“كيف تستطيع الثقوب السوداء مسح المعلومات والإحتفاظ بها”

في السنة الماضية ، أشار عالم الفيزياء النظرية البريطاني ستيفن هوكنج ومجموعة من زملاؤه في في بحث قد يستطيع حل مفارقة معلومات الثقوب السوداء المعقدة ، والذي ينص على أن المعلومات عن المادة التي يتم ضياعها وتدميرها بواسطة ثقب أسود إستنادا الى النظرية النسبية العامة لاينشتاين ، يفترض ان يحتفظ بها بالعودة إلى فهمنا في مكانيكا الكم.

الآن ،وقد نشرت ورقة البحث على الإنترنت ، وكما أشار هوكنج في شهر أُغسطس من السنة الماضية ، فإن الحل لهذه المفارقة هو ما يسمى ب ” نسيج الثقب الأسود “المتكون على أفق الحدث ، صانعا طبعة هولوجرافية ثنائية الأبعاد لأي شي يتم إمتصاصه ، وأشار أيضا أن وجود هذا النسيج يمكن إثباته ، وإثبات وجوده قد يحقق له الفوز بجائزة نوبل.

ولكن بداية دعنا نعود إلى الوراء وندعم معلوماتنا فيما يخص الثقوب السوداء.
أولا، مفارقة الثقوب السوداء. (مشكلتنا مع الثقوب السوداء) تعود جذورها إلى النسبية العامة لأينشتاين، بسبب ما نعرفه عن كيفية تفاعل الجاذبية مع الكون وكل شيء حولنا – فجميع المعلومات التي تعبر حد الثقب الأسود والمسمى بأفق الحدث ، يتم فقدانها إلى الأبد. ولا حتى الضوء يمكنه الإفلات من هذه الظاهرة وهذا هو السبب في تسمية الثقب الأسود بهذا الاسم.

وفي السبعينيات من القرن الماضي، إقترح هوكنج أن الكون مليء بالجسيمات الوهمية والتي -إستنادا الى ما نعرف عن مبدأ عمل ميكانيكا الكم – تظهر وتختفي فجأة و تدمر بعضها البعض في لحظة إلتقائها، باستثناء الحالة التي يظهر كل منها على الطرف الآخر من أفق الحدث للثقب الأسود.وكما يفسر ديفن باول في الموقع الالكتروني
smithsonian.com
في هذا السيناريو فإن جسيمة واحدة يتم إمتصاصها بينما تشع الأخرى بعيدا إلى الفضاء.
ويقول باول ” إن الاشعاع الهارب يسرق الطاقة الثقب الاسود عندما يغادر ، حيث يخسر الثقب الأسود كتلته بمرور الوقت . وفي النهاية يتبخر الثقب الأسود ويختفي من الوجود ، وإستنادا إلى حسابات هوكنج ، فإن الإشعاع الهارب هو الأثر الوحيد لثقب أسود متبخر ولا يحتوي معلومات مفيدة عن كيفية تشكل الثقب الأسود وما قد امتصه من كتلة.”
لذلك عندما يختفي الثقب الأسود فإن المعلومات – كما يقترح هوكنج – تضيع للأبد ، الأمر الذي يمثل مشكلة لأن ميكانيكا الكم تنص على أن المعلومات لا يمكن أبدا أن تضيع وهنا تأتي المفارقة الشهيرة .
في عام 1973 ميلادية ، صاغ عالم الفيزياء النظرية عبارته القائلة أن ” الثقوب السوداء لا تملك نسيج ” ، والتي أشعلت شرارة من المناظرات من جهة ان الثقوب السوداء “صلعاء” ولا تملك خصائص أو ملامح تميزها عن بعضها البعض ، و أنها تملك نسيج من جهة أخرى .
مناظرة “النسيج ضد بلا نسيج” أتت على هذا النسق : إذا كانت الثقوب السوداء صلعاء فإن هذا يعني أنه لن يوجد اختلاف قابل للتميز بين أي منها، بغض النظر عن ماهية المعلومات التي قامت بامتصاصها فإن جميع الثقوب السوداء في هذه الحالة تملك نفس الكتلة، الشحنة الكهربائية، والعزم الزاوي، ولا يوجد أي خصائص يمكن تمييزها.
من الناحية الأخرى، إذا امتلكت الثقوب السوداء ما يسمى بالنسيج أو كما يصقها مايكل بايرن “تشوهات دقيقة في الزمكان” إذن فإننا نستطيع إستنباط نوعا ما من المعلومات عن ما قد امتصه ثقب أسود بمفرده.

