يرتبط الخرف غالبًا بكبار السن، لكنه قد يصيب الأطفال أيضًا. في الحقيقة، يؤثر خرف الطفولة في نحو 700,000 طفل حول العالم.

يماثل خرف الطفولة الخرف الشائع الذي نلاحظه عند البالغين، لكنه يتميز بأسبابه غير المعتادة، وبالعمر المفاجئ للمصابين، ما يجعله حالة طبية جديرة بالدراسة.

ما سبب خرف الطفولة؟

في معظم أنواع الخرف، مثل مرض ألزهايمر، يبدأ ظهور الأعراض لدى البالغين، عدا بعض الحالات الاستثنائية، وتقتصر هذه الحالات غالبًا على مرحلة الشيخوخة، إذن فكيف تؤثر في الأطفال؟

على عكس خرف الكبار، ما زالت أسباب خرف الطفولة تشكل مجالًا كبيرًا جدًا ونشطًا للبحث، حدد العلماء 70 نوعًا مختلفًا على الأقل من الاضطرابات الوراثية التي قد تؤدي إلى خرف الطفولة. وفقًا لـ «مبادرة خرف الطفولة» فإن واحدًا من كل 2,800 رضيع يولد بإحدى هذه الحالات.

تنقسم الاضطرابات الوراثية إلى عدة أقسام، قد تترافق جميعها مع مجموعات مختلفة من الأعراض، لكنها تشترك في القدرة على إحداث مرض تدريجي أشبه بالخرف.

فيما يلي نظرة متعمقة عن بعض تلك الاضطرابات:

داء عديدات السكريد المخاطية:

يظهر داء عديدات السكريد المخاطية عندما يكون الإنزيم المسؤول عن تكسير نوع محدد من الكربوهيدرات -الغليكوزأمينوغليكانات- غير موجود في الجسم، أو لا يعمل بفعالية.

تترافق أربعة أنواع فرعية من داء عديدات السكريد المخاطية مع خرف الطفولة، إن لم تُكسر الغليكوزأمينوغليكانات جيدًا ستتراكم بمرور الوقت في الخلايا والأنسجة ما يُحدث ضررًا.

داء كانافان:

مثال نادر لمجموعة واسعة من الاضطرابات المعروفة بحثل المادة البيضاء. تؤثر تلك الشذوذات في المادة البيضاء، وهي نسيج في الدماغ يتكون من ألياف الخلايا العصبية.

عند الأطفال المصابين بداء كانافان، تتكسر المادة البيضاء وتتخذ قوامًا إسفنجيًا.

داء تاي ساكس:

تصدّر داء تاي ساكس العناوين عام 2022 عندما تلقى طفلان للمرة الأولى علاجًا جينيًا لهذا المرض.

لا يصنع جسم المصابين بداء تاي ساكس كميةً كافية من الإنزيم بيتا هيكسوسامينيداز (A) الضروري لتكسير غانغليوسيد (GM2)، ما يؤدي إلى تراكمه في الدماغ والنخاع الشوكي.

يظهر هذا المرض عادةً عند الأطفال الصغار، وتُصنف بعض أعراضه ضمن خرف الطفولة.

داء مينكيس:

يؤثر داء مينكيس في مستويات النحاس في الجسم، وهو عنصر أساسي لعمل العديد من أعضاء الجسم بكميات قليلة.

لدى المصابين بداء مينكيس، تؤدي طفرة في جين (ATP7A) إلى عدم توزع النحاس جيدًا في الجسم، إذ يتوفر في بعض أنسجة الجسم ويقل في سواها.
يُصاب به الأطفال، عادةً الذكور، ويُسمى «داء الشعر المجعد» إذ يمتلك أغلب الأطفال المصابين به شعرًا خشنًا مجعدًا.

ما أعراض خرف الطفولة؟

مع أن أسباب خرف الطفولة مختلفة تمامًا عن أسباب خرف الكبار، تتشابه الأعراض في الحالتين.

قد يعاني الأطفال فقدان الذاكرة والارتباك وصعوبات في التعلم والتواصل والتركيز. تبدأ الأعراض عند أعمار مختلفة حسب السبب الوراثي، لكنها تتزايد تدريجيًا في كل الحالات. بمرور الوقت، يفقد الأطفال المصابون المهارات المعتادة مثل القراءة والمشي واللعب. إلى أن يفقد الدماغ القدرة على التحكم في عمل الجسم كما ينبغي.

في حديث مع «مبادرة خرف الطفولة»، وصفت إحدى الأمهات الأعراض المتفاقمة لطفلتها قائلة: «كان علينا رؤية طفلتنا الجميلة ذات الأعوام السبعة وهي تفقد قدرتها على الركض والمشي والرقص. ثم فقدت قدراتها الذهنية فلم تعد تستطيع العد أو غناء أغانيها المفضلة، وفقدت القدرة على الكلام، وأصبح من الصعب عليها تمييز أسرتها أو أصدقائها. أيضًا كان علينا مواجهة تحديات التأقلم مع تغير السلوك والشخصية المترافق مع خرف الطفولة».

إضافةً إلى الأعراض الذهنية، قد يعاني الأطفال المصابون مجموعة من الأعراض المختلفة، مثل النوبات ومشكلات العظام والمفاصل.

