أكدت ورقة بحث حديثة درست حالة نجم نابض ثنائي صحة التوقعات التي صاغها أينشتاين في نظريته النسبية العامة.

عكف فريق من علماء الفلك الدوليين مدة 16 عامًا على مراقبة نجم ثنائي نابض أطلق عليه اسم (PSR J0737−3039A/B). استنتج الفريق إمكانية قياس التأثيرات النسبية في أثناء ذبذبات النجمين النابضين، مثلما كان متوقعًا ومقدرًا من قبل، وقد روقبت هذه التأثيرات للمرة الأولى على الإطلاق.

يقول عالم الفلك، قائد الدراسة «مايكل كرامر» من معهد ماكس بلانك : «درسنا نطامًا متراصًا من النجوم كان صالحًا تمامًا للدراسة واختبار نظريات الجاذبية في وجود حقول جذب قوية للغاية، من الرائع أن نتمكن من اختبار حجر أساس نظرية أينشتاين، الطاقة المحمولة بواسطة موجات الجذب، بدقة فاقت 25 ضعف دقة هولز وتايلور الفائزان بجائزة نوبل عندما درسا النجم النابض، وألف ضعف دقة كاشفات موجات الجذب المستخدمة حاليًا».

تُعد النجوم النابضة أكثر النجوم نفعًا لنا في الكون، وهي نوعان، أولهما النجوم النيوترونية، وهي نجوم صغيرة وكثيفة، يبلغ عرضها 20 كيلومترًا، وتبلغ كتلتها نحو 2.4 ضعف كتلة الشمس.

يرجع اسم النجوم النابضة إلى أنها ببساطة تنبض وتطلق حزم من الإشعاعات من أقطابها، تنطلق هذه الحزم وتومض عند دوران النجم كالمنارة بسرعة تقاس بالميلي ثانية.

توقيت تلك الومضات دقيق للغاية، ما يجعل النجوم النابضة نافعة لنا، إذ تُستخدم الاختلافات في توقيت الومضات لدراسة المحيط بين-النجمي والجاذبية، وفي الملاحة أيضًا.

اكتُشف النجم الثنائي موضوع الدراسة (PSR J0737−3039A/B) سنة 2003، ويبعد عنا نحو 2400 سنة ضوئية، وهو النظام الثنائي الوحيد المكتشف بين النجوم النابضة، ما يجعله فرصةً للتحقق والدراسة، واختبارًا جديدًا للنسبية، لذلك يعده الباحثون موضوعًا صالحًا للدراسة بدرجة غير مسبوقة، لاختبار نظريات الجاذبية.

يقترب النجمان من بعضهما بقوة، ويكملان مدارًا كاملًا كل 147 دقيقة، يدور أحدها بسرعة فائقة تصل إلى 44 دورة كل ثانية، في حين يُعد النجم الثاني فتيًا، لذا فهو أبطأ، إذ يتم دورة كل 2.8 ثانية، ولما كان النجمان كثيفين للغاية، فإن لهما حقولًا مغناطيسيةً قوية جدًا، ما يعني وجود تأثير متبادل على التوقيت والزاوية التي ينبضان بها.

من أجل المراقبة والوصول إلى هذه المعلومات، استخدم العلماء سبعة تلسكوبات ضخمة حول الأرض طيلة 16 عامًا.

يقول عالم الفيزياء الفلكية «إنجريد ستيرز» من جامعة بريتيش كولومبيا: «نتتبع انتشار الفوتونات الراديوية الصادرة من منارةٍ كونية –النجم النابض– ونكشف عن مسار حركته في الحقل المغناطيسي الشديد لنجمٍ مرافق، ونرى للمرة الأولى أن الزمن لا يتباطأ فحسب بسبب الانحناء الشديد في الزمكان حول النجم المرافق، بل يتعدى ذلك إلى انحراف الضوء بزاوية صغيرة تصل إلى 0.04 درجة، وقد التقطنا ذلك. لم تُجرَ من قبل أي تجربة في وسطٍ انحنى فيه الزمكان لهذه الدرجة».

أجرى الباحثون سبعة اختبارات للنسبية العامة إجمالًا، متضمنةً ما يسمى حركة النبضات، أي التغيرات في اتجاه مدار النظام الثنائي، وتأثير السحب الإطاري، وهو دراسة طريقة سحب النجوم النابضة للزمكان من حولها عند دورانها، ما سمح للباحثين بتتبع توقيت ومضات النجم بدقة.

يشرح ذلك عالم الفيزياء الفلكية «ديك مانشستر» من منظمة الكومنولث للبحوث العلمية والصناعية بأستراليا : «بصرف النظر عن موجات الجذب وانتشار الضوء، تسمح لنا تلك الدقة بدراسة تمدد الضوء الذي يجعل الزمن يتباطأ في الحقول المغناطيسية، علينا أن نأخذ بالحسبان معادلة آينشتاين المشهورة (E = mc2) عند دراسة تأثير الإشعاعات الراديو-مغناطيسية الصادرة من النجوم النابضة السريعة في حركتها المدارية، تتوافق هذه الإشعاعات مع فقد 8 مليون طن من الكتلة كل ثانية، ومع أن ذلك يبدو مهولًا، فإنه لا يمثل سوى جزء صغير للغاية من كتلة النجم النابض، إذ لا تتعدى ثلاثة أجزاء من ألف مليار مليار من كتلة النجم».

تُضم الدراسة الجديدة إلى عددٍ كبير من القياسات الدقيقة للتأثيرات النسبية التي تتوافق مع توقعات أينشتاين حتى هذه اللحظة، إذ نجد توافقًا بين النسبية العامة والزمكان المحيط بالثقب الأسود فائق الضخامة (M87)، وطريقة دوران النجوم حول الثقب الأسود في قلب مجرة درب التبانة، وتوقيت الساعات الذرية، ودراسة نجم نابض متمايل امتدت 14 عامًا، وأخيرًا، دراسات تخص نظامًا نجميًا ثلاثيًا.

سنتمكن غالبًا من رؤية اختبارات أدق للجاذبية ضمن النسبية العامة في السنوات القليلة القادمة، مع ظهور تلسكوبات أقوى، ويواصل العلماء البحث.

يوضح «روبرت فيردمان» من جامعة إيست آنجليا بالمملكة المتحدة «لا تتوافق النسبية العامة مع القوى الأساسية الأخرى التي تشرحها ميكانيكا الكم، لذلك يجب وضع أقوى الاختبارات لتجربة النسبية العامة، لمعرفة كيف ومتى تنهار النظرية. إن الوصول إلى أي انحراف في النسبية العامة قد يقود إلى اكتشاف هائل يفتح نافذةً نحو فيزياء جديدة تتعدى فهمنا النظري الحالي للكون، وقد يساعدنا ذلك على اكتشاف نظرية موحدة للقوى الأساسية للطبيعة».

اقرأ أيضًا:

كيف أكد الكسوف الكلي للشمس صحة نظرية آينشتاين قبل مئة سنة ؟

نظرية النسبية العامة تجتاز اختبارًا صعبًا جديدًا في قلب مجرتنا

ترجمة: سايس وليد

تدقيق: سمية بن لكحل

المصدر