لاحظ علماء الفلك ثقبًا أسود يُنشئ نجومًا في مركز مجرة قزمة قريبة، والنجوم حديثة الولادة هذه ترتبط فيما بينها بواسطة حبل سري هائل مكون من الغبار والغاز. إن الثقب الأسود الهائل، الذي يقع على بعد حوالي 34 مليون سنة ضوئية في مجرة هينيز 2-10، قد شوهد وهو يقذف من مركزه نفثًا هائلًا بطول 500 سنة ضوئية من الغاز المتأين، بسرعة 1.6 مليون كيلومتر في الساعة، مسببًا بذلك عاصفة نارية من تكوين النجوم الجديدة في حضانة نجمية مجاورة.

بفضل هذا الاكتشاف، الذي وصل إليه العلماء باستخدام تلسكوب هابل التابع لوكالة ناسا، رُصد ثقب أسود في مجرة قزمة (مجرة تحوي مليار نجم أو أقل) تلد نجومًا للمرة الأولى. وقد وُصف هذا الاكتشاف المذهل في دراسة منشورة في 19 يناير لسنة 2022 في مجلة نيتشر.

علقت الكاتبة المشاركة أيمي رينيز، عالمة الفيزياء الفلكية في جامعة ولاية مونتانا: «منذ البداية، علمت أن أمرًا غير اعتيادي يحصل في مجرة هينيز 10-2، وأن تلسكوب هابل وفر صورة واضحة جدًا للارتباط بين الثقب الأسود والمنطقة المجاورة المكونة للنجوم، التي تقع على بعد 230 سنة ضوئية من الثقب الأسود».

وأضافت: «إن دقة هابل المذهلة تُظهر بوضوح نمطًا لولبيًا في سرعات الغاز، ما يمكن أن يُلائم نموذج تدفق دائري متذبذب خارج من الثقب الأسود».

لاحظ الفلكيون النفث الرقيق ذا الشكل اللولبي وهو يمتد عبر الفضاء من الثقب الأسود إلى حضانة نجمية لامعة. ورُصِدت الثقوب السوداء الهائلة -التي يبلغ حجمها ملايين إلى مليارات من الثقوب السوداء ذات الكتلة النجمية- وهي تقذف أعمدة كونية سابقًا.

لكن حتى الآن، اعتقد علماء الفلك أن هذه الاعمدة قد أعاقت تكوين النجوم في المجرات القزمة، بدل أن تساعد على ذلك.

وهنا يوضح الكاتب الرئيسي زاكاري شوت، طالب الدراسات العليا في جامعة ولاية مونتانا: «على بعد 30 مليون سنة ضوئية فقط، تُعد مجرة هينيز 10-2 قريبة كفاية ليتمكن تلسكوب هابل من التقاط الصور والأدلة الطيفية لتدفق الثقب الأسود بوضوح تام».

ويكمل قائلًا: «إن المفاجئة الإضافية، هي أنه بدل كبت تكوين النجوم، كان التدفق الخارج المسبب في ولادة نجوم جديدة».

تكوّن الثقوب السوداء النفاثات بامتصاص مواد من السحب الغازية أو النجوم المجاورة، قبل أن تقذفها مرة أخرى إلى الفضاء على هيئة بلازما مشتعلة تنتقل بسرعة مقاربة لسرعة الضوء. وإذا توفرت الحرارة المناسبة، فإن السحب الغازية التي ترتبط مع هذه النفثات تصبح حضانات مناسبة للنجوم المستقبلية.

لكن الوصول إلى تلك المنطقة المعتدلة أمرٌ حاسم، فإذا سخنت النفثات تلك السحب الغازية أكثر من اللازم، قد تفقد قابليتها للبرود مرة اخرى، وهو ما يُعد ضروريًا لتكوين النجوم.

وفقًا لوكالة ناسا، فإن حالة الغاز كانت مثالية لتكوين النجوم، رغم الانبعاث الطفيف من الثقب الأسود في مجرة هينيز 10-2.

بما أن هذا الثقب الأسود بقي صغيرًا نسبيًا مع مرور الوقت، يعتقد الباحثون أن دراسة تفاصيله الدقيقة قد تساعدهم على فهم أصول الثقوب السوداء الهائلة في الكون من جهة، وفهم العمليات التي جعلتها تتضخم إلى هذه المقاييس المهولة من جهة أخرى. أضف إلى ذلك أن آلية الدقة العالية التي طورها الفريق لرصد علامة الثقب الأسود الخافتة، يمكنها الآن أن تستخدم لرصد غيرها.

نحن لم نرصد عصر الثقوب السوداء الأولى، وهنا يُطرح السؤال المهم، من أين أتت هذه الثقوب؟

أخيرًا، أردفت رينيز قائلةً: «قد تحتفظ المجرات القزمة ببعض الذكريات عن سيناريوهات بذر الثقوب السوداء، التي قد ضاعت في الزمان والمكان».

اقرأ أيضًا:

ثقوب سوداء قد تمحو ماضيك وتعبث بمستقبلك!

هل توجد ثقوب سوداء متبقية من الانفجار العظيم؟

ترجمة: مصطفى عبدالعظيم

تدقيق: جنى الغضبان

المصدر