انتشر طاعون جستنيان عبر غرب أوراسيا بين القرنين السادس والثامن الميلاديين، ما يدل على أول تفش معروف للطاعون الدبلي في هذا الجزء من العالم.

وفقًا لتحليل جديد للنصوص القديمة والبيانات الجينية، كان تأثير الوباء أشد مقارنةً بما أشارت إليه بعض الدراسات الحديثة.

يعتقد بعض العلماء أن هذا «الوباء الأول» ربما قتل نحو نصف سكان منطقة البحر المتوسط آنذاك، ما ساهم في إسقاط الإمبراطورية الرومانية.

يجادل مؤرخون آخرون بأن العواقب كانت أقل أهمية بكثير، ويقترحون أن تفشي المرض ربما لم يكن له تأثير أكبر من تأثير الإنفلونزا في العصر الحديث، ما يقودنا إلى الدراسة الحالية.

يقول المؤرخ بيتر ساريس من جامعة كامبريدج إن المؤرخين وعلماء الآثار بحاجة إلى العمل مع علماء الوراثة وعلماء البيئة، لفهم نطاق وحجم تفشي الأمراض القديمة، ومنها الطاعون الدبلي.

يقول ساريس: «لا يزال بعض المؤرخين يكنون عداءً شديدًا لما يتعلق بالعوامل الخارجية، مثل الأمراض التي لها تأثير كبير في تطور المجتمع البشري. حظيت الشكوك المتعلقة بالطاعون باهتمام كبير في السنوات الأخيرة».

يشير ساريس إلى عدد من الأدلة التي تُظهر التأثير المدمر لطاعون جستنيان، متضمنةً سلسلة من تشريعات تدابير الأزمة التي أُعلنت بين عامي 542 و545 ميلادي، مع انخفاض عدد السكان، تلاه تراجع في سَنّ القوانين مع تفشي الوباء.

مثلًا، صدر قانون عام 542 يهدف إلى دعم القطاع المصرفي في الاقتصاد الإمبراطوري، وُصف بأنه قد كُتب بواسطة جستنيان في ظل «الموت المُحدق». صدرت قوانين أخرى في ذلك الوقت تهدف إلى تجنب استغلال العمال خلال ما بدت أنها فترة نقص حاد في العمالة.

وصدرت مجموعة من العملات الذهبية الخفيفة، ما يُعد أول تخفيض لقيمة العملات الذهبية خلال عدة قرون، وذاك أمر كان يُعد تشريعًا مصرفيًا طارئًا آنذاك. وخُفض وزن العملات النحاسية المتداولة في القسطنطينية في الوقت ذاته تقريبًا.

يجادل ساريس بأن هذه العلامات أهم من الأمثلة التي استشهد بها مؤرخون آخرون. تستخدم بعض الدراسات الإشارات النادرة نسبيًا إلى الطاعون في الأدب القديم دليلًا على أن آثاره لم تكن واسعة الانتشار، أو ضارة بالمجتمع.

يقول ساريس: «أدت مشاهدة الطاعون مباشرةً إلى ابتعاد المؤرخ المعاصر بروكوبيوس عن كتابة ملحمته العسكرية، ليكتب بدلًا منها سردًا مروعًا عن وصول الطاعون إلى القسطنطينية، ترك انطباعًا عميقًا لدى الأجيال اللاحقة من القراء. تلك دلالة أكبر بكثير من عدد الكلمات المتعلقة بالطاعون التي كتبها. ركز المؤلفون المختلفون -الذين كتبوا أنواعًا شتى من النصوص- على مواضيع مختلفة، وتجب قراءة أعمالهم وفقًا لذلك».

يسلط ساريس الضوء أيضًا على الكمية المتزايدة من أدلة الحمض النووي التي تُظهر مدى انتشار الطاعون الدبلي آنذاك، على طول الطريق إلى إيديكس هيل في انجلترا، وفقًا لتحليل جيني أُجري عام 2018 لموقع دفن، في حالة مذكورة في البحث.

يقول ساريس إن تحليل الحمض النووي طريقة أكثر موثوقية لمعرفة مكان انتشار الطاعون، مقارنةً بالتصفح في النصوص القديمة. وقد يُلقي ضوءًا جديدًا على الطرق التي سلكها المرض في أنحاء أوروبا في أثناء انتشاره.

وفقًا لذلك، ربما انتشر المرض إلى انجلترا عبر دول البلطيق والدول الإسكندنافية، قبل أن يضرب منطقة البحر المتوسط، ما يمنح المؤرخين فهمًا جديدًا لكيفية تطور «الوباء الأول».

يقول ساريس: «لدينا الكثير لنتعلمه عن كيفية استجابة أسلافنا للأوبئة، وكيف أثرت هذه الأوبئة في البنى الاجتماعية وتوزيع الثروة وأنماط التفكير. تؤدي الأدلة الجينية المتزايدة إلى نتائج يصعب توقعها. لذا يحتاج المؤرخون إلى القدرة على الاستجابة إيجابيًا وإبداعيًا، وليس باستهجان دفاعي».

اقرأ أيضًا:

وباء الطاعون الأنطوني

الطاعون الدبلي ما يزال موجودًا، لكن لا حاجة إلى القلق

ترجمة: علي شاش

تدقيق: منال توفيق الضللي

المصدر