يتطلع علماء الفلك إلى مجرة أخرى، لحل لغز قريب من موطننا. تساءل عددٌ من الباحثين عن كون مجرة درب التبانة نمطيةً أم أنها مميزةٌ عن باقي المجرات؟ وللإجابة عن ذلك، أخذت مجموعة بحثية من استراليا، مقطعًا عرضيًا مُفصلًا لمجرة شبيهة بمجرتنا، وتوصلوا إلى أن مجرتنا اعتياديةٌ أكثر مما كنا نظن.

مجرة UGC 10738، تمت رؤيتها عرضيًا بواسطة التلسكوب الكبير جدًا (VLT) التابع للمرصد الأوربي الجنوبي في تشيلي، تظهر القرصين المختلفين: السميك والرفيع. المصدر: Jesse van de Sande/European Southern Observatory

مجرة UGC 10738، تمت رؤيتها عرضيًا بواسطة التلسكوب الكبير جدًا (VLT) التابع للمرصد الأوربي الجنوبي في تشيلي، تظهر القرصين المختلفين: السميك والرفيع. المصدر: Jesse van de Sande/European Southern Observatory

مثل العديد من المجرات الأخرى، درب التبانة مجرة لولبية مفلطحة على شكل قرص، تتكون من قرصين مختلفين: قرص رفيع؛ هو جزؤها الرئيسي الذي يحتوي على الغبار، والغاز، ومعظم النجوم (بما في ذلك شمسنا). وقرص سميك يتكون كليًا من النجوم، التي عادةً ما تكون النجوم الأكبر عمرًا.

لكن ليس لجميع المجرات أقراص سميكة، لذا مازال علماء الفلك يحاولون فهم كيفية تشكلها.

تقترح إحدى النظريات أن قرصنا السميك تكوّن بعد حادث نادر وعنيف، عندما اصطدمت مجرة أقل حجمًا بمجرتنا. لكن يوجد بحث جديد يقترح تطورًا أكثر سِلمًا.

يقول نيكولاس سكوت من المركز التعليمي للأبحاث في إنجلترا لدراسة الفيزياء السماوية الفلكية في الأبعاد الثلاثية (ASTRO 3D) وجامعة سيدني: «أظهرت ملاحظاتنا أن قرصَي درب التبانة الرفيع والسميك، لم ينشآ جراء اندماج عظيم، إنّما كانا نوعًا من مسار افتراضي لتشكّل وتطوّر المجرة. انطلاقًا من هذه النتائج، بات واضحًا لنا أن المجرات التي لها نفس بنية وخصائص درب التبانة، يمكن وصفها بالمجرات العادية».

اشترك سكوت وزميله جيسي فان دي ساندي في تأليف الورقة البحثية الجديدة المنشورة في مجلة ذا أستروفيزيكال جورنال لترز.

استعمل الفريق في بحثهم آلة MUSE؛ وهي آلة طيفية قوية في التلسكوب الكبير جدًا (VLT) التابع للمرصد الأوربي الجنوبي في تشيلي، لدراسة مجرة UGC 10738؛ التي تبعد 320 مليون سنةٍ ضوئية، إذ لا يمكننا الحصول على صورة شاملة لمجرتنا لأننا موجودون داخلها، لذلك وفّرت المجرات مثل (UGC 10738) نظيرًا جيدًا لها.

وُجد أنها تملك الاثنين، قرصًا رفيعًا وآخرَ سميكًا، مثل درب التبانة. سبق ووُجد أن للمجرات الأخرى أقراصًا سميكةً، لكن هذا البحث نظر في نسب المعادن في النجوم، لمقارنة مقدار اختلاف توزع المستعمرات النجمية مقارنةً بمجرتنا.

