يحدث التشوش الذهني عند الحامل، الذي يُعرف بدماغ الطفل، أو دماغ الحمل، نتيجة تغيرات في دماغ الأم تحدث للتلاؤم مع الطفل القادم، وليس نتيجة الانزعاج والتوتر والأرق الليلي كما قد يتبادر إلى الذهن.

توصلت دراسة جديدة أجراها باحثون هولنديون إلى دليل قوي على العلاقة بين تدفق هرمونات الحمل، والتغيرات في بنية مناطق الدماغ المسؤولة عن التأمل وأحلام اليقظة.

تُعد تلك التعديلات طريقةً طبيعية لتكوين رابطة بين الأم وطفلها، رغم النسيان وصعوبة الحفاظ على التركيز عند الحامل.

التشوش الذهني في أثناء الحمل حالة عامة، تُعرف بين العامة بدماغ الأم (momnesia)، ويصعب قياس تأثيرات هذه الظاهرة الغامضة رغم شيوعها.

أُجريت دراسة عام 2016 بقيادة إيلسيلن هوكزيما، اختصاصية علم الأعصاب من جامعة لايدن، التي درست التغيرات العصبية التي تحدث عند الحمل للبشر والحيوانات عدة سنوات، وأظهرت تلك الدراسة انخفاضًا مهمًا في المادة الرمادية للدماغ: النسيج الذي ينقل الرسائل ويجري الحسابات في الدماغ.

قدم مجلس الأبحاث الأوروبي عام 2020 منحةً مالية قدرها 1.5 مليون يورو لمواصلة الأبحاث حول دماغ الطفل، والتغيرات العصبية التي تحدث في أثناء الحمل، قالت هوكزيما: «تتعرض المرأة في أثناء الحمل إلى تدفق كبير للهرمونات، وقد أظهرت الدراسات على الحيوانات أن هذه الهرمونات تحفز تغيرات طويلة الأمد في دماغ الأم وسلوكها، وأوضحت نتائج الدراسات السابقة أن الحمل يسبب تغيرات طويلة الأمد في بنية الدماغ».

أجرت هوكزيما وزملاؤها الدراسة الأخيرة على 40 من الأمهات باستخدام التصوير بالرنين المغناطيسي. أجروا الفحوصات قبل الحمل وقبل الولادة وبعدها، إضافةً إلى التصوير بعد عام من الولادة. أجريت الفحوص أيضًا بصورة مماثلة على 40 امرأة غير حامل.

فُحصت مستويات الهرمونات في عينات البول لدى الحوامل كل أسبوعين إلى أربعة أسابيع، وأجريت أيضًا استطلاعات للرأي واستبيانات لتحليل ارتباط الأمهات بأطفالهن، وسلوك التعشيش وأنماط النوم ومستويات الضيق النفسي.

توصل الباحثون بناءً على نتائج 28 متطوعة أكملن الدراسة، إلى أن هرمونات الحمل لا تؤثر في خلايا التفكير في الدماغ فقط، بل تؤثر في الشبكات التي تجمع الخلايا معًا أيضًا.

تكون هذه التغيرات أوضح بين مناطق الدماغ التي يشار إليها مجتمعةً بشبكة الوضع الافتراضي، التي تنشط عند تغيير التركيز من العالم الخارجي إلى الأفكار الداخلية، ما قد يكون سببًا لحالة دماغ الطفل.

من المعروف أن الهرمونات الجنسية مثل الإستروجين والتستوستيرون تؤثر بقوة في الشبكات العصبية وتعدلها، لكن هذه الدراسة أظهرت بدقة كيف يؤثر تذبذب هرمونات الحمل مثل الإستراديول بقوة في مناطق محددة من الدماغ.

مازال السبب الذي يجعل تفكير الأم مشوشًا مع نمو الجنين في أثناء الحمل غير واضح، لكن نتائج الاستطلاعات قد تقدم دليلًا لحل ذلك اللغز، إذ أوضحت الأمهات اللائي شاركن في الاستطلاعات أن حالة دماغ الطفل تقوي علاقتهن بأطفالهن، وتكيفهن مع التغيرات السلوكية التي تحدث، ما يسهل عليهن تحمل أشهر الحمل الصعبة.

كتب المؤلفون: «تقترح النتائج أن التغيرات العصبية التي تحدث في أثناء الحمل، التي تُعرف بدماغ الطفل، تسهل التطورات اللاحقة للعلاقة بين الأم وطفلها، وتُعزز التفاعل معه».

إن تحديد سبب واضح لدماغ الطفل بناء على دراسات مماثلة يعد تحديًا، ويجعل الاستنتاجات المرتبطة بها مجرد تخمينات واسعة، لكن الدراسات المستقبلية ستركز على مجموعات أكبر من المشاركات، وسيتوفر عندها أدوات تحليلية أفضل لدراسة التغيرات العصبية بعمق على المستوى الخلوي، ما قد يؤكد تلك التفسيرات.

الآن، يجب أن نتسامح مع الأمهات عندما لا يكترثن للمحادثات أو ينسين أين وضعن المفاتيح مثلًا، لأن أدمغتهن تخضع لتغيرات للتكيف مع الطفل القادم.

اقرأ أيضًا:

كيف يغير الحمل دماغ المراة ؟

طريقة جديدة كي تجتاز الأدوية الحاجز الدماغي الدموي لعلاج سرطان الدماغ

ترجمة: هادي سلمان قاجو

تدقيق: ميرڤت الضاهر

المصدر