يتذكر الناس رئيس الولايات المتحدة السابع والثلاثين «ريتشارد نيكسون» (1913-1994 م) بوصفه الرئيس الأمريكي الوحيد الذي استقال من منصبه، إذ تنحى عام 1974 ولم ينهِ نصف مدة ولايته الثانية عوض مواجهة اتهام جنائي حول جهوده لتغطية نشاطات غير قانونية ارتكبها أعضاء حكومته في فضيحة ووترغيت.

كان نيكسون عضوًا في الكونغرس ثم في مجلس الشيوخ عن ولاية كاليفورنيا قبل أن يصبح -لفترتين- نائبًا للرئيس دوايت أيزنهاور (1890-1969) في منتصف خمسينيات القرن العشرين. وفي عام 1960، خسر نيكسون سباق الرئاسة بفارق صغير فأصبح المرشح الديمقراطي جون ف. كينيدي (1917-1963) رئيسًا للولايات المتحدة، لكنه ترشح للرئاسة مجددًا بعد ثلاثة أعوام وفاز على منافسه.

شملت إنجازات نيكسون الرئاسية إقامة علاقات دبلوماسية مع الصين والاتحاد السوفييتي، وسحبه القوات الأمريكية من حرب فيتنام المكروهة، لكن لطّخ تورطه في فضيحة ووترغيت تراثه وزاد من انعدام ثقة الشعب الأمريكي بحكومته.

نيكسون في مجال التعليم والعمل السياسي المبكر

ولد ريتشارد ميلهاوس نيكسون بتاريخ 9 يناير 1913 في يوربا ليندا بولاية كاليفورنيا الأمريكية، وكان الثاني بين خمسة أولاد لفرانسيس أنتوني نيكسون (1878-1956) الذي كافح لأجل لقمة العيش، يدير متجر بقالة ومحطة وقود برفقة زوجته هانا ميلهاوس نيكسون (1885-1967)، وقد تأثر ريتشارد نيكسون باستياء والديه من ظروف طبقتهم فنمى طموحه بالارتقاء في السلم الاجتماعي.

هل تعلم؟ عند خدمته في البحرية الأمريكية إبان الحرب العالمية الثانية، ربح نيكسون كميةً معتبرةً من المال عن طريق لعب البوكر، وقد ساعدته هذه الأموال في تمويل حملته السياسية الأولى سنة 1964 م.

درس نيكسون في كلية ويتير حيث تفوق بمثابة مناظر وانتُخب رئيسًا لمجلس الطلبة قبل تخرجه عام 1934 م، ثم حاز -بعد ثلاثة أعوام- على شهادة في القانون من جامعة ديوك حيث كان رئيسًا لاتحاد طلبة المحاماة وقد كان من الأوائل عند تخرجه قبل أن يعود إلى ويتير بكاليفورنيا ليعمل محاميًا.

عند حلول سنة 1940، تزوج نيكسون من ثيلما كاثرين بات راين (1912-1993) التي التقاها إبان مشاركته في مجموعة مسرحية محلية، وأنجبا بنتان هما باتريشا (1946) وجولي (1948)، وحين انضمت أمريكا إلى الحرب العالمية الثانية (1939-1945)، انضم نيكسون إلى البحرية الأمريكية وخدم بصفته ضابط عمليات في المحيط الهادئ.

انتهت الحرب، وبدأ نيكسون عمله السياسي عام 1946 حين هزم منافسه على مقعد في مجلس النواب ممثلًا لكاليفورنيا، وكان منافسه ديمقراطيًا شغل المنصب خمس مدد من قبل؛ فحل نيكسون محله.

خدم نيكسون في لجنة النشاطات غير الأمريكية واشتهر على المستوى الوطني حين قاد تحقيقًا جدليًا في قضية ألجير هيس (1904-1996) الذي كان موظفًا محترمًا في الخارجية اتُهم بالتجسس لصالح الاتحاد السوفييتي في أواخر الثلاثينيات. أُعيد انتخاب نيكسون للكونغرس عام 1948 ثم فاز بمقعد في مجلس الشيوخ بعد سنتين.

خسارة ريتشارد نيكسون الانتخابات الرئاسية

قلق البعض من هجمات نيكسون على الشيوعيين المزعومين والخصوم السياسيين، لكنها زادت من شعبيته لدى الجمهوريين المحافظين، وفي عام 1952 اختار اللواء دوايت أيزنهاور عضو مجلس الشيوخ الجديد ذي التسعة والثلاثين عامًا ليكون نائبه حين ترشح للرئاسة.

بعد أشهر قليلة من قبول الترشيح، صار نيكسون هدفًا لحملة اتهمته باستلام الهدايا والمال من أعضاء الجماعات الصناعية الضاغطة، وقد رد على التهم في خطاب «تشيكرز» الشهير حين ادعى أن الهدية الوحيدة التي قبلها كانت جروًا لابنته اسمه تشيكرز، وقد كان الخطاب فعالًا فبقي نيكسون في موقعه.