نظرًا إلى صعوبة تمييز بعض الأعراض المبكرة، قد يستغرق الأمر بعض الوقت قبل أن يُشخص المرض ويتلقى الأطفال العلاج المناسب.

هل خرف الطفولة حالة قابلة للشفاء؟

من بين الاضطرابات الوراثية التي تتجاوز 70 اضطرابًا، المعروفة بإحداث خرف الطفولة، أقل من 5% منها قابل للعلاج، ولا يوجد حتى الآن علاج شاف للأطفال المصابين بالخرف.

تقدّر «مبادرة خرف الطفولة» وجود نحو 48,300 حالة وفاة لأطفال دون سن البلوغ سنويًا حول العالم بسبب خرف الطفولة.

يبلغ متوسط العمر المتوقع للمصابين 28 سنة، ويُتوقع وفاة 75% من الأطفال المصابين قبل عمر 18 سنة.

يعمل الناشطون لرفع مستوى الوعي بشأن خرف الطفولة، الذي ما زال حتى الآن غير مُعترف به مرضًا مستقلًا بذاته، باستثناء أستراليا حيث توجد «مبادرة خرف الطفولة»، وحيث معدل الوفيات بسبب خرف الطفولة يقارب معدل الوفيات بسبب سرطان الأطفال.

«تُظهر الأرقام أن خرف الطفولة يسبب عبئًا كبيرًا، وأن احتياجاته ما زالت غير مُلباة على نحو كبير».

كتبت ميغان دونيل المديرة التنفيذية في «مبادرة خرف الطفولة»: «إن الأطفال يعتمدون علينا لبناء وعي أكبر حول خرف الطفولة وزيادة الأبحاث والتعاون، ما سيقودنا إلى تطوير علاج فعال ينقذ الأطفال المصابين من التدهور العقلي والجسدي المروع».

توجد علاجات مُتاحة لبعض الحالات الوراثية التي تسبب خرف الطفولة، وقد أسفر التقدم الحديث الملحوظ عن نتائج واعدة.

التوقعات المستقبلية:

في بدايات عام 2023، نشر علماء في جامعة مانشستر في المملكة المتحدة تقريرًا عن نتائج تجربة مبكرة لدراسة علاج جيني جديد لداء سانفيليبو.

داء سانفيليبو، المعروف أيضًا بمتلازمة سانفيليبو، اختصارًا (MPS III)، هو النوع الأكثر شيوعًا من داء عديدات السكريد المخاطية، وتسببه مورثة نادرة، إن كان كلا الوالدين حاملًا للمورثة، فيوجد احتمال واحد إلى أربعة أن يولد طفل مصاب بهذا المرض.

تظهر الأعراض عادةً بعد السنة الأولى من العمر، وتتضمن العديد من السمات المميزة لخرف الطفولة، إضافةً إلى تصلب المفاصل وصعوبة المشي والإسهال وبعض الاختلافات في مظهر الوجه.

مثل أغلب الأمراض المسببة لخرف الطفولة، لا يوجد علاج لداء سانفيليبو، لذلك فإن تجربة علاج جيني جديد محل ترحيب كبير.

تضمنت الدراسة أطفالًا تتراوح أعمارهم بين 6 و24 شهرًا، اختار الباحثون هذا المجال العمري ليكون قبل تفاقم أعراض داء سانفيليبو. تلقى الأطفال العلاج التجريبي المُسمى (OTL-201)، وسيتابعون تلقيه 3 سنوات على الأقل.

أُعلنت النتائج الأولية في مؤتمر فبراير 2023، ووُجد أن العلاج آمن وجيد التحمل، واكتسب أربعة من كل خمسة أطفال ضمن الدراسة مهارات ذهنية مماثلة لمهارات الأطفال الأصحاء في العمر ذاته.

قال رئيس الباحثين البروفيسور روبرت وين: «إن هذه النتائج مشجعة بالنسبة إلى الأطفال المصابين بداء سانفيليبو وعائلاتهم الذين لا يملكون حاليًا أي خيارات علاجية فعالة».

احتفى الباحثون بتلك النتائج الإيجابية المبكرة، وإن كان الطريق ما زال طويلًا. كما أوضحنا سابقًا، فإن داء سانفيليبو هو واحد من بين عدة أسباب لخرف الطفولة.

من نواحٍ عديدة، ما زال البحث في مراحله المبكرة، لكن بالنسبة إلى آلاف الأطفال الذي يعانون خرف الطفولة، فإن زيادة الوعي وتوافر العلاج الفعال أمران ضروريان وطارئان.

كتب الباحثون عن تجربة دواء (OTL-201): «كنا نأمل أن يكون هذا العلاج نقطة تحول للمرضى، ومع أن النتائج المبكرة التي لدينا إيجابية للغاية، ما زال أمامنا طريق طويل لنقطعه».

اقرأ أيضًا:

اكتشاف مرض جديد في الدماغ لدى الأطفال يمكن أن يساعدنا في فهم الخرف

مركب في بلازما الدم قد يتنبأ بخطر الإصابة بالخرف

ترجمة: ميس مرقبي

تدقيق: أكرم محيي الدين

المصدر