفخري في جامعة (ووترلوو – Waterloo) في (أونتاريو): “إنّ فكرة كون لانهاية ما ‘أكبر من غيرها’ كانت تقدماً مفاجئاً حقاً, تلك مجرد عمليات حسابية بسيطة أجريناها على اللانهاية, لكن لم يسبق لأحد أن فكر في تصنيف العناصر الموجودة ضمن المجموعات اللانهائية, حيث كانت تعتبر كينونة مفردة قبل ذلك.”

ويضيف عالم الرياضيات (جوزيف ميليتي – Joseph Mileti) في جامعة (دارتموث – Dartmouth): “عندما سمعت بالنتيجة ورأيتها للمرة الأولى, صدمتني وأذهلتني بكل تأكيد, حيث أنها تعتبر واحدة من تلك النتائج القصيرة والجذابة والمفاجئة جداً, جداً.”