إنجاز جديد يُضاف إلى سلسلة الإنجازات في مجال فيزياء الجسيمات. تمكن علماء الفيزياء للمرة الأولى من تصوير مدارات الإلكترونات في شبه جسيم الإكسايتون ، وهو شبه جسيم متعادل كهربيًا يوجد في العوازل وأشباه الموصلات، ما سمح لهم أخيرًا بقياس الدالة الموجية للإكسايتون، ووصف التوزع المكاني لحركة الإلكترون في شبه الجسيم.

سعى العلماء خلف هذا الإنجاز منذ اكتشاف الإكسايتونات في ثلاثينيات القرن الماضي، وفي حين يبدو هذا الإنجاز مُختصرًا في البداية، فإنه سيساعد على تطوير تقنيات مختلفة منها ما يعتمد على ميكانيكا الكم.

يقول الفيزيائي مايكل مان من معهد أوكيناوا للعلوم والتكنولوجيا في اليابان: «يقربنا الإنجاز الجديد من فهم طبيعة الإكسايتونات بالكامل».

التوزع المحتمل للإلكترون ضمن شبه جسيم الإكسايتون

التوزع المحتمل للإلكترون ضمن شبه جسيم الإكسايتون

لا يُعد الإكسايتون جسيمًا حقيقيًا، بل شبه جسيم، وهي ظاهرة تحدث في المادة عندما يؤثر السلوك الجماعي للجسيمات فيها -أي في الجسيمات- ما يجعلها تكتسب خواص مختلفة. توجد الإكسايتونات في أشباه الموصلات، وهي مواد تنقل التيار الكهربي بصعوبة، وسطًا بين المواد الموصلة والعازلة.

تُعد أشباه الموصلات مفيدة في مجال الإلكترونيات وتؤدي دورًا مهمًا في المواد رغم صعوبة رصدها، إذ تسمح بالسيطرة على تدفق الإلكترونات بسبب ناقليتها الضعيفة.

تتشكل الإكسايتونات عندما يمتص شبه الجزيء فوتونًا، ما يسبب رفع بعض الإلكترونات سالبة الشحنة إلى مستوى طاقة أعلى، تاركة خلفها فجوات أو ثغرات موجبة الشحنة تُسمى «ثغرة الإلكترون». يرتبط الإلكترون سالب الشحنة وفجوته موجبة الشحنة في مدار مشترك، يُسمى هذا المدار «إكسايتون».

تُعد الإكسايتونات هشة جدًا وقصيرة الأمد إذ قد يعود الإلكترون إلى الثغرة في جزء من الثانية، ومن ثم يُعد إنجازًا أن نتمكن من ملاحظته.

يوضح الفيزيائي كيشاف داني قائلًا: «لاحظ العلماء وجود الإكسايتون منذ نحو 90 عامًا، وحتى وقت قريب، لم يكن بإمكانهم رصده، بل رصد التوقيعات الضوئية للإكسايتونات، إذ تمكنوا من رصد الضوء المنبعث من الإكسايتون عند اختفائه فقط. أما الجوانب الأخرى حول طبيعة الإكسايتونات مثل حركيتها وكيف يدور الإلكترون والثغرة حول بعضهما فلا يمكن رصدها أو ملاحظتها إلا نظريًا».

عمل الفيزيائيون على اكتشاف الإكسايتون ورصده منذ زمنٍ طويل، وفي ديسمبر 2020 نشروا طريقة لملاحظة الزخم الإلكتروني الزاوي مباشرةً، ونجح الفريق الجديد في استخدامها لرصد الإكسايتون.

تستخدم هذه التقنية شبه موصل ثنائي الأبعاد يُسمى «ديسيلينيد التنغستن»، يوضع في حجرة باردة مفرغة من الهواء درجة حرارتها -183.15 درجة مئوية، لحماية الإكسايتونات من ارتفاع درجة الحرارة.

تُستخدم في الحجرة المفرغة دفقة من الليزر لخلق شبه جسيم الإكسايتون ، ثم تستخدم دفقة ثانية بطاقة أعلى لإخراج جميع الإلكترونات من شبه الموصل إلى الفراغ المحيط، ويراقب ذلك مجهر إلكتروني.

يقيس المجهر سرعات الإلكترونات ومساراتها، ويعطي نتائج ومعلومات تُستخدم في اكتشاف المدارات الأولية للجسيمات لحظة خروجها من الإكسايتونات.

الدالة الموجية التربيعية لشبه جسيم الإكسايتون

الدالة الموجية التربيعية لشبه جسيم الإكسايتون

يوضح داني: «تتشابه التقنية الجديدة نوعًا ما مع تجارب التصادم في فيزياء الجسيمات، إذ ترتطم الجسيمات ببعضها وتتحطم إلى أجزاء صغيرة مصدرةً طاقة، وعند قياس مسارات الجسيمات الصغيرة الناتجة من الاصطدام يستطيع العلماء جمع تلك الأجزاء لإعادة تركيب الهيكل الداخلي للجسيمات الأصلية. نحن في المختبر نفعل شيئًا مشابهًا، إذ نستخدم فوتونات الأشعة فوق البنفسجية القصوى لتحطيم الإكسايتونات وقياس مسارات الإلكترونات، ثم تصوير ما يوجد بالداخل».

مع أن العمل كان دقيقًا ومكلفًا للوقت، تمكن الفريق أخيرًا من قياس الدالة الموجية للإكسايتون، التي تصف الحالة الكمية للإكسايتون، وهي الحالة التي تتضمن مدار ثغرة الإلكترون وتسمح للعلماء بتوقع موضع الإلكترون بدقة.

يمثل البحث الجديد قفزة نوعية في تاريخ أبحاث الإكسايتون، ويمكن استخدامه لقياس الدالة الموجية لحالات الإكسايتونات المختلفة وفهم فيزياء الإكسايتون لأشباه الموصلات المختلفة.

يختتم الفيزيائي جوليان ماديو من معهد أوكيناوا قائلًا: «الاكتشاف الجديد له أهمية كبيرة في هذا المجال. أن تتمكن من تصور المدارات الداخلية للجسيمات التي تشكل بدورها جسيمات أكبر وأعقد، يعني أن تتمكن من القياس والتحكم في الجسيمات المعقدة بطرق غير مسبوقة. وفي النهاية سيسمح ذلك بخلق حالات كمية جديدة من المادة والتقنية استنادًا إلى هذه المعلومات».

اقرأ أيضًا:

بعد 50 سنة من افتراض وجوده، عثر الفيزيائيون على شبه الجسيم المراوغ

هل تكون فيزياء الجسيمات المدخل لنظرية كل شيء؟

ترجمة: بيان علي عيزوقي

تدقيق: أكرم محيي الدين

المصدر