خطوة جديدة في مجال التشفير
آلة الإنيغما الكمومية


تجاوز باحثون من جامعة روتشستر «Rochester» في نيويورك الجانب النَّظري في إثبات إمكانيَّة إرسال رسالة مشفَّرة غير قابلةٍ للكسر مع مفتاح تشفيرٍ أقصر بكثيرٍ من الرِّسالة نفسها لأول مرَّة.
حتى الآن، جرت عمليَّة إرسال الرَّسائل المشفّرة غير القابلة للكسر عن طريق نظام تصوّره عالم الرِّياضيَّات الأمريكي كلود شانون «Claude Shannon»، والذي يُعتبر بمثابة الأب لنظريَّة المعلومات. جمع شانون بين معلوماته حول علم الجبر والدَّارات الكهربائيَّة للوصول إلى نظامٍ ثنائي لنقل الرَّسائل بشكلٍ آمنٍ وفق ثلاثة شروطٍ: مفتاح تشفير عشوائي، يُستخدم مرةً واحدةً فقط، ويكون على الأقل بطول الرسالة نفسها.
لقد نُشرت النَّتائج التي توصَّل إليها كل من دانيال لوم «Daniel Lum» طالب دراسات عليا في الفيزياء وجون هاول «John Howell» وهو أستاذ في الفيزياء في مجلة «Physical Review A».

قال هاول: «إنَّ البحث الذي انجزه دانيال بمثابة خطوةٍ هامّةٍ للأمام، ليس فقط في مجال التشفير، وإنَّما أيضًا في مجال تأمين البيانات الكموميَّة».
تأمين البيانات الكمومية هي طريقة تشفير قدّمها سيث لويد «Seth Lloyd»، وهو أستاذ المعلومات الكموميَّة في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا «MIT»، إذ تَستخدم الفوتونات هذه الطَّريقة لحمل الرِّسالة، والفوتونات أصغر جسيماتٍ متعلِّقةٍ بالضَّوء. كان يُعتقد أنّ تأمين البيانات الكموميَّة لديها قيودٌ لإجراء التشفير الآمن للرسائل، لكنّ «لويد» اكتشف كيفيَّة وضع افتراضاتٍ إضافيَّةٍ تشمل الحدود بين الضَّوء والمادَّة، لجعلها وسيلةً أكثر أمنًا لإرسال البيانات. بينما يسمح النِّظام الثُّنائي بوضع on أو off فقط مع كل بتٍّ من المعلومات، يمكن تعديل موجات الفوتون بعدة طرقٍ أُخرى: زاوية الميل يمكن تغييرها، الطُّول الموجي يمكن جعله أقصر أو أطول، ومقدار المطال ويمكن تعديله أيضًا. بما أنّ للفوتون متغيرات أكثر – وهناك شكوكٌ أساسيّةٌ عندما يتعلق الأمر بالقياسات الكموميَّة – فمفتاح التشفير الكمومي لأجل تشفير وفك تشفير الرِّسالة يُمكن أن يكون أقصر من الرِّسالة نفسها.

بقي نظام لويد نظريًا حتى هذا العام، عندما طوّر لوم وفريقه جهازًا من شأنه أن ينقل الأفكار النَّظريَّة نحو التَّطبيق العملي، وهو آلة الإنيغما الكموميَّة. يأخذ هذا الجهاز اسمه من آلة التَّشفير التي استُخدمت من قِبَل ألمانيا خلال الحرب العالميَّة الثانية، والتي استُخدمت فيها طريقة ترميز تمكنت فيما بعد كلّ من وكالتي الاستخبارات البريطانية والبولندية حلّ شيفراتها بشكلٍ سرّي.
لنفترض مثلًا أنّ «أليس» تريد إرسال رسالةٍ مشفّرةٍ إلى «بوب». تستخدم «أليس» الآلة لتوليد فوتونات تنتقل عبر فضاءٍ حرٍ نحو مُعدِّل ضوئي فراغي (SLM) يغيّر الخصائص المميزة للفوتونات (على سبيل المثال المطال والميل) لترميز الرِّسالة بشكلٍ صحيحٍ إلى مقدِّمة موجةٍ مستويةٍ لكن مائلةٍ بحيث يمكن تركيزها إلى نقاط فريدة يفرضها الميل. لكن (SLM) يقوم بأشياء أُخرى: يشوه أشكال الفوتونات إلى أنماطٍ عشوائيَّةٍ، بحيث مقدّمة الموجة لم تعد مستوية، مما يعني أنَّه لم يعد لديها تركيز واضح المعالم. يعلم كل من «أليس» و«بوب» مفاتيح التّشفير التي تحدد العمليات المنفّذة، لذلك يكون «بوب» قادرًا على استخدام (SLM) الخاص به لجعل مقدمة الموجة مستوية، وإعادة تركيز الفوتونات، وترجمة الخصائص المُعدّلة إلى العناصر المميّزة للرسالة.

جنبًا إلى جنب مع تعديل شكل الفوتونات، استخدم لوم وفريقه مبدأ الشك، الذي ينصُّ على أننا كلما عرفنا أكثر عن إحدى الخواص لجسيمٍ ما، فإننا نعرف أقلّ عن الخواص الأُخرى له. بسبب ذلك، تمكّن الباحثون من تشفير ستة بتات من المعلومات باستخدام بتٍ واحدٍ فقط من مفتاح التّشفير وهي العملية التي تُدعى قفل البيانات.
يقول لوم: «جهازنا ليس آمن مئة بالمئة بسبب فقدان الفوتون، إلّا أنَّه يُظهر أنّ قفل البيانات في رِسالة مشفرة هو أكثر من مجرد نظريّة».
إنّ الهدف النهائي من آلة الإينيغما الكموميّة هو منع طرفٍ ثالثٍ –على سبيل المثال شخص اسمه «ايف»-من اعتراض البيانات وفك تشفير الرِّسالة. وهناك مبدأ أساسي في نظريّة الكم هو أنَّه بمجرد قياس نظام كمومي، فإنّ النظام يتغيّر. ونتيجةً لذلك، يكون لدى «ايف» فرصة واحدة فقط للحصول على ترجمة للرسالة المشفرة الشيء الذي يكاد يكون مستحيلًا، نظرًا للعدد غير المحدود من الأنماط الموجودة لكل فوتون.

المقالة التي قدّمها لوم وهويل كانت واحدةً من مقالتين نُشرتا معًا حول نفس الموضوع. حيث أن المقالة الأُخرى «تأمين البيانات الكمومية» كانت من إنجاز فريق بقيادة الفيزيائي الصيني «Jian-Wei Pan».
يقول لوم: «من المستبعد جدًا أن يكون إنجازنا للعمل في الفضاء الحرِّ مفيدًا من خلال الظُّروف الجَّويَّة» ويضيف: «بدلًا من ذلك، لقد حدّدنا استخدام الألياف البصريَّة كمسارٍ أكثر فاعليّة لتأمين البيانات، وكانت مجموعة الفيزيائي الصيني Pan قد بدأت بهذا المسار فعلًا. بغض النّظر عن ذلك، لا يزال هذا المجال في مراحله الأولى ويحتاج أبحاثٍ إضافيَّةٍ».


ترجمة: يامن السيوفي
تدقيق: دعاء عسَّاف
المصدر