فاز أيزنهاور ونيكسون بالانتخابات عام 1952 ثم أُعيد انتخابهم عام 1956، وبعدها بأربع سنوات كسب نيكسون ترشيح الحزب الجمهوري لرئاسة الدولة لكنه خسر أمام عضو مجلس الشيوخ عن ولاية ماساتشوستس جون كينيدي في انتخابات كانت نتائجها من أكثر النتائج تقاربًا بين المرشحينِ في التاريخ الأمريكي. حدثت نقطة التحول في الحملة الانتخابية في أثناء المناظرة الرئاسية التي عُرضت على التلفاز إذ ظهر نيكسون شاحبًا متعرقًا متوتر الأعصاب مقارنةً بخصمه مُسمر البشرة والذي كان مرتاحًا مليئًا بالحيوية، وكانت تلك المناظرة هي الأولى التي تُعرض على التلفاز الوطني في التاريخ الأمريكي.

آذت الخسارة أمام كينيدي غرور نيكسون كثيرًا، فادعى أنه لم يكن محبوبًا من قِبل وسائل الإعلام وأنها تحيزت في التغطية الإعلامية لصالح خصمه الوسيم الثري. عاد نيكسون إلى ولايته كاليفورنيا حيث مارس المحاماة وبدأ حملةً لرئاسة سنة 1962، وحين خسر الانتخابات مجددًا اعتقد كثير من الجمهور أن حياته السياسية قد انتهت، وقد قال نيكسون السئِم للصحفيين: «لن يكون لديكم نيكسون لتُسيئوا معاملته بعد الآن».

فوز نيكسون بالبيت الأبيض

مرت ست سنوات بعد خسارة نيكسون لانتخابات حاكم كاليفورنيا حين عاد إلى الحياة السياسية بقوة وفاز مرةً أخرى بترشيح حزبه الجمهوري لرئاسة الولايات المتحدة، قبل أن يهزم خصميه، الديمقراطي هيوبرت همفري (1911-1978) ومرشح حزب آخر جورج والاس (1919-1998) في انتخابات 1968 الرئاسية.

استلم نيكسون منصبه الجديد في فترة مليئة بالاضطراب والتغيير في الولايات المتحدة إذ كان الشعب منقسمًا بشدة حول حرب فيتنام (1954-1975) وكانت النساء تطالب بمساواتهن بالرجال وكان العنف العرقي يضرب المدن الأمريكية بضراوة. أعلن نيكسون نيته في تحقيق السلام بشرف في فيتنام، فقدّم خطةً استراتيجيةً عُرفت بالفتنمة تقضي بانسحاب القوات الأمريكية من الحرب مع تدريب قوات فيتنام الجنوبية لتدافع عن نفسها.

في يناير 1973 وصلت إدارة نيكسون إلى اتفاقية سلام مع فيتنام الشمالية الشيوعية، وغادرت آخر قوات أمريكا القتالية فيتنام في مارس من تلك السنة، لكن الأعمال العدائية استمرت حتى سيطرت قوات فيتنام الشمالية على فيتنام الجنوبية وأعادت توحيد البلاد تحت قيادتها الشيوعية.

لم تقتصر إنجازات نيكسون على سحب القوات الأمريكية من فيتنام، بل سافر بزيارات تاريخية عام 1972 إلى الصين والاتحاد السوفييتي، فقلل من التوتر بين الأمم الشيوعية وأمريكا وساعد في تأسيس علاقات دبلوماسية رسمية، إضافةً إلى توقيعه عددًا من الاتفاقيات المهمة للحد من إنتاج الأسلحة النووية.

فضيحة ووترغيت وما بعدها

في نفس الوقت الذي أعاد نيكسون فيه ترشيح نفسه للانتخابات عام 1972، سطا عملاء سريون منسوبون إلى حملته الانتخابية على مقر لجنة الحزب الديمقراطي الوطنية في مجمع ووترغيت بالعاصمة واشنطن. علم عدد من أعضاء إدارة نيكسون بالسرقة، وبينما نفى الرئيس عن نفسه أي تورط في العملية، أوضحت تسجيلات سرية مسربة من البيت الأبيض لاحقًا أن نيكسون ساهم في التغطية على هذه الجريمة.

استقال نيكسون من منصبه في 9 أغسطس 1974 بعد أن واجه اتهامًا جنائيًا من الكونغرس، وحل محله نائبه جيرالد فورد (1913-2006) الذي أصدر عفوًا عن نيكسون بعد شهر واحد فقط. أدين عدد من المسؤولين الحكوميين لاحقًا بجرائم مرتبطة بعملية ووترغيت.

بعد تركه البيت الأبيض، تقاعد نيسكون في كاليفورنيا (انتقل هو وزوجته لاحقًا إلى نيو جيرسي) وعمل بهدوء على ترميم ما تهدم من صورته أمام الناس، إضافةً إلى تأليفه الكتب وسفره المستمر وتقديمه المشورة لرؤساء لاحقين ديمقراطيين وجمهوريين.

حين مات نيكسون في 22 أبريل 1994 عن عمر يناهز 81 عامًا في نيويورك إثر سكتة دماغية، كان في نظر البعض رجل دولة كبير السن محترمًا، بينما رفض بعض الأمريكيين بأي شكل من الأشكال تحسين صورته فلم يروا فيه إلا مجرمًا موسومًا بالعار.

اقرأ أيضًا:

جوزيف مكارثي: سيرة شخصية

فضيحة ووترغيت

ترجمة: الحسين الطاهر

تدقيق: أميمة الغراري

مراجعة: آية فحماوي

المصدر