تحدت المادة المظلمة حتى الآن جميع أنواع الكواشف المُصمَّمة لإيجادها. بسبب أثر جاذبيتها الهائلة في الفضاء، نعلم أن المادة المظلمة بالتأكيد تُشكل نحو 85% من الكتلة الكلية للكون، ومع ذلك لم نعرف حتى الآن ماهيتها.

بحثت عدة تجارب كبيرة عن وجود إشارات تدل على تصادم جسيمات المادة المظلمة بالأنوية الذرية، عبر ما يُعرف بعملية (الاستطارة) أو (التبعثر)، التي يمكنها إنتاج ومضات صغيرة من الضوء وإشارات أخرى.

محاكاة تبين تطوّر المادة المظلمة

محاكاة تبين تطوّر المادة المظلمة

تقترح دراسة جديدة يقودها باحثو مختبر لورانس بيركلي الوطني التابع لقسم الطاقة وجامعة كاليفورنيا، طرقًا جديدةً لالتقاط إشارات جسيمات المادة المظلمة عبر امتصاص الأنوية الذرية لطاقة هذه الجسيمات.

قد تُعطي عملية الامتصاص لذرة متأثرة دفعةً تؤدي إلى انبعاث جسيم خفيف نشط مثل الإلكترون، وربما تنتج أنواعًا أخرى من الإشارات أيضًا، وذلك حسب طبيعة جسيمات المادة المظلمة. تركز الدراسة في معظمها على حالات انطلاق إلكترون أو نيوترينو (neutrino) عندما يصطدم جسيم المادّة المظلمة بنواة ذرية.

تفترض الدراسة التي نُشرت في 4 آذار الماضي في مجلة (Physical Review Letters)، أن بعض التجارب الموجودة، ومن ضمنها التي تبحث عن جسيمات المادة المظلمة والعمليات المتعلقة بالنيوترينوات (جسيمات طيفية قابلة للكشف يمكنها العبور خلال معظم المواد، ولها القدرة على التبدل لأشكال مختلفة)، يمكن توسيع مجالات بحثها لتشمل الأنواع المتعلقة بالامتصاص، التي قد تقود إلى إشارات المادة المظلمة.

تحضير مصفوفة الأنابيب لالتقاط الجسيمات الصغيرة دون الذرية في تجربة مختبر (لوكس زبلن)

تحضير مصفوفة الأنابيب لالتقاط الجسيمات الصغيرة دون الذرية في تجربة مختبر (لوكس زبلن)

يفترض الباحثون أيضًا أن البحث في بيانات كواشف الجسيمات السابقة قد يُظهر هذه الإشارات المتعلقة بالمادة بالمظلمة، التي ربما تم تجاهلها سابقًا.

قال المؤلف الرئيس للدراسة جيف درور، الباحث في مختبر بيركلي: «في هذا المجال، لدينا فكرة مبدئية عن المرشحين المحتملين المتأثرين بالمادة المظلمة، مثل الجسيمات دون الذرية الثقيلة، أو جسيم ثقيل ضعيف التفاعل».

تخرج المادة المظلمة عن حدود قوانين الفيزياء المعروفة، لتوجد ضمن (نظرية النموذج العياري). يضيف درور: «من الممكن بناء نماذج الجسيمات دون الذرية الثقيلة ضمن النموذج العياري، لكننا لم نجد الطريقة حتى الآن».

لذلك يبحث الفيزيائيون الآن عن أماكن أخرى وجسيمات محتملة أخرى قد تكون مكانًا لاختباء المادة المظلمة، مثل (النيوترينوات الخاملة)، التي ربما تنتمي لعائلة جسيمات تُسمى الفرميونات، التي تتضمن الإلكترونات والبروتونات والنيوترينوات.

وأضاف درور: «ببضع تعديلات بسيطة على نموذج الجسيمات دون الذرية الثقيلة، يسهل استيعاب نوع مختلف تمامًا من الإشارة، إذ يمكننا إجراء كميات هائلة من العمليات بكلفة قليلة جدًا، عبر تعديل بسيط في طريقة تفكيرنا حول المادة المظلمة».

مخطط يُظهر مجال حساسية إشارات التيار المشحونة في عدة تجارب مختلفة

مخطط يُظهر مجال حساسية إشارات التيار المشحونة في عدة تجارب مختلفة

لاحظ الباحثون أن مجال الإشارات الجديدة التي يركزون عليها تقود إلى مجال واسع من احتمالات المادة المظلمة، التي تُسمى الفرميونات غير المكتشفة، بكُتل أقل من المجال النموذجي المعتبر للجسيمات دون الذرية الثقيلة. مثلًا قد تكون هذه الفرميونات غير المكتشفة شبيهة بالنيوترينوات الخاملة.

بحث الفريق عمليات امتصاص تعرف باسم (التيار المحايد)، إذ ترتد الأنوية الموجودة في مادة الكاشف، أو تهتز جراء اصطدامها بجسيمات المادة المظلمة، منتجةً إشارات طاقية واضحة يمكن التقاطها بالكاشف، وعمليات امتصاص أخرى تُعرف باسم (التيار المشحون)، يمكنها إنتاج إشارات متعددة كلما اصطدمت جسيمات المادة المظلمة بالأنوية، مسببةً انبعاث إلكترون. وقد تتضمن عمليات شحن التيار أيضًا الانحلال النووي الذي تنطلق فيه جسيمات من الأنوية في نوع من (تأثير الدومينو) الناتج من امتصاص المادة المظلمة.

لاحظ الباحثون أن البحث عن هذه الإشارات المقترحة في الدراسة لكل من التيار المحايد والتيار المشحون قد يفتح مجالًا جديدًا لكم هائل من الظواهر الفضائية غير المُكتشَفة، فقد ركزوا على طاقة الملايين من الإلكترون فولت (الإلكترون فولت هو وحدة لقياس الطاقة يستخدمها الفيزيائيون لوصف كتل الجسيمات). في الوقت نفسه تُعَد عمليات البحث النموذجية المتعلقة بالجسيمات دون الذرية الثقيلة الآن حساسةً لتفاعلاتها الجسيمية مع الطاقة ضمن النطاق المُقاس بالكيلو إلكترون فولت.

يوضح درور أنه فيما يتعلق بالتفاعلات الجسيمية المتنوعة، فقد وجدت الدراسة إمكانية توقع طيف طاقة الجسيم الخارج، أو النوكليون (nucleon)، الذي يصيبه التصادم. يُشير مصطلح نوكليون إلى بروتون موجب الشحنة أو نيوترون غير مشحون يوجد ضمن نواة الذرة، ومن ثم يمكنه امتصاص الطاقة عندما يصطدم بجسيمات المادة المظلمة.

وقد تكون إشارات الامتصاص هذه أكثر انتشارًا من الأنواع الأخرى من الإشارات، التي صُممت معظم كواشف المادة المظلمة القياسية لإيجادها.

وقال درور إن التجارب التي تحتوي أحجامًا كبيرة من مادة الكاشف مع حساسية عالية، مع الحد من ضوضاء الخلفية أو التداخلات غير المرغوب فيها من أنواع أخرى من إشارات الجسيمات، تُعَد مناسبةً تمامًا لهذا البحث الموسع عن الأنواع المختلفة من إشارات المادة المظلمة.

حجرة إسقاط زمنية EXO-200 خلال عملية التجميع

حجرة إسقاط زمنية EXO-200 خلال عملية التجميع

مثلًا يُعَد مختبر (لوكس زبلن) من المختبرات المرشحة للاستخدام، فهو مختبر عالي الحساسية لتنفيذ أبحاث المادة المظلمة، وهو الآن تحت الإنشاء في موضع منجم سابق في ولاية داكوتا الجنوبية، وسيستخدم نحو عشرة أطنان مترية من الزينون السائل بوصفه كاشفًا، وصُمم ليكون محميًا من الأنواع الأخرى من ضجيج إشارات الجسيمات.

وبالفعل، عمل فريق الدراسة مع فريق مرصد الزينون المُقوى (EXO)، في تجربة مصممة تحت سطح الأرض للبحث في عمليات المعالجة المعروفة بتحلل أشعة بيتا المزدوجة باستخدام الزينون السائل، للبحث عن أنواع أخرى من إشارات المادة المظلمة. يقول درور: «إن البيانات موجودة بالفعل، المسألة هي كيفية العثور عليها».

وضع الباحثون قائمة بالتجارب المرشحة حول العالم، التي قد يكون لديها بيانات ذات صلة بما نبحث عنه، أو لديها القدرة البحثية الكافية لاستخدامها لإيجاد الإشارات المستهدفة. ويأمل فريق البحث في التعاون لتحليل البيانات الموجودة فعليًا، ومعرفة إمكانية تعديل عناصر البحث في التجارب القائمة بالفعل، للبحث عن إشارات أخرى.

وأضاف درور: «أعتقد ان المجتمع قد بدأ يدرك ذلك إلى حد ما، إذ إن أكبر الأسئلة في هذا المجال هو طبيعة المادة المظلمة. فنحن لا نعرف مم تتكون، لكن الإجابة عن هذه الأسئلة قد تكون بين أيدينا في المستقبل القريب. إنه حافز كبير لمواصلة البحث، فهناك فيزياء جديدة بانتظارنا».

اقرأ أيضًا:

البحث عن المادة المظلمة في عمق الأرض

معضلة المادة المظلمة: أحد أكبر الألغاز المتعلقة بالمادة المظلمة قد يكون مجرد خطأ رقمي

ترجمة: فارس بلول

تدقيق: عمار ابراهيم

مراجعة: أكرم محيي الدين

المصدر