قبل أن نبدأ مقالتنا، دعونا نعرّف الإرهاب؛ الإرهاب هو الاستخدام غير المبرر وغير القانوني للعنف بجميع أشكاله، العسكرية والجسدية والنفسية ضد فرد أو جماعة معينة لا سيما ضد أناس عزل، سعيًا لتحقيق أهداف سياسية.

إن الارتفاع الحاد والشديد للأعمال الإرهابية حول العالم -وخاصة في عالمنا العربي- يدفع للخوف والقلق الشديدين.

وفقًا لمؤشر الإرهاب العالمي لعام 2014، فقد ازدادت الوفيات الناجمة عن العمليات الإرهابية حوالي عشرة أضعاف منذ بداية القرن الحادي والعشرين، ازداد الرقم من 3.329 ضحية في العام 2000 حتى وصل إلى 32.685 ضحية عام 2014.

هذا العنف والإرهاب المتزايد يطرح عددًا من الأسئلة: كيف يمكن للجماعات المتطرفة أن تعامل البشر بهذه القسوة؟ ما الذي يدفعهم للاستمرار بالعنف في كل مكان يتواجدون فيه؟ ما السبب وراء خسارتهم لكل ما فيهم من إنسانية وأخلاق؟

أن تصبح إرهابيًا يعني أن تقتل التعاطف والإنسانية بداخلك، حيث يمكن للشخص الإرهابي أن يعامل مجموعات كاملة من البشر على أنهم أدنى منه؛ بحيث يعذبهم ويقتلهم دون أي شعور بالندم، وهذا يعني النظر إليهم باحتقار شديد ورفض التواصل معهم.

ونتيجة لهذا، يمكن للإرهابي أن يفعل أي شيء في سبيل خدمة معتقده أو هدفه.

ما السبب؟

إن الأيديولوجية الإرهابية في أحد أطرافها تغذيها المعتقدات الدينية المتشددة منذ الطفولة؛ عندما يتلقن الفرد معتقدًا متشددًا معينًا فإنه يبدأ برؤية العالم بطريقة مجرّدة وليس من خلال الإدراك المباشر.

أي أنه يبدأ برؤية العالم من حيث المفاهيم والفئات، وتشجعه معتقداته على رؤية البشر لا كأفراد مستقلين؛ ولكن كوحدات جماعية في لعبة مجرّدة.

من المهم جدًا معرفة أن معظم الإرهابيين هم من الشباب وعادة من المراهقين، في المراهقة يمر الكثير من الناس بفترة نفسية واجتماعية صعبة جدًا؛ حيث يشعر الفرد بأنه أصبح مستقلًا ومسؤولًا عن نفسه، لكن مع استمرار شعوره بالضعف والهشاشة.

ونتيجة لذلك تتملكه حاجة ماسة للهوية والانتماء.

هذا هو السبب في أن كثيرًا من المراهقين ينضمون إلى عصابات صغيرة أو جماعات أخرى.

عالمة الأنثروبولوجيا الفرنسية دنيا بوزار (Dounia Bouzar) وصفت من خلال دراستها على أشخاص متورطين بالإرهاب أن مئات الشبان تورطوا بالإرهاب نتيجة لأسباب عاطفية فقط وبعيدة عن أي أسباب منطقية عقلانية.

حيث إن العاطفة -لا المنطق- قادرة على استدراج الشباب إلى نداء الجهاد.

حيث إن العزلة والاضطهاد النفسي يسببان مشاكل جمة؛ وتأتي الجماعات الإرهابية لتقول: «انظر، أنت نكرة ولا أحد يهتم بك، لكن تعال معنا، نحن سويًا نستطيع تغيير هذا العالم والتحكم به».

وهذه التنظيمات لديها أساليب عدة في استدراج الشباب إليها، وبالمناسبة بلغ عدد المقاتلين الأجانب في صفوف تنظيم داعش الإرهابي حوالي 30.000 مقاتل أجنبي إضافة إلى عشرات الآلاف من المقاتلين العرب من مختلف الجنسيات.

ويكون المراهقين عرضة للتطرف الديني أكثر من غيرهم، لأن الانتماء إلى دين معين وإلى جماعة متشددة في هذا الدين يؤمن جوًا قريبًا من جو الأسرة.

ومن أجل دعم المعتقدات التي نشأ عليها، تتشكل لديه صلة قوية بهذه الجماعة.

فهذه الجماعات الإرهابية كثيرًا ما تكون ملجأ لمن ليس لديه شيء في الحياة العادية.

أو للأشخاص السايكوباثيين والساديين، الذين يستمتعون بالتعذيب والقتل عندما يمارسونه على غيرهم من البشر.

علماء النفس الذين درسوا الجماعات الإرهابية، وجدوا أن الإرهابيين يميلون إلى أن يكونوا أفرادًا مستقرين وليس كأنهم تنظيم واحد جماعي، وعلى ما يبدو أن هذا يجعل الإرهابيين يختلفون جوهريًا بعضهم عن بعض.

الفارق الوحيد بينهم هو القدرة على -إيقاف- أي شعور بالتعاطف في سبيل خدمة معتقداتهم أو أهدافهم.

من الأسباب التي تدفع بكثير من الشباب في هذا الطريق هو اعتماد حضارتنا على المادية البحتة؛ حضارتنا الآن هي حضارة مادية قائمة على الاستهلاك فقط.

كيف تشجع الإنسان من أجل حياة أسعد وأفضل؟ من خلال أن يكون غنيًا مترفًا يستهلك ويستنفد موارد البيئة دون سؤال.

هذا على حساب أشياء أكثر أهمية، مثل التنمية الذاتية والإبداع والقيم الأخلاقية وخدمة الغير وتقدير الجمال.

هذا بالطبع يزيد من الضغوط النفسية على الشباب ويجعل الحياة دون أي هدف أو معنى، فتخبو عنده نار التعاطف مع الآخرين وحتى مع نفسه، فلا يجد لنفسه أي هدف أو انتماء.

ويمكن النظر إلى الأصولية والتطرف الديني كردة فعل جزئية على هذه المادية الضحلة، وهي محاولة منحرفة وخاطئة وخطيرة جدًا لتحقيق شيء من معنى هذه الحياة.

ماذا بالنسبة لنا؟ ألسنا ضحايا حتى لو لم نقتل؟

«الخوف هو السلاح الأساسي وراء الأعمال الإرهابية»، قالها دانيال آنتونيوس (Daniel Antonius) مدير الطب النفسي الشرعي في كلية جاكوبس- نيويورك.

وقال جون هورجان الخبير في شؤون الإرهاب: «إنها الحرب النفسية، الحرب النفسية البحتة، إنهم لا يريدون فقط إخافتنا، إنهم يبالغون بأعمالهم حتى نصل إلى مرحلة نعتقد فيها أنهم أقوياء لدرجة أننا لا نستطيع أن نفعل شيئاً تجاههم».

وإذا لاحظتم؛ فإن تنظيم داعش الإرهابي في كل فترة ينشر تسجيلًا يظهر فيه إعدام شخص أو مجموعة أشخاص بأبشع الطرق، من خلال تصويرهم بطريقة تظهر لنا مدى قوتهم وتنظيمهم، وهذا لأسباب سايكولوجية مدروسة، حيث إن الهجمات والتسجيلات المتعددة والمتتابعة تزيد من الرعب النفسي لدينا، فما نلبث أن ننسى تسجيلًا أو عملية إرهابية إلا ويقوم أولئك الحقراء بعملية أخرى جديدة، من أجل أن يضعوا العالم كله في حالة توتر شديد وضغط نفسي.

دماغنا أثناء الخوف

عندما نسمع أخبارًا أو نكون في نفس البلد الذي حدثت فيه العملية الإرهابية؛ فإن النظام العصبي اللاإرادي يتوتر ويرسل إشارات إلى حواسنا من مراكز الخوف والارتباك في الدماغ، وتتدفق الهرمونات من الكورتيزول والأدرينالين ويتسارع نبض القلب ونبدأ بالتعرّق.

يتحفز جسمنا بالكامل وكأننا في حالة فرار أو قتال وتصل معلومات متزايدة إلى الدماغ ويقرر الدماغ أن «نحن أيضًا تحت التهديد».

وإذا تكررت هذه الحالات والأخبار سيسوء الوضع أكثر.

يقول دانيال آنتونيوس من جامعة جاكوبس: «الخوف هو تجربة نفسية وعاطفية معقّدة، تؤدي إلى تغيرات في المزاج والدوافع الشخصية، ومع مرور الوقت فإن هذه التجربة يمكن لها أن تتحول إلى محنة نفسية خطرة، وفي نهاية المطاف إلى اضطراب نفسي شديد».

وكتب هورجان(Horgan) مؤلف كتاب (The Psychology of Terrorism): «نحن نعود إلى طبيعتنا بسرعة، من الصعب للغاية بالنسبة للحركات الإرهابية حتى القوية منها مثل داعش أن تحافظ على مستوى ثابت من القلق والخوف لدى الجمهور».

ختامًا:

بخلاف ما يقوله متّبعو الداروينية الجديدة؛ فإن التعاطف والرحمة هي غرائز أساسية عند البشر، فمن الطبيعي لنا كبشر أن نشعر بمعاناة الآخرين وأن تملكنا الرغبة في تخفيف تلك المعاناة عنهم.

وإذا كنت تفتقر إلى القدرة على التعاطف مع المصابين والمكروثين من أي عرق أو دين أو لون أو جنس، فإنه من المحتمل أن تكون مريضًا نفسيًا.

وهنا نقف عند أحد أنواع الإرهاب الفكري وهو -الرؤية الجمعية- بحيث إن شخصًا ما يرى مجموعة كبيرة من الناس ويلصق بهم صفة واحدة، ويتعامل معهم كمجموعات لا كأفراد مستقلين، ويجعل كل فرد منهم مسؤولًا عن جرائم الآخرين، وهذا خطأ فادح.