يستكشف هذا المقال ثمانيًا من أهم الخرائط القديمة في التاريخ.

1- خريطة العالم البابلية:

نُقشت أقدم خريطة عالم معروفة في التاريخ على ألواح طينية في مدينة بابل القديمة في وقت ما نحو 600 ق.م.

تقاس الخريطة نجمية الشكل بخمسة في ثلاث بوصات فقط، وتعرض العالم كقرص دائري مسطح يطوقه محيط أو (النهر المرير) بالأكدية. تظهر بابل ونهر الفرات في المركز بشكل مستطيلين، بينما ظهرت المدن المجاورة مثل آشور وسوسة كنقاط دائرية صغيرة. يوجد خارج القرص مجموعة من الأقسام المثلثة التي تصور الجزر البعيدة أو (الجبال) مع تسميات غامضة مثل (ما وراء طيران الطيور) و (المكان لا يمكن رؤية الشمس فيه).

يصف النص المسماري المصاحب للخريطة هذه الأراضي المجهولة بأنها مأهولة بوحوش أسطورية، ما يشير إلى أن الخريطة جمعت بين معالم جغرافية حقيقية وعناصر من علم الكونيات البابلي.

2- جغرافيا بطليموس:

ترجع أصول العديد من عناصر علم رسم الخرائط إلى أعمال العالم اليوناني كلاوديوس بطليموس. نحو عام 150 م، أنتج كتابًا من ثمانية مجلدات باسم “الجغرافيا”، وتضمّن بعض أولى الخرائط التي استخدمت مبادئ الرياضيات.

لكتاب بطليموس بعض الأخطاء الملحوظة، فمثلًا صُوِرَ المحيط الهندي، على أنه بحر، ورغم ذلك يعد الكتاب رائعًا بسبب اتساع نطاقه وتفاصيله.

ضم الكتاب أكثر من 8000 اسمًا مختلفًا لأماكن متعددة بالإضافة إلى الإشارة إلى مناطق نائية مثل آيسلندا وكوريا، وكلها مخططة وفقًا لنقاط هندسية بحسب خطوط الطول والعرض. للأسف، لم تنج حتى اليوم أي خرائط رسمها بطليموس.

ويبدو أن أطلسه قد اختفى لأكثر من ألف عام، لكن بدأ العلماء البيزنطيون في القرن الثالث عشر بعمل إسقاطات مستخدمين إحداثياته.

3- خريطة بوتينغر:

خلال الأيام التي كانت فيها كل الطرق تؤدي إلى روما، كانت خريطة بوتينغر دليلًا مفيدًا لشبكة النقل في الإمبراطورية الرومانية. يبلغ طول الخريطة غريبة الشكل 22 قدمًا وعرضها قدمًا واحدًا فقط، وهي تصور مسار أكثر من 60 ألف ميل من الطرق الرومانية الممتدة من أوروبا الغربية إلى الشرق الأوسط. يُظهر قسمٌ إضافي أيضًا الهند وسريلانكا وأجزاء أخرى من آسيا.

وكما لو كانت دليل سفر حديث، شملت الخريطة مواقع أكثر من 500 مدينة بالإضافة إلى نحو 3500 نقطة ذات صلة مثل محطات الطرق والمعابد والغابات والأنهار وحتى المنتجعات الصحية.

قد تكون خريطة بوتينغر الأصلية اكتملت في وقت قريب من القرن الرابع الميلادي، لكن النموذج الموجود اليوم هو نسخة من القرن الثالث عشر. سُميت الخريطة على اسم الباحث الألماني كونراد بوتينغر، الذي اكتسب ملكيتها في أوائل القرن السادس عشر.

4- نزهة المشتاق في اختراق الآفاق:

دُعي العالم المسلم الشهير محمد الإدريسي إلى بلاط الملك النورماندي روجر الثاني في القرن الثاني عشر ميلاديًا وطُلب منه إصدار كتاب عن الجغرافيا. وكانت النتيجة كتاب «نزهة المشتاق في اختراق الآفاق» المعروف أيضًا باسمه في الغرب (The Tabula Rogerina).

تضمن الكتاب العديد من الخرائط الإقليمية بالإضافة إلى إسقاط للعالم المعروف، الذي يصور أوراسيا بأكملها وقسمًا كبيرًا من أفريقيا. الإدريسي الذي رسم اعتمادًا على مقابلات مع المسافرين وتجواله الشخصي عبر أوروبا، جمع أيضًا بيانات واسعة النطاق حول المناخ والسياسة والثقافة في مختلف المناطق.

ظل كتاب (نزهة المشتاق في اختراق الآفاق) من بين أكثر الخرائط دقة في العالم لعدة قرون، لكنها قد تبدو غريبة للوهلة الأولى، إذ إن الإدريسي رسمها واضعًا الجنوب في الأعلى، وذلك عُرفًا لدى رسامي الخرائط الإسلاميين.