يشرح سكوت: «وجدنا أن توزع نجومها يشبه إلى حد كبير توزع تلك الموجودة في درب التبانة؛ النجوم القديمة في القرص السميك، والنجوم الحديثة في القرص الرفيع. على الرغم من أننا ما نزال نراقب بعض المجرات الأخرى للتأكد من صحة استنتاجاتنا، فإن هذا يُعد دليلًا قويًا جدًا على أن المجرتين تطورتا بنفس الطريقة».
هذا يعني أن شكل مجرتنا تطور طبيعيًا من دون الحاجة الى تدخلات نادرة وعنيفة. لذلك من المحتمل أن تكون المجرات من نوع درب التبانة شائعةً جدًا.

قال مايكل كاولي، عالم الفلك بجامعة كوينزلاند للتكنولوجيا -ولم يشارك في هذا البحث- أن هذا النوع من البحث أصبح ممكنًا فقط باستخدام أدوات مثل MUSE.

أضاف شارحًا: «فقط الآن، وباستعمال التطورات التكنولوجية الحديثة مثل مطياف المجال المتكامل، استطعنا البدء بمقارنة البنية الكيميائية للمجرات البعيدة مع مجرتنا، لنعلم ما إذا كانت مجرتنا فريدةً من نوعها، أم أنها شائعةٌ في الطبيعة».

يوافق برنت غروفز، عالم فلك مستقل من المركز الدولي لبحوث علم الفلك الراديوي (ICRAR) قائلًا: «إن الحصول على الوقت في MUSE أمر غاية في التنافسية، وبالتالي فإن تحقيق ذلك يبين أن المجتمع الفلكي يعتقد بالفعل أن هذا السؤال مثيرٌ للاهتمام».

يوضح غروفز أن الأنواع المختلفة من النجوم، تنتج عناصر مختلفةً. على سبيل المثال: تنتج المستعرات العظمى من النوع II عناصرَ مثل الأكسجين والمغنيزيوم. بينما تنتج المستعرات العظمى من النوع Ia، عناصر أثقل مثل الحديد. لذا فالبحث في الإشارات الكيميائية يسمح للباحثين بتحديد أنواع وأعمار النجوم في مختلف المناطق.

ويشرح: «يعد قياس هذه العناصر معقدًا، ويحتاج إلى أطياف شديدة الحساسية؛ يمكن ذلك فقط باستعمال تلسكوبات كبيرة مثل VLT على مجرّات قريبة».

بينما توضح نتائج هذه الدراسة الجديدة تشابه درب التبانة و UGC 10728، توجد بعض الاختلافات الظاهرة، بما في ذلك حقيقة كون UGC 10728 تبدو أكثر غنىً بالمعادن.

يقول (غروفز): «ما لم يناقشه المؤلفون هو ما إذا كانت هذه الاختلافات تعني شيئًا، أم أنها موجودة فقط لأن UGC 10728 ليست هي درب التبانة؛ يعني مثلاً أنها لا تملك جيرانًا مثل سحابتَي ماجلان. ربما نحتاج لدراسة مجرات أكثر مثل درب التبانة، أو لفهمٍ أفضل للاختلافات الموجودة بين UGC 10728 ودرب التبانة من أجل توضيح ذلك».

يقرّ كاولي إنه من المرجح أن تكون هذه نتيجةً قويةً، لكن «تجب زيادة حجم العينة قبل تأكيد نتيجة نهائية؛ أي أنهم بحاجة إلى النظر إلى مجرات أكثر».

يمكن أن يحسّن بحث كهذا دقة فهمنا لتكوّن المجرات، وهو الشيء الذي يُصرح كاولي بأن له تأثيراتٍ في عدة أسئلة في علم الفلك، بما في ذلك عمله الخاص على الثقوب السوداء فائقة الكتلة.

اقرأ أيضًا:

شاهد مركز مجرة درب التبانة كما لم تشاهده من قبل

بعض أجزاء مجرة درب التبانة أقدم بكثير مما توقع الباحثون

 

تدقيق: منال توفيق الضللي

المصدر