دراسة جديدة تكشف عن المشاكل التي تواجهها عملية المراجعة العلمية


حذَّرنا العُلماء في السنوات الأخيرة من أزمة تكرار النتائج في العلوم، إذ أخفقت الكثير من الأوراق العلمية الأولية، خصوصًا في علم النفس، عندما حاول فريق مستقل إعادة صياغة النتائج.

يبدو أن عملية المراجعة العلمية بدأت تفقد بريقها، إذ لم تعثر الدراسات على أدلة كافية عن عملها أساسًا، وكشف تحقيق جديد أنَّ20% فقط من العلماء يقومون بالعمل الجاد (ما يصل إلى 94% من العمل الكلي).

رغم تخصيص 63.4 مليون ساعة للمراجعات العلمية في عام 2015.

يقول باحثون من جامعة باريس – ديكارت في فرنسا: «أظهرنا أنَّ نسبة صغيرة من المجتمع العلمي تبذُل جُهدًا غير مُتكافئ في المراجعات العلمية.»

«قد يُمثل هذا التفاوت بداية عبء لا يُمكن السيطرة عليه. إنَّ ‘أبطال المراجعة العلمية‘ هؤلاء قد يُنهكون، مع خطر تقليل معايير المراجعة العلمية.»

استخدم الفريق نموذج رياضي للكشف عن كيفية مُقارنة الطلب الكلي للمراجعات العلمية مع عدد العلماء المُتاحين لإجرائها لأول مرة.

أرادوا معرفة ما إذا كان المجتمع العلمي قادرًا على تحمُّل حقيقة زيادة الدوريات بمُعدل 3.5% سنويًا، وهذا يعني أن كمية الوقت الذي سيحتاجه العلماء لتخصيصه للمراجعات العلمية سيزداد في المستقبل المنظور.

درس الفريق إلى كل الأوراق المُدرجة في (مدلين – MEDLINE) – وهي قاعدة بيانات لكل أوراق العلوم الطبية والبيولوجية وعلوم الحياة من جميع أنحاء العالم – مُنذُ عام 1990 حتى عام 2015.
قدَّروا عدد الأوراق التي ستخضع إلى عدد من المراجعات العلمية كل سنة، وكم ساعة ستستغرق هذه العملية تقريبًا، وقارنوا ذلك مع عدد الباحثين المؤهّلين على مستوى العالم للقيام بالمراجعات العلمية.

افترضوا أن متوسط نسبة الأوراق المرفوضة كان 25%، وأن 90% من طلبات المراجعة العلمية قد مرَّت بجولة ثانية من المراجعة.

وتوصلوا إلى أنَّ المُراجعين يستغرقون من 4 إلى 5 ساعات في مراجعتهم للورقة.

وبالعودةِ إلى السجلات، وجدوا أنَّه في العام 1990، نُشر ما مجموعهُ 372589 ورقة خضعت للمُراجعة العلمية.

و في عام 2000 ازداد هذا الرقم على مدار العقد اللاحق إلى 475670 زيادة بسيطة جدًا، ولكنها تؤخذ بعين الإعتبار.

ولكن بحلول عام 2010، تضاعف هذا الرقم تقريبًا، ليصل إلى 867،882 ورقة منشورة حول العالم. أما في عام 2015، سلّم العلماء 1،134،686 ورقة مراجعة علميًا في غضون 12 شهرًا فقط.

لو توقعت أن النتائج ستكشف عن وجود عدد كبير جدًا من الأوراق التي تحتاج إلى المراجعة العلمية بشكل يفوق قُدرة العلماء، فإن الحقيقة هي عكس ذلك تمامًا.

وجد الباحثون أنه في عام 2015، ورغم كل المراجعات التي تستغرق نحو 63.4 مليون ساعة من العمل، إلا أنه في الواقع لدينا عدد علماء أكثر مما يكفي لتلبية الطلب. المسألة تتعلَّق فقط بعدم رغبة مُعظمهم في الاشتراك في العمل.
يقول جون روس لمجلة (الأسترالية -The Australian)
«توصلت الدراسة إلى أن 1.8 مليون باحث كانوا يُبقون نظام المراجعة العلمية العالمي صامدًا، مع ما يصل إلى 4.6 مليون عالمًا آخر لا يؤدون أي دور.»

«وعلى هذا الأساس، فإن المجتمع الأكاديمي يمكن أن يُجري ما يصل حتى 249% من المراجعات العلمية الإضافية، اعتمادًا على سيناريوهات النمذجة.»

