ما سبب الألم في متلازمة القولون العصبي ؟ قد يكون تفاعلًا مناعيًا موضعيًّا.

يعد الإسهال والإمساك إضافةً إلى التشنجات مصدر إزعاج لملايين المرضى الذين يعانون متلازمة القولون العصبي IBS وتسوء حالة المرضى عندما يتجاهل الأطباء هذه الأعراض ظنًا منهم أنها ناجمة عن القلق أو التخيلات.

يقول جاي بويكستينز المتخصص بالأمراض الهضمية في جامعة كي يو لوفين: «كله في العقل وبين الأذنين».

لكن بويكستينز سعى سنوات عديدةً إلى فهم إحدى العلامات المميزة لهذه المتلازمة وهي الألم البطني بعد تناول الطعام، إذ قدم برفقة 40 من زملائه معلومات تدعم فرضيتهم وهي أن الألم ناجم عن نوع من التفاعل التحسسي الموضعي تجاه الطعام في الأمعاء.

يقول روبين سبيلير المتخصص بالأمراض الهضمية من جامعة نوتينغهام الذي لم يكن مشاركًا في الدراسة: «يعتقد المرضى أن لديهم حساسية تجاه شيءٍ ما، لكن فحص التحسس الغذائي في الدم لا يُظهر أي دليل على ذلك إذ تُعد فكرة وجود استجابة مناعية موضعية في الأمعاء مفهومًا جديدًا».

ظهر أول الأدلة التي تفسر الألم منذ 15 عامًا عندما اكتشف الباحثون أمرًا محيرًا في مرضى متلازمة القولون العصبي. يقول جيوفاني باربارا المتخصص بالأمراض الهضمية من جامعة بولونيا الذي قاد البحث: «كان جهازهم المناعي مختلفًا».

لاحظ أن الخلايا البدينة كانت مفعلةً في الخزعات المأخوذة من نسيج أمعاء المرضى. عادةً تؤدي هذه الخلايا البدينة دور نظام الإنذار في الجسم، إذ تحرر مواد كيميائيةً مثل الهيستامين عند وجود خطر عدوى أو إنتان كالإصابة بالطفيليات، لكن مرضى متلازمة القولون العصبي لا يعانون أي عدوى فعالة وهذا ما جعل الأمر غريبًا في البداية، إذ لم تكن الخلايا البدينة مفعلة فقط، بل توضعت قريبًا وبصورة غير معتادة من النهايات العصبية مسببة تفعيلها بشدة.

يقول باربارا: «أتذكر أن الجميع كان يبتسم ويضحك عندما كنت أعرض هذه النتائج، لم يصدقني أحد لأن الأطباء والباحثين غير مقتنعين أن سبب الألم ينشأ في الأمعاء»، لكن بويكستينز كان مهتمًا وأراد معرفة المزيد، إذ بدأ مع فريقه بسبب شائع لمتلازمة القولون العصبي وهو العدوى المعوية الناجمة عن التسمم الغذائي الحاد الذي يؤدي إلى مرض خفيف قليل الأعراض.

تقترح دراساتٌ أن نحو 10% من الأشخاص يتعافون من العدوى المعوية مع استمرار أعراض متلازمة القولون العصبي. يمكن استمرار درجة خفيفة من الالتهاب في الأمعاء بعد انتهاء العدوى مؤديةً إلى الألم المزمن. لكن بويكستينز فحص سابقًا خزعات أمعاء المرضى ولم يجد علامات التهاب، وعليه افترض فكرةً جديدة تنص على أن العدوى المعوية تثبط قدرة العضو على تحمل المستضدات -السلاسل البروتينية- الموجودة في أطعمة عديدة.

في أثناء العدوى يزداد نشاط الجهاز المناعي ويؤدي ذلك إلى مهاجمة مستضدات الطعام على أنها جزء من العدوى وعند استمرار هذا التفاعل المناعي بعد زوالها يمكن تفسير سبب الألم والتشنجات التالية للوجبة.

لاختبار ذلك، نقل بويكستينز وزملاؤه جراثيم ضارة إلى فئران التجارب مسببةً بذلك عدوى معوية وقدموا لها طعامًا يحتوي على مستضدات مثل بياض البيض، وبعد زوال العدوى قُدم للفئران الطعام ذاته إذ لاحظ الباحثون معاناتها ألمًا بطنيًا عبر كشف التشنجات المعدية لديها، لكن الفئران التي لم تتلقّ بروتينات بياض البيض في أثناء العدوى لم تعانِ هذه المشكلة.

بفحص أدق، وجد الباحثون بعد الإنتان أن بروتين بياض البيض يفعل سلسلة تفاعلات مشابهة لما يحدث في حالات التحسس الغذائي، ارتبطت هذه البروتينات بأضداد تدعى الغلوبيولينات المناعية E IgE التي ترتبط بالخلايا البدينة وتفعلها ومن ثم تحرر الوسائط الكيميائية.

دام رد الفعل ضد بروتين بياض البيض أربعة أسابيع تابع خلالها الباحثون الفئران، وأكدت النتائج على الترابط بين الخلايا البدينة وأعصاب الأمعاء المجاورة، الأمر الذي أشار إليه باربارا قبل سنوات: «سيؤدي تحرير الوسائط الكيميائية من قبل الخلايا البدينة إلى فرط حساسية الأعصاب وازدياد قابليتها للتنبه، وهذا ما يفسره الجسم أنه ألم».

تقول بانا جابري المتخصصة بالأمراض الهضمية عند الأطفال ومناعة الأغشية المخاطية من جامعة شيكاغو: « يؤدي هذا البحث إلى نتيجة أن الألم المرافق لمتلازمة القولون العصبي له أصل عضوي». وسعت جابري لدراسة مشابهة حول الداء الزلاقي الناجم عن عدم تحمل الغلوتين، وجاء في تقرير لها ولزملائها في 2019 أن تناول الغلوتين يسبب رد فعل مناعي شديد تجاهه الذي يؤدي بدوره إلى الأعراض البطنية مثل الألم والغثيان.

وينبه بويكستينز إلى ضرورة التفريق بين التحسس الغذائي وما عانته الفئران في هذه التجربة إذ كان الرد المناعي محصورًا موضعيًا في الأمعاء فقط خلافًا لما يعانيه الأشخاص عند التحسس على الفول السوداني أو حليب البقر إذ تنتشر الأضدادIgE في الدم مسببةً أعراضًا عامةً في كامل الجسم، لكن الفحوص الدموية عند هذه الفئران لم تُظهر هذه الأضداد.

هل الأمر مشابه عند مرضى متلازمة القولون العصبي؟

اختبر فريق بويكستينز 12 مصابًا بهذه المتلازمة إصابتهم بالتحسس تجاه أشيع المحسسات الغذائية مثل: حليب البقر والغلوتين والقمح والصويا وكانت جميعها سلبية ثم حقن الفريق هذه المحسسات المُحتملة في المرضى شرجيًا، وأظهرت الفحوص التالية علامات رد فعل مناعي موضعي لديهم تجاه واحد على الأقل من هذه المواد، وأظهرت نتائج نفس الاختبار على ثمانية متطوعين سليمين ظهور رد فعل حدّي للأمعاء تجاه الصويا أو الغلوتين في شخصين منهم، وفسر بويكستينز سبب عدم تأثر بقية الأفراد بحدوث تفاعل مناعي خفيف لديهم تتحمله الأمعاء دون ظهور الأعراض.

يقول دانييل موسيدا المتخصص في المناعة من جامعة روكيفيلر أن هذه النتائج تطرح العديد من الأسئلة، إذ يتساءل موسيدا في حال حدوث التفاعل المناعي الموضعي المتواسط بالـ (IgE) أيضًا عند المصابين بمتلازمة القولون العصبي، هل هذا التفاعل موجه ضد أطعمة محددة أم يشمل جميعها؟ وهل يظهر هذا التفاعل في كل أنواع المتلازمة أم لا؟

تبين أن المتلازمة المحرضة بالعدوى أحد هذه الأنواع، إذ توجد متلازمة القولون العصبي المرتبطة بالتوتر النفسي، ويحاول بويكستينز الإجابة عن هذا التساؤل عبر إجراء تجربة على الفئران لمعرفة ما إذا كان باستطاعة التوتر إطلاق التفاعل ذاته في الأمعاء.

حاليًا تُعالج متلازمة القولون العصبي عرضيًا فقط، أي بعلاج الأعراض لدى المرضى بسبب جهل أسبابها، لكن إذا أُثبت دور الخلايا البدينة والأضداد IgE فيها، يمكن الاستجابة للعلاج المناعي الموجه ضدها في بعض الحالات.

اقرأ أيضًا:

متلازمة القولون المتهيج: الأسباب والأعراض والتشخيص والعلاج

ست حميات مختلفة للسيطرة على متلازمة الأمعاء الهيوجة (القولون العصبي)

ترجمة: حيان شامية

تدقيق: يمام بالوش

المصدر