تتميز الأسماك بكونها الفقاريات الأكثر تنوعًا في مملكة الحيوانات، لكن يواجه علماء الأحياء التطورية أحجيةً محيرة بخصوص هذا التنوع البيولوجي الكبير؛ إذ تعيش معظم أنواع الأسماك في المياه الاستوائية، غير أن الأسماك التي تولّد أنواعًا جديدة بسرعة تعيش في خطوط العرض العليا القريبة من المناطق القطبية.

حاولت باحثتان من جامعة ييل تفسير هذه المفارقة في دراسة حديثة.

اكتشفت الباحثتان أن قدرة الأسماك التي تعيش في المياه المعتدلة والقطبية على التنقل بين المياه السطحية والعميقة تحفز نشوء أنواع جديدة، وأشارت نتائجهما إلى أن ارتفاع درجة حرارة المحيطات في خطوط العرض العليا نتيجة التغير المناخي سيعرقل تطور الأسماك.

تقول الباحثة المسؤولة عن الدراسة سارا فريدمان من جامعة ييل: «تستفيد الفروع الحيوية المسؤولة عن معظم التنوع الذي نراه في أسماك المحيطات اليوم من عمود الماء وعمق المحيط لتوليد أنواع جديدة».

«نظرًا إلى سهولة التحرك خلال عمود الماء في خطوط العرض العليا، تعيش الأسماك التي تنتقل إلى أعماق المحيط حصرًا في تلك المناطق، ولكن تشتد وطأة الاحتباس الحراري الناجم عن تغير المناخ في تلك المناطق تحديدًا، ما يهدد بعرقلة عملية التنوع البيولوجي للأسماك لأنها ستواجه صعوبةً أكبر في تغيير مدى عمق سباحتها».

أجرت فريدمان هذه الدراسة بمساعدة مارثا مونيوز، التي تعمل أستاذةً مساعدة في علم البيئة والأحياء التطورية في كلية الفنون والعلوم التابعة لجامعة ييل.

حللت الباحثتان بيانات موجودة عن أماكن تواجد 4067 نوعًا من الأسماك حول العالم من أجل إجراء دراستهما، وتضمنت البيانات معلومات عن المدى الجغرافي للأنواع ومعدل تنوعها. أوضح تحليل دراستهما المعدل المتوقع لتنقل سلالات الأسماك بين أعماق المحيط المختلفة.

أنشأت الباحثتان توزيعًا يمثل توقعاتهما لتنقل الأسماك بين الأعماق، وبذلك كان بإمكانهما مقارنة عدد مرات التنقل خلال عمود الماء بين سلالات محددة من الأسماك. وجدت الباحثتان أن سلالات الأسماك متعددة الأنواع في خطوط العرض العليا، مثل سمك الإيلبوت والسمك المفلطح وسمك الحلزون والسمك الصخري والسمك الجليدي، تغير عمق سباحتها خلال عمود الماء أكثر مما كان متوقعًا. في حين كان انتقال سلالات الأسماك الاستوائية الأكثر تنوعًا مثل القوبيونيات والكيدميات أقل من المتوقع.

أفادت الباحثتان أن سلالات الأسماك التطورية التي تملك سلفًا مشتركًا والقادرة على التنقل بين الأعماق المختلفة قد تكون أكثر ميلًا إلى الاعتماد على موارد غير مألوفة أو استيطان بيئات جديدة في أعماق معينة والانعزال عن بقية أفراد المجموعة، ما قد يؤدي إلى عملية متكررة من التكيف المحلي ونشوء أنواع جديدة.

تتأثر قدرة الأسماك على التنقل بين الأعماق بعدة متغيرات، مثل درجة حرارة الماء والضغط ومقدار الضوء، وأشارت فريدمان ومونيوز إلى أن درجة الحرارة تحديدًا تؤدي دورًا مهمًا في قدرة سلالات الأسماك في خطوط العرض العليا على التنقل خلال عمود الماء؛ إذ بإمكان سلالات الأسماك التي تعيش في المياه الباردة التنقل إلى أعماق المحيط الأكثر برودة بسهولة، وذلك بخلاف الأسماك الاستوائية التي تعيش معظم حياتها في المياه الدافئة والضحلة، إذ تواجه هذه الأسماك حاجزًا حراريًا كبيرًا عند التنقل إلى أعماق المحيط نتيجة الاختلاف الواضح في درجة الحرارة بين المياه السطحية والعميقة.

تعزو الباحثتان التنوع البيولوجي الكبير الذي نراه في أسماك المياه الاستوائية إلى وقتٍ ما في الماضي البعيد حين كانت المناطق الدافئة بؤرةً لنشوء الأنواع الجديدة، إلا أن معظم التنوع البيولوجي أصبح أكثر تواترًا بالقرب من قطبي الكرة الأرضية مع مرور الوقت.

تقول مونيوز: «بينما يواجه نشوء أنواع جديدة في خطوط العرض العليا خطر التغير المناخي؛ نظرًا إلى أن الظروف البيئية في مياه خطوط العرض العليا أكثر انتظامًا من المياه الاستوائية، فإن فيزيولوجية الأسماك التي تعيش فيها مضبوطة بدقة للعيش في هذه البيئات، ما يعني أن التكيف الفيزيولوجي المطلوب لمواجهة فارق درجة واحدة فقط في الحرارة أكثر صعوبةً لدى هذه الأسماك مقارنةً بالأسماك التي تعيش في المياه الدافئة».

وتضيف: «مع ارتفاع درجة حرارة المحيطات، قد تواجه هذه الأسماك حاجزًا حراريًا أكبر للتنقل خلال عمود الماء، لذا أظن أننا سنلاحظ تباطؤًا في نشوء أنواع جديدة».

نُشرَت الدراسة في فبراير عام 2023 في مجلة Nature Communications.

اقرأ أيضًا:

تستطيع هذه الأسماك تكوين أنواع جديدة كليًّا عندما تتزاوج

تحديد 11 نوعًا من الأسماك القادرة على المشي على اليابسة

ترجمة: رحاب القاضي

تدقيق: جعفر الجزيري

مراجعة: لبنى حمزة

المصدر