سلسلة النظرية النسبية: النسبية العامة

اذا لم تكن الجاذبية قوة فكيف تسرع الاجسام؟


يقول أينشتاين إنه ليس هناك شيء يماثل قوى الجاذبية.

الكتلة لا تجذب كتلة أخرى عبر المسافات، ولكن بدلًا من ذلك تحني الزمكان بينهما.

إذا لم تكن هناك قوة، إذن كيف يُفسّر التسارع نتيجة الجاذبية؟

الأجسام لابد وأن تتسارع فقط حينما تؤثر عليها قوة وإن لم تكن هناك قوة فستبقى عند سرعة ثابتة.

بعض التفسيرات التي وجدتها على الإنترنت تعود إلى التعادل وفكرة تجربة الرجل الواقف على سطح الأرض ويتعرض إلى قوى جاذبية تعادل التي يتعرض لