ستة نشاطات يومية تحدث بشكل غريب في الفضاء


مرحبا بك في حالة انعدام الوزن

كما يقولون، الأوعية التي تراقبها لا تغلي أبدًا. ولكن دعنا منها، فحتى إن غَلَت، ما الذي يدفعك لمراقبتها؟ فأنت تعرف كيف يبدو الماء المغلي بالضبط. ولكنني أراهن أنَّك لا تعرف كيف يبدو الماء المغلي في الفضاء الخارجي.
سوف أعرفك على ست ظواهر يوميةٍ- من ضمنها غليان الماء- تحدث بشكلٍ مختلفٍ تمامًا في مجال الثقالة الميكروية (الصغرية)، بالإضافة إلى تفسير السبب.

1- تغلي المياه بشكل فقاعات كبيرة

على الأرض، ينتج الماء المغلي آلاف الفقاعات المتبخرة بالغة الصغر. ولكن في الفضاء، فإنَّ الماء المغلي ينتج فقاعةً متموجةً كبيرةً.
ديناميكا السوائل معقدةٌ جدًا لدرجة أنَّ علماء الفيزياء لم يعلموا على وجه اليقين ما الذي سيحدث للماء المغلي في مجال الثقالة الميكروية إلى أن أجروا هذه التجربة على متن مكوكٍ فضائيٍ عام 1992. وبعدها قرر العلماء أنَّ التفسير الأبسط للغليان في الفضاء يكمن غالبًا في غياب الانتقال الحراري وقابلية الطفو، وهما ظاهرتان تسببهما الجاذبية. على الأرض، تسبب تلك الظاهرتان الاضطراب الذي نشاهده في الغلايات.
نستطيع أن نستخلص الكثير من تجارب الغليان هذه، فدراسة كيفية غليان السوائل في الفضاء سيؤدي إلى زيادة كفاءة أنظمة تبريد المركبات الفضائية. كما قد تفيدنا يومًا في تصميم محطاتٍ لتوليد الطاقة لمحطات الفضاء، تستخدم هذه المحطات ضوء الشمس لغلي سائلٍ بغيةَ إنتاج بخارٍ لتدوير عنفةٍ لتوليد الكهرباء.

2- لن ترى ألسنة لهبٍ بل سترى كرات لهبٍ.

على الأرض، ترتفع ألسنة اللهب نحو الأعلى، ولكن في الفضاء فإنَّها تخرج من المصدر في كل الاتجاهات. لنفهم السبب علينا أن نتكلم قليلًا عن مفهوم الضغط الجوي. كلما اقتربت من سطح الأرض ازدادت غزارة جزيئات الهواء، وذلك بفضل الجاذبية الأرضية التي تشدهم نحو الأرض. وبالعكس تقل كثافة الغلاف الجوي كلما تحركت بشكل نحو الأعلى مما يسبب انخفاضًا تدريحيًا في الضغط الجوي. اختلاف ضغط الغلاف الجوي على مدى ارتفاع إنشٍ (2.54 cm) واحدٍ، على الرغم من صغره، كاف لإعطاء لهب الشمعة شكله.
يسبب الاختلاف في الضغط تأثيرًا يدعى الانتقال الحراري الطبيعي. فعندما يسخن الهواء المحيط باللهب فإنه يتمدد ويصبح أقل كثافةً من الهواء البارد المحيط به. وعند تمدد جزيئات الهواء الحار نحو الخارج فإنَّ جزيئات الهواء البارد تقوم بصدها. وبسبب فرق الضغط يوجد جزيئات هواء بارد تصد الجزيئات الساخنة في أسفل الشعلة بشكل أكبر من قمتها. ولهذا تطفو الشعلة نحو الأعلى متخذةً شكل اللسان.
وعندما لا يوجد جاذبية فإنَّ الهواء الساخن المتمدد سيلاقي مقاومة متساويةً من كافة الاتجاهات وهو ما يجعلها تخرج بشكل كروي من مصدرها.