هوكنج كان يجادل وهو من ضمن الفريق المؤيد لفكرة النسيج لعدة سنوات، وقد قال الآن أنه يستطيع حل مفارقة المعلومات في الثقوب السوداء.
قال هوكنج في مؤتمر أُغسطس من السنة الماضية
“انا أقترح أن المعلومات مخزنة ليس داخل الثقوب السوداء كما كان متوقعا، ولكن على حدود الثقب الأسود –( أفق الحدث)- والرسالة من هذه المحاضرة أن الثقوب السوداء هي ليست سوداء كما ترسم في العادة. وهي ليست السجون الأبدية كما إعتقدنا في الماضي. فإن الأشياء من الممكن أن تستطيع الإفلات من الثقب الأسود إلى الخارج أو تخرج في كون آخر.

بواسطة هوكنج وزملاؤه الفيزيائي من جامعة كامبريدج مالكوم جي بيري والفيزيائي من جامعة هارفارد اندرو ستورمينجر، توصلوا من خلال مناظرة إلى أرضية صلبة ثابتة فيما يخص تفسير الآلية التي تستطيع فيها المعلومات الهروب من ثقب أسود بعد امتصاص مادتها .
ويضيف ستورمنجر قائلا ل سيث فليتشر في
scientific American
” الفكرة هي أنه عندما تُمتص جسيمات مشحونة بواسطة ثقب أسود، فإن معلومات تلك الجسيمات تترك خلفها طبعة هولوجرافية ثنائية الأبعاد على أفق الحدث. هذا الأمر يعني أنه بينما يتم طمس جميع الخصائص الفيزيائية لمادة ما، فإن اُثرها يبقى إلى الأبد.
لذلك عندما يخرج الثقب الأسود جسيمات الضوء (فوتونات) بظاهرة معروفة ب (إشعاع هوكنج) – فإن الجسيمات تستطيع إلتقاط أثر المعلومات من أفق الحدث ونقلها الى أنحاء الكون. وكما قال هوكنج “تعود المعلومات المتعلقة بالجسيمات الداخلة للثقب الأسود ولكن بشكل فوضوي وغير مفيد، هذا الأمر يحل مفارقة المعلومات ولكن للغايات العملية فإن المعلومات تعتبر ضائعة.

سمعنا جميعا بهذا التصريح في السنة الماضية، ولكن الآن وقد اميط اللثام عن ورقة البحث فإن مناظرة هوكنج وبيري وستورمنجر قد تحتاج إلى جولة أخرى. لم تنشر الورقة بعد في مجلة علمية وسوف تبقى المناظرة غير رسمية ومفتوحة للعلماء لنشر انتقاداتهم.

ونحن بدأنا مسبقا بالإستماع الى رأي أحدهم وهو ديفن باول وهو يكتب في الموقع الالكتروني
smithsonian.com
“لم يبلّغ أحد بعد عن خطأ في الحسابات، ولكن القلق قد بدأ يظهر لأن النظرية في أحسن الأحوال غير كاملة وتتساءل سابيين هوسينفلدر من المعهد الشمالي للفيزياء النظرية عن كمية المعلومات التي يستطيع النسيج حملها. وأشارت أيضا أن الورقة لا تفسر كيف ينقل النسيج المتبخر مع تبخر الثقب الأسود المعلومات للإشعاع الباقي.”
وكتبت سابيين في مذكرتها الالكترونية أنها غير مقتنعة بشكل كامل أن الفكرة الجديدة المقترحة من هوكنج وستورمنجر و بيري قد تحل مشكلة ضياع المعلومات ولكنها واجهة مثيرة تستحق التعمق والإستكشاف.

كما أكد بيري، هوكنج، وستورمنجر أنهم غير متأكدين 100% إذا كانت هذه الإجابة الصحيحة للمفارقة ولكن ورقتهم الآن منشورة للمراجعين والمناظرين لكي يساعدوهم في التوصل إلى الحل ويقول أنها خطوة على هذه الطريق.

لمزيد من المعلومات، اذهب الى مقابلة سيث فليتشر مع ستورمنجر في
Scientific American
حيث يتناقش الطرفان في عدة نواحي في الورقة والأمر المؤكد هو أنه بينما قد تكون تفاصيل الورقة ليست ضمن فهم الاشخاص غير المختصين، فإنهما يؤكدان أن الأشهر القادمة سوف تكون أوقاتا مثيرة إذا كنت عالم فيزياء نظرية