5- خريطة دا مينغ هون يي تو:

تعد خريطة دا مينغ هون يي تو الصينية أو «الخريطة المدمجة لإمبراطورية مينغ» واحدة من أقدم خرائط العالم الباقية من الشرق الأقصى، رُسمت على الحرير في العام 1389. تغطي الخريطة القارة الأوراسية بأكملها من اليابان إلى المحيط الأطلسي، وتتضمن تأشيرات مفصلة لمراكز إدارية وسلاسل جبال وأنهار.

الخريطة معروفة خصوصًا للطريقة التي تشوه بها حجم المناطق الأرضية المختلفة. تمتد الأراضي الرئيسية للصين على منتصف الخريطة، في حين أن كلًا من اليابان وكوريا تظهران أكبر بكثير من الهند، وتُصوَّر القارة الأفريقية على أنها شبه جزيرة صغيرة نسبيًا مع بحيرة عملاقة في منتصفها. ورغم عدم الدقة هذه، غالبًا ما يُشار إلى دا مينغ هون يي تو كأول خريطة تُظهر أفريقيا بطرف جنوبي يمكن الإبحار حوله.

6- خريطة العالم لكانتينو:

في عام 1502، كلف دوق إيطالي عميلًا يُدعى ألبيرتو كانتينو بالحصول على إحدى خرائط الاكتشافات الجغرافية لمملكة البرتغال، التي اشتهرت بإطلالتها القريبة لمواقع الأراضي الجديدة التي اكتشفها المستطلعون. نجح كانتينو في مهمته، وأصبحت الخريطة التي هربها من البرتغال مشهورة منذ ذلك الحين.

لا تصور الخريطة أفريقيا والهند وأوروبا بتفاصيل غير مسبوقة فحسب، بل إنها تعتبر واحدة من أقدم الخرائط المعروفة التي تبين الخطوط الساحلية لأقاليم «العالم الجديد» التابعة للبرتغال في أمريكا الجنوبية. إلى شمال البرازيل، تشتمل الخريطة أيضًا على مجموعة صغيرة من الأراضي التي يبدو أنها كوبا وهيسبانيولا وجزء من الساحل الشرقي الأمريكي.

7- خريطة العالم لفالدزيمولر:

في العام 1507، أنتج رسام الخرائط الألماني مارتن فالدزيمولر أول خريطة في التاريخ تصور العالم الجديد كأراضٍ مستقلة يجانبها المحيط الهادئ من الغرب، وساعد في تسمية القارات الأمريكية.

تكريمًا للملاح الإيطالي أمريكو فيسبوتشي، الذي طرح لأول مرة نظرية القارة الجديدة، أطلق فالدزيمولر ومساعده ماتياس رينغمان على أراضي نصف الكرة الغربي الجديدة اسم «أمريكا». ومنذ ذلك الحين، أطلق على خريطة فالدزيمولر اسم «شهادة ميلاد أمريكا»، لكنها أيضًا مميزة لكونها أغلى خريطة من بين خرائط العالم على الإطلاق، إذ اشترت مكتبة الكونغرس النسخة الوحيدة الباقية مقابل 10 ملايين دولار في العام 2003.

8- إسقاط ميركاتور:

إسقاط ميركاتور الشهير الذي كان يومًا ما موضوعًا أساسيًا في الفصول الدراسية في جميع أنحاء العالم، عُدّ أيضًا محل نقاش وجدل كبير.

صمم رسام الخرائط الفلمنكي جيراردوس ميركاتور شكل الخريطة لأول مرة في عام 1569 كطريقة لعرض الأرض الكروية على سطح مستوٍ ومستطيل. مع وضع ذلك في الاعتبار، رسم خريطة للعالم مع متوازيات خطوط العرض التي تتباعد بتزايد كلما ابتعدت عن خط الاستواء. جعلت هذه الميزة إسقاط ميركاتور لا يقدر بثمن بالنسبة للبحارة، الذين يمكنهم استخدامه للإبحار في خطوط مستقيمة مع خط بوصلة ثابت، ولكن هذا يعني أيضًا أن الحجم النسبي للأراضي المختلفة كان غير دقيق كثيرًا.

تظهر غرينلاند والمناطق القطبية الأخرى أكبر بكثير مما هي عليه في الواقع، في حين أن الأراضي الاستوائية مثل إفريقيا وأمريكا الجنوبية مختزلة بشدة.

ومع ذلك، ظل إسقاط ميركاتور جزءًا أساسيًا من الأطالس حتى القرن العشرين، عندما بدأ النقاد في التنديد به باعتباره غير دقيق. مع أنه ما يزال يستخدم مساعدًا ملاحيًا، فقد استُبدل منذ ذلك الحين بالكثير من الخرائط الحديثة والبيضاوية الشكل مثل إسقاطات روبنسون ووينكل تريبيل.

اقرأ أيضًا:

ربحت خريطة عالم دقيقة، جائزة التصميم اليابانية العريقة

أميرجو فيسبوشي: سيرة ذاتية، حقائق وتسمية أمريكا

ترجمة: صفا روضان

تدقيق: رغد أبو الراغب

المصدر