يُعرف الخوف بأنه استجابة حيوية وأساسية للخطر الجسدي أو العاطفي، فهو ضروري لحماية أنفسنا من التهديدات المشروعة، لكن وكما هو الحال للكثير من الناس.

فإننا عادة ما نخاف من أمورٍ لا تحمل أي خطر علينا في الحالة الطبيعية، مما يجعلنا نختلف عن غيرنا تجاه هذه النقطة، ومثل ذلك خوف البعض من الأماكن المرتفعة أو الخوف من الأماكن الضيقة أو الحشرات أو الصراصير وغيرها الكثير.

ولكن ماذا عن الخوف من الطيران (Aviophobia)؟

بالنسبة للعديد من الأشخاص فإن الطيران تعذيبٌ بعينه، لما يعانونه من رهاب وخوف من خشية حصول حادث تحطم أو تصادم مميت، أو عدم القدرة على التعامل مع فكرة البقاء في مكان مغلق دون مخرج، أو حتى فكرة الإصابة بمشكلة صحية كالإصابة بنوبة قلبية أوحدوث ولادة دون وجود منُقذٍ ما.

مما لا شك فيه أن حوادث الطائرات موجودة رغم ندرتها، كما أنها غالبًا ما تحظى بتغطية إعلاميةٍ واهتمامٍ شعبي كبير، لكنَ رؤية مشاهد الحطام وصور الأجساد المغطاة والدماء المسالة؛ يسهم في توليد خوفٍ كبيرٍ لدى البعض، بشكل يجعلهم لا يحتملون فكرة ركوب تلك الوحوش الطائرة مرة أخرى.

أسباب محتملة؟

يوضح عالم النفس ماثيو برايس (Matthew Price) في جامعة فيرمونت (University of Vermont) بأنه ولسوء الحظ لا يوجد توضيح واحد يفسر سبب تولد هذا الخوف، فهناك العديد من الأسباب المحتملة.

منها أنَ البعض لم يجرب ركوب الطائرة مسبقًا، أو أنهم مروا بتجربة سلبية متعلقة بالطيران، سواء كانت هذه التجربة عبر رحلة طيران حقيقية أو مشاهدة بعض الأفلام والبرامج الوثائقية المتعلقة بتحطم الطائرات، أو حتى القلق من فكرة التواجد في مساحة مغلقة.

ومن هذه التجارب السلبية مثلًا، ما حصل بعد أحداث الحادي عشر من أيلول/سبتمبر عام 2001 في الولايات المتحدة الأمريكية، فقد أدت تلك الحادثة إلى تولد الخوف من الطيران لدى العديد من الأشخاص بعدها، مما دفع عددًا من المواطنين الأمريكيين في العام التالي إلى اختيار خيار التنقل عبر القيادة بدلًا من الطيران.

قد تكون الاحتياطات الأمنية المتبعة في المطارات والطائرات إحدى أهم الأسباب غير المتوقعة للبعض والتي يمكن أن تلعب دورًا مهمًا في الشعور بالخوف.

فرؤية التدابير الأمنية المتبعة لمكافحة الأرهاب تجعلنا نفكر في وقوع الجرائم كتفجير الطائرات، كما أنَ مشاهدة الفيديوات المعدة للسلامة قبل الإقلاع تذكرنا بكوارث التحطم، مما يدفع تلك الفئة إلى تجنب مشاهدتها.

إن عدم مشاهدة الفيديوات المخصصة للسلامة قبل الأقلاع أمرٌ خاطىء جدًا، إذ يوضح الباحثون بأنَ الاشخاص الذين يملكون خطة للخروج من الطائرة في حال حدوث طارىء ما نتيجة مشاهدتهم لتوجيهات السلامة قبل الإقلاع؛ هم أكثر قدرة على القيام بها بشكل صحيح وسليم، على عكس أولئك الذين لم يشاهدونها، إذ قد لا يستطيعون تدبّر أمورهم بالشكل الصحيح.

فيما تذكرنا هذه النقطة بالحادثة التي تعرضت لها الطائرة الإماراتية أثناء هبوطها في دبي عام 2016، والتي عمد المسافرون خلالها إلى التقاط ممتلكاتهم وأغراضهم مما شكل خطرًا إضافيًا عند إخلاء الطائرة، في حين يُفترضُ عدم القيام بذلك لأنَ قواعد السلامة تخبر المسافرين بضرورة ترك أغراضهم وممتلكاتهم وإخلاء الطائرة على الفور عند وقوع حادث.

حلول مقترحة..

لحسن الحظ، فإن الخوف من الطيران مسألة يمكن علاجها والتعامل معها، فقد يؤدي الغرض اتباع بعض الحلول الشخصية، كوضع سماعات الرأس أو تناول الأدوية المهدئة أو ممارسة تمارين التنفس.

أما بالنسبة لأولئك الذين لم يجربوا الطيران مسبقا أو يعانون من ارتباط سلبي مسبق بالأمر، فقد يكون تعلم كيفية عمل الطائرات وإدارتها والتحكم بها أمرًا نافعًا لهم.

كتعلم كيفية إقلاع وطيران تلك الآلات المعدنية، ومعرفة دور مراقب الملاحة الجوية في إبقاء الطائرات ضمن مسافة مناسبة وآمنة عن بعضها البعض، وكيفية التعامل مع المطبات الهوائية وغيرها من المشاكل.

فيما قد تحتاج فئة الأشخاص المعرضين للقلق والتوتر إلى اتباع طرق أخرى في التعامل مع ذلك الخوف ومعالجته، منها اللجوء إلى العلاج بالتنويم المغناطيسي أو العلاج النفسي أو العلاج السلوكي المعرفي؛ مما يُمَكّن من السيطرة على الوضع وإدارته، كما يمكن قراءة بعض الكتب التي تُعنى بكيفية وطرق التعامل مع النفس.

ماذا عن مواجهة المخاوف؟

يقترح العديد من الباحثين بأنَ أفضل طريقة للتغلب على رهاب الطيران هو مواجهة الخوف، وذلك عن طريق التعرض التدريجي والممنهج لمراحل مختلفة من الطيران تحت توجيهات الطبيب المدرب.

ويُجرى هذا التدريب بشكل تقليدي داخل الطائرة بمرافقة الطبيب المعالج، حيث يقوم الطبيب بالتحدث للشخص عن كيفية التغلب على المخاوف (لكن هذا الأمر مكلفٌ نوعًا ما).

من جهة أخرى، يعد خيار محاكاة الواقع الافتراضي أمرًا معقولًا، ويتم ذلك عن طريق تجربة المراحل المختلفة للطيران دون الارتفاع عن الأرض.

فقديمًا كان ذلك ممكنًا بواسطة المحاكاة عن طريق وضع شاشات تُظهر ما داخل الطائرة الافتراضية وضمن مطار افتراضي أيضًا، وإلحاق ذلك بأصوات المحركات. أما في الوقت الحالي ظهر نجم جديد على الساحة يُعرف بسماعة رأس الواقع الافتراضي “Virtual reality headset”.

عند تحليل العديد من الدراسات المتعلقة بالواقع الإفتراضي والطيران، لخص عالم النفس برايس (سابق الذكر) بأنَ الواقع الافتراضي وسيلة ذات فعالية وكفاءة كبيرة في علاج الخوف المرتبط بالطيران.

وتظهر هذه الفائدة مثلًا عند جعل الشخص المعني هنا يتعرض لتجربة إقلاع طويلة، على عكس تجارب الإقلاع الحقيقية والتي تكون قصيرة نسبيًا، فيما يتم تقييم مستويات القلق عن طريق وضع أجهزة استشعار بيومترية “Biometric sensors” على إصبع المريض.

توضح الطبيبة النفسية باربرا روثباوم (Barbara Rothbaum) في جامعة إموري “Emory University” في مدينة جورجيا وعند مقارنة العلاج بالواقع الافتراضي بالنسبة للطيران الحقيقي قائلة: «قام 93% من المشاركين في العلاج برحلة طيران حقيقية بعد أخذ ثمانية دروس من العلاج في كلا الحالتين».

إذ تهدف أول أربعة دروس إلى تعليم الناس طرق إدارة القلق، مثل كيفية تحديد الأفكار غير الجيدة و غير المنطقية (على سبيل المثال الطائرة سوف تتحطم بنا) ومن ثم تصحيحها، في حين تهدف الدروس الأربعة المتبقية إلى استخدام الواقع الافتراضي لمساعدة الناس على الاسترخاء أثناء الطيران بطريقة علاجية، مما يساعد في تخفيف التوتر لديهم.

وتختم الطبيبة قائلة: «يبدو أنَ استخدام الطائرة الحقيقية أو استخدام الطائرة الافتراضية متساوٍ في الجودة، لكن أحد ميزات استخدام تقنية الواقع الافتراضي في هذه الحالة هي جدواها بالمقام الأول إذ إنها رخيصة وسهلة بشكل يُمكنك من تجربة الإقلاع والهبوط عدة مرات خلال 45 دقيقة من وقت الدروس العلاجية دون مغادرة المكتب».

ختامًا فإننا نود تذكير القارىء بأنَ فرصة حصول حادث سيارة مميت أثناء الذهاب إلى المطار أكبر بمئة ضعف من فرصة التعرض لحادث طائرة مميت!


  • ترجمة: سيرين خضر
  • تدقيق: دانه أبو فرحة
  • تحرير: أحمد عزب

المصدر1                          المصدر2