إنها حلقة أساسية في الحياة؛ نتناول الطعام ثم نهضمه وبعدها نتغوط ما لا نستفيد منه. التغوط، وهو غالبًا موضوع يثير القرف أو السخرية، مهم للغاية. يبدأ عادةً في اليوم الأول من حياة الطفل، فعندما يتغوط الوليد يتغوط ما ندعوه بالعقيّ (Meconium).

إلا أن بعض الأطفال يعانون صعوبةً في ذلك. إن انعدمت حركية الأمعاء عند الطفل فقد يكون مصابًا بداء هيرشسبرونغ، وهي حالة تنطوي على فقدان بعض الخلايا العصبية من الأمعاء الغليظة (القولون).

داء هيرشسبرونغ مرضٌ خلقي، أي يتطور خلال فترة الحمل ويتظاهر بعد الولادة. وتحدث بعض الأمراض الخلقية جرّاء نظام الأم الغذائي أو نتيجةً لمرضٍ أصيبَت به خلال فترة الحمل. أما بعضها الآخر فيحدث وراثيًّا وفقًا لجينات ينقلها الآباء إلى الطفل الوليد.

لم يعرف الباحثون بعد السبب وراء إصابة البعض بداء هيرشسبرونغ، إلا أنهم يعتقدون أن المرض راجع إلى عيوب في تصنيع سلسلة الحمض الريبوزي النووي منقوص الأكسجين (DNA). قد يكون داء هيرشسبرونغ قاتلًا، إلا أن الطب الحديث قادر على إصلاح المشكلة جراحيًا، ويعيش الأطفال بعدها حياةً طبيعيةً وصحيةً.

ما أسباب داء هيرشسبرونغ؟

يبدأ المرض عند الجنين منذ أشهر الحمل الأولى. ومع تطور الجنين، تتشكل الخلايا العصبية على امتداد الجهاز الهضمي؛ ابتداءً من المريء -الأنبوب الواصل بين الفم والمعدة- وانتهاءً بالمستقيم.

يوجد عند الشخص في الحالة الطبيعية ما يصل إلى 500 مليون خلية عصبية من مهامها تحريك الطعام على امتداد الجهاز الهضمي. لكن عند الطفل المصاب بداء هيرشسبرونغ يتوقف نمو الخلايا العصبية في نهاية المعي الغليظ في المنطقة التي تسبق المستقيم والشرج. وعند بعض الأطفال، تختفي الخلايا العصبية من مناطق أخرى من الجهاز الهضمي على حدٍّ سواء. ما يعني أن الطفل لن يشعر عند وصول الفضلات إلى نقطة معينة من المعي الغليظ، أي أن الفضلات ستنحشر وتؤدي إلى انسداد في السبيل الهضمي.

يصيب داء هيرشسبرونغ نحو 1/5000 من حديثي الولادة، وسيتظاهر على الأرجح عند أطفالٍ يعانون أمراضًا خلقيةً أخرى مثل: متلازمة داون وآفات القلب الخلقية.

قد ينقله الآباء الحاملون لمورثة داء هيرشسبرونغ في جيناتهم -خاصةً الأمهات- إلى أبنائهم. ونسبة إصابة الذكور أعلى من الإناث.

سُمّي المرض تيمّنًا بالطبيب الدنماركي من القرن التاسع عشر؛ هارالد هيرشسبرونغ الذي وصف الحالة عام 1888.

أعراض داء هيرشسبرونغ

تبدأ الأعراض بالنسبة للغالبية الساحقة من المرضى خلال الأسابيع الستة الأولى من الحياة. وفي العديد من الحالات تظهر العلامات خلال اليومين الأولين. فقد نلاحظ انتفاخًا في البطن، وتشتمل الأعراض الأخرى على:

 توقّف حركة الأمعاء.

يجب أن نقلق إن لم يتغوط الطفل -برازًا كان أم عقيّ- خلال أول يومين بعد الولادة. وقد يعاني الأطفال الأكبر إمساكًا مزمنًا.

 إسهال مُدمّى.

قد يعاني الأطفال أيضًا الالتهاب المعوي القولوني، وهو عدوى مهددة للحياة تصيب القولون وتتظاهر بإسهال شديد وغازات.

 تقيّؤ.

قد يكون الإقياء بلون أخضر أو بني.

وتتضمن الأعراض الأخرى عند الأطفال الأكبر؛ فشلًا في النمو وتعبًا وإمساكًا شديدًا.

 تشخيص داء هيرشسبرونغ

علينا إبلاغ الطبيب على الفور إن ظهرت هذه الأعراض على الطفل، وبإمكانه تأكيد تشخيص داء هيرشسبرونغ بإجراء الفحوصات التالية:

 صورة شعاعية ظليلة/ حقنة الباريوم

وتُدعى أيضًا بحقنة الباريوم الشرجية؛ وهو عنصر يُستخدَم لتغطية أعضاء الجسم الداخلية وإبرازها. إذ يوضع الطفل مقلوبًا على وجهه على الطاولة في أثناء حقن الصباغ (الباريوم) بواسطة أنبوبٍ يُدخَل من الشرج إلى الأمعاء دون تخدير. وتسمح الصبغة للطبيب برؤية المناطق المصابة على صورة الأشعة السينية.

 صورة بطن شعاعية بسيطة

وهي صورة شعاعية اعتيادية قد يأخذها فني الأشعة من عدة زوايا، وتسمح للطبيب برؤية أي عائق على مسار الأمعاء.

 الخزعة

يأخذ الطبيب عينةً صغيرةً من المستقيم وتُفحَص العينة بحثًا عن علامات دالّة على داء هيرشسبرونغ. وقد يلجأ الطبيب إلى التخدير مع الأخذ بعين الاعتبار عمر الطفل وحجمه.

 قياس ضغط المستقيم

وفيه يُنفَخ بالون صغير داخل المستقيم للتأكد من استجابة عضلات المستقيم. ويُجرى هذا الاختبار عند الأطفال الأكبر سنًّا فقط.

 علاج داء هيرشسبرونغ

داء هيرشسبرونغ حالة خطيرة، لكن عند كشفها مبكّرًا ستشفَى حتمًا بالعلاج الجراحي. ويلجأ الأطباء عادةً إلى نوعين من الجراحة:

 إجراء استئصالي

يشتمل ببساطة على استئصال جزء القولون الخاوي من الخلايا العصبية ووصل الجزء المتبقي من القولون مع الشرج مباشرةً.

 فغر القولون

توجّه هذه الجراحة القولون إلى فتحة خارج الجسد، ثم يصل الطبيب كيسًا مع الفتحة الخارجية للمفاغرة ليحمل الفضلات. وعادةً يكون هذا الإجراء مؤقتًا في داء هيرشسبرونغ إلى حين يصبح الطفل مؤهلًا للإجراء الاستئصالي.

قد يعاني بعض الأطفال بعد الجراحة صعوباتٍ في التغوط أو إمساكًا أو إسهالًا أو سلس البراز (صعوبة في التحكم بحركة الأمعاء أو التبول -السلس البولي-). وقد تعاني حفنة من الأطفال الالتهاب المعوي القولوني، وتشتمل علاماته على: نزف مستقيمي وحرارة وتقيؤ وانتفاخ في البطن. وعند حدوثه يجب أن نهرع بالطفل إلى المشفى حالًا.

لكن مع الرعاية المناسبة، خاصةً النظام الغذائي الملائم وشرب الكثير من الماء، فإن هذه الحالات تُشفى بصورةٍ أكيدة. ستتراجع هذه الحالات وسيستعيد معظم الأطفال حركات معوية طبيعية خلال سنة من العلاج. وستستمر عند أطفال آخرين اضطرابات معوية متقطّعة في فترة الرشد ولطيلة حياتهم.

داء هيرشسبرونغ مرض خلقي، ما يعني أنه اضطراب يدوم مدى الحياة وتجب مراقبته باستمرار.

اقرأ أيضًا:

ما أسباب البراز الأخضر ؟ وما علاجه؟

عيوب القلب الخلقية: الأسباب والعلاج

ترجمة: سِوار قوجه

تدقيق: لبنى حمزة

مراجعة: آية فحماوي

المصدر