توضح هذه الصورة الحقل المغناطيسي لكوكب المشتري في لحظة زمنية واحدة. لقد تغير الحقل المغناطيسي لكوكب المشتري منذ سبعينيات القرن الماضي، وقد أثبت الفيزيائيون ذلك. هذه ليست مفاجأة تمامًا، إذ يتغير الحقل المغناطيسي للأرض طوال الوقت، ولكن يُعد الحقل المغناطيسي للأرض الحقل الكوكبي الوحيد الذي لدينا قياسات مستمرة جيدة له. ومع ذلك تُعد المعلومات الجديدة مهمة؛ لأن هذه التغيرات الصغيرة تكشف عن تفاصيل خفية متعلقة «بمحرك» الكوكب الداخلي، وهو النظام الذي ينتج حقله المغناطيسي.

نُشرت ورقة بحثية في 20 أيار بمجلة نيتشر أسترونومي Nature Astronomy، تفحص فيها فريق الباحثين بيانات الحقل المغناطيسي في أربع مهمات سابقة إلى كوكب المشتري وهي: (بيونير 10 – Pioneer 10، التي وصلت إلى كوكب المشتري عام 1973، وبيونير 11 – Pioneer 11، التي وصلت إلى كوكب المشتري عام 1974، وفوياجر 1 – Voyager 1، التي وصلت إلى كوكب المشتري عام 1979، وأوليسيس – Ulysses، التي وصلت إلى كوكب المشتري عام 1992).

قارن الباحثون تلك البيانات مع خريطة الحقل المغناطيسي للكوكب التي أنتجتها المركبة الفضائية جونو Juno، والتي أجرت السبر الأحدث والأكثر دقةً وشمولًا للكوكب العملاق. في عام 2016، كانت جونو تحوم في مدار قريب جدًا من كوكب المشتري، مارةً من القطب إلى القطب جامعةً بيانات مفصلةً عن كلا حقلي الجاذبية والمغناطيسية.

سمح ذلك للباحثين بتطوير نموذج دقيق شامل عن الحقل المغناطيسي للكوكب، وسمح بتطوير بعض النظريات المفصلة حول كيفية إنتاجه أيضًا.

أظهر الباحثون المسؤولون عن هذه الورقة البحثية أن البيانات المأخوذة من عمليات السبر الأربع المحدودة الأقدم -التي تأرجحت مسابرها قرب الكوكب مرةً واحدةً فقط- لا تتناسب تمامًا مع نموذج 2016 للحقل المغناطيسي لكوكب المشتري.

قال كيمي مور Kimee Moore، وهو عالم يعمل في مشروع المركبة الفضائية جونو بجامعة هارفارد Harvard ومؤلف رئيسي للورقة البحثية، في تصريح له:

«يُعد العثور على شيء يماثل دقة هذه التغيرات الحاصلة في شيء هائل مثل الحقل المغناطيسي لكوكب المشتري تحديًا، إذ زودنا امتلاك معيارية من عمليات الرصد عن قرب على مدار أربعة عقود ببيانات كافية للتأكيد على أن المجال المغناطيسي لكوكب المشتري يتغير بالفعل بمرور الوقت».

من هذه التحديات: كان الباحثون مهتمين بالتغيرات الحاصلة على المجال المغناطيسي فقط، ولكن لدى الكوكب مغناطيسية آتية من غلافه الجوي العلوي أيضًا.

تنتهي الجزيئات المشحونة المنبعثة من الانفجارات البركانية على قمر آيو Io، وهو أكثر أقمار المشتري اضطرابًا، في الغلاف المغناطيسي والغلاف الجوي المتأين لكوكب المشتري (الغلاف الجوي المتأين أيونوسفير ionosphere: منطقة من الجسيمات المشحونة في الحواف الخارجية من الغلاف الجوي لكوكب المشتري)، ويمكن لهذه الجزيئات المشحونة أيضًا أن تغير الحقل المغناطيسي.

لكن الباحثين طوروا أساليب لإزالة تلك التأثيرات من مجموعة بياناتهم، وبهذا تبقى بيانات تستند بشكل شبه كلي على المحرك الداخلي للكوكب. لذا طُرح السؤال: ما الذي سبب حدوث التغيرات؟ ما الذي يحصل في محرك كوكب المشتري؟

درس الباحثون عدة أسباب مختلفة لتغيرات المجال المغناطيسي، وتطابقت بياناتهم بشكل وثيق مع تنبؤات النموذج الذي تغير فيه الرياح في باطن الكوكب من المجال المغناطيسي.

وقيل في تصريح: «تمتد هذه الرياح من سطح الكوكب إلى عمق 1860 ميلًا (3000 كيلومتر) حيث يبدأ باطن الكوكب بالتحول من الغاز إلى معدن سائل شديد التوصيل».

وكتب الباحثون في الورقة البحثية: في الحقيقة، لا يمكن للباحثين رؤية ذلك المستوى من العمق على كوكب المشتري، وبالتالي فإن قياسات العمق هي في الواقع أفضل التقديرات، مع العديد من مواضع الشك. ومع ذلك، ما يزال لدى العلماء نظريات متينة لشرح كيفية تصرف الرياح.

وقيل في التصريح: «يُعتقد أنها تمزق الحقول المغناطيسية، وتمدها وتحملها حول الكوكب».

يبدو أن معظم هذه التغيرات التي تسببها الرياح تتركز في البقعة الزرقاء الكبرى للمشتري Jupiter’s Great Blue Spot، وهي منطقة ذات طاقة مغناطيسية مكثفة بالقرب من خط الاستواء لكوكب المشتري. (وهذا لا يماثل البقعة الحمراء الكبرى).

تتجه الأجزاء الشمالية والجنوبية من البقعة الزرقاء شرقًا في كوكب المشتري، ويتجه الثلث المركزي غربًا، ما يتسبب بتغيرات في الحقل المغناطيسي للكوكب.

وقال مور في التصريح: «لا يُعقل أن تكون بقعة ساخنة مغناطيسية ضيقة واحدة -أي البقعة الزرقاء الكبرى- مسؤولةً عن كل التباين الدهري تقريبًا لكوكب المشتري، لكن الأرقام تؤكد ذلك!

ومن خلال هذا الفهم الجديد للحقول المغناطيسية، سنبدأ خلال التقدمات العلمية المستقبلية بإنشاء خريطة التباين المغناطيسي لكامل كوكب المشتري. وقد يعود هذا بالنفع على العلماء الذين يدرسون الحقل المغناطيسي لكوكب الأرض، إذ ما زالت تلفّه العديد من الألغاز التي علينا حلها».

اقرأ ايضًا:

شيء لم تروه من قبل: القطب الشمالي للشمس

مذنب أخضر يزداد لمعانًا وربما يصبح مرئيًا للعين المجردة

ترجمة: رولان جعفر

تدقيق: تسنيم الطيبي

مراجعة: رزان حميدة

المصدر