في عام 2015 وجد الفريق أن 20% فقط من العلماء المؤهلين لإجراء المراجعات العلمية كانوا مسؤولين عن مراجعة 69% لـ 94% من الأوراق، وهذا يعني أنهم ليسوا مُثقلين بالعمل فقط، وإنما مثقلين من دون سبب.

يقول بريجيت أوستراث لمجلة (نيتشر – Nature): «في عام 2015، أُدرج نحو 6.4 مليون باحث على قائمة الأوراق البحثية لعلوم الحياة، ما منح مُحرري المجلة عددًا كبيرًا جدًا من الأشخاص ليسألوهم.»

«حتى لو طلب المحررون من مؤلفين مُعينين أن يكونوا مراجعين – على سبيل المثال، أولئك الموجودون في المراكز الأولى المرموقة والأخيرة في قائمة المؤلفين – فإنه لا يزال لديهم 2.1 مليون مُرشحًا.»

أما الخبر السيء فهو أنَّ الغالبية العُظمى من العُلماء لا يشاركون في العمل. في الواقع، قدَّر الفريق أنَّ 70% من العُلماء خصَّصوا 1% فقط أو أقل من أوقات عملهم البحثية للمراجعات العلمية في السنة الماضية، بينما خصّص 5% آخرون 13% أو أكثر من وقتهم .

ولكن الخبر الجيد أنه رغم كون عملية المراجعة العلمية بأكملها مستودة من قبل مجموعة قليلة من (أبطال المراجعات العلمية)، إلا أنَّ الأمر ليس بالتخبُّط الواضح عليه (ولكنه سيء إلى حد ما).

يقول الفريق: «تؤكّد نتائجنا أن النظام مُستقر من ناحية الحجم، ولكنه يظهروجود خلل كبير في توزيع جُهد المراجعات العلمية عبر المجتمع العلمي.»

إذن، ما الذي يحدث هنا؟

بينما لم يتعمق الباحثون أكثر في تحري لمَ ينشر العديد من الباحثين أوراقًا أكثر مما يُراجعون – على الرغم من أن الضغط الذي يجبرهم على النشر قد يدفعهم لذلك – يمكن أن يبدو كما لو أنَّ الباحثين بدأوا يفقدون إيمانهم بعملية المراجعة العلمية نفسها.

يقول المحرر السابق في المجلة الطبية البريطانية (BMJ)، ريتشارد سميث: «لدينا أدلة ضئيلة أو معدومة أن المراجعات العلمية (تعمل)، ولكننا نمتلك الكثير من الدلائل على جوانبها السلبية.»

بعض النقّاد يتجاوزون ذلك إلى الحد الذي يصفون فيه العملية برمتها (غير علمية)، بسبب النقص في عدد البحوث حول كيف تُجرى المراجعات في الواقع، وندرة البيانات المتاحة حول الكيفية التي تجري فيها عبر العالم. إننا نؤمن بنظام لسنا متأكدين تمامًا من كونه يعمل بطريقةٍ مثلى.

كتب نائب رئيس تحرير مجلة الجمعية الطبية الأمريكية، دروموند رينيه، في مقال لمجلة (الطبيعة – Nature): «نحتاج اليوم لدراسات دقيقة تطلعنا على محاسن ومساوئ هذه المناهج (المراجعات العلمية). وحتى ذلك الحين، أي فوائد مُعلن عنها لترتيباتٍ جديدة هي مزاعم غير مدعومة.»

ماذا الآن؟

يقول الفريق الفرنسي ،على الرغم من وجود خللٍ كبيرٍ الآن من حيث حجم العمل، والكثير من الانتقادات حول كيفية إجراء العملية في الواقع، إلا أنَّ ذلك لا يعني أننا يجب أن نتخلى عنها تمامًا.

ولكننا نحتاج فعلًا لإجراء مُراجعة علمية لعملية المُراجعة العلمية نفسها.

بيَّن الفريق في مجلة (بلوس ون – PLoS ONE): «ينبغي التشجيع على إجراء نهج مبني على الأدلة لدراسة المراجعات العلمية، يجمع بين النمذجة الحاسوبية، والدراسات التجريبية، ومشاركة المعلومات من المجلات والناشرين.»

«وستأتي التحسينات في عملية المراجعة العلمية ردًا على الأدلة.»


إعداد: أحمد السراي
المصدر