3- تنمو البكتيريا بوتيرة أسرع… وتكون أكثر فتكًا

أظهرت تجارب امتدت على مدى ثلاثين عامًا أنَّ مستعمرات البكتيريا تنمو بشكلٍ أسرعَ بكثير في الفضاء. على سبيل المثال تنمو مستعمرات بكتيريا Astro-E. Coli أسرع بمرتين تقريبًا من نظيراتها على الأرض. علاوةً على ذلك تنمو بعض أنواع البكتيريا لتصبح أكثر فتكًا. أظهرت التجربة التي أجريت عام 2007 واختبرت نمو بكتيريا السالمونيلا على متن مكوك الفضاء أتلانتس Atlantis أنَّ بيئة الفضاء غيرت الصفات التي تعبر عنها 167 من مورثات البكتيريا. أظهرت الدراسات بعد تلك الرحلة أنَّ التغيرات الجينية في بكتيريا السالمونيلا جعلت احتمال تسببها بأمراض للفئران أكثر بثلاثة أضعاف من بكتيريا السالمونيلا الموجودة على الأرض.
توجد عدة فرضيات تحاول تفسير سبب ازدهار البكتيريا في حالة انعدام الوزن. فربما، وبكل بساطة، لديها مساحة أكبر للنمو مقارنة بالمساحة المتاحة لها على الأرض، حيث تتجمع على بعضها في قعر الطبق المخبري. وبالنسبة للتغيرات في الصفات التي تعبر عنها مورثات بكتيريا السالمونيلا، يعتقد العلماء أنَها نتيجةٌ لاستجابة للإجهاد من بروتينٍ يدعى Hfq والذي يلعب دورًا في التحكم بالصفات التي تعبر عنها المورثات. تفرض الثقالة الميكروية ضغطًا ميكانيكيًا على الخلايا البكتيرية وذلك بتغيير طريقة تحرك السوائل على أسطحها.
يتسجيب بروتين Hfq بالدخول بما يدعى «نمط البقاء survival mode» والذي بجعل الخلايا أكثر ضراوةً.
عن طريق دراسة كيفية تحمل بكتيريا السالمونيلا حالات الضغط والإجهاد في الفضاء، يأمل العلماء أن يفهموا كيف تتحمل حالات الإجهاد على الأرض. فعلى سبيل المثال قد يستجيب بروتين Hfq استجابةً مماثلةً عندما تتعرض بكتيريا السالمونيلا لهجوم من قبل جهاز مناعة شخصٍ ما.

4- لا تستطيع أن تتجشأ

إنَّ عدم وجود الجاذبية يعني عدم وجود قوة الطفو، أي لا يوجد شي يدفع فقاعات الغاز نحو الأعلى خارج المشروبات الغازية. وهذا يعني ببساطة أنَّ فقاعات ثاني أكسيد الكربون تبقى راكدةً في المشروبات الغازية والبيرة، حتى بعد أن تخرج من قواريرها إلى بطون رواد الفضاء. وهكذا لا يستطيع رواد الفضاء تجشؤ الغاز بدون الجاذبية، وهذا يجعل شرب المشروبات الغازية أمرًا غير مريحٍ على الأطلاق.

5- زهرةٌ من النوع نفسه رائحتها مختلفة

تنتج الأزهار مركباتً عطريةً مختلفة عندما تنمو في الفضاء، وبالنتيجة تعطي روائحً مختلفةً بشكلٍ ملحوظ. وذلك لأنَّ الزيوت المتطايرة التي تنتجها النباتات- الزيوت التي تحمل الرائحة- تتأثر بشدةٍ نتيجة العوامل البيئية مثل درجة الحرارة والرطوبة وعمر الزهرة. ونظرًا لرهافة الأزهار، فليس من المفاجئ أنَّ الجاذبية الميكروية تؤثر أيضاً على إنتاجها للزيوت.
أُنتج عطر من (خارج هذا العالم) من تشكيلة من الورود تدعى Overnight Scentsation والتي كانت موجودةً على المكوك الفضائي ديسكفوري Discovery عام 1998 والتي حُللت لاحقًا واستنسخت ثم دمجها في عطر Zen وهو العطر الذي شركة شيسيدو Shiseido اليابانية.

6- سوف تتعرق أكثر

كما اتفقنا في فقرة ألسنة اللهب، الثقالة الميكروية تعني أنَّه لا يوجد انتقال حراري طبيعي. وهذا يعني أنَّ حرارة الجسم لا ترتفع عن الجلد، ولذلك يتصبب الجسم عرقًا باستمرار محاولًا تبريد نفسه. والأسوء من ذلك اعتبار أنَّ التيار العرق الثابت هذا لا يتقطر أو يتبخر، أي أنَّه يبقى على الجسم. كل هذا يحضرك لرحلة رطبةٍ جميلةٍ إلى اللانهاية.


ترجمة: مامند عبدالله
تدقيق: سامي الهلالي
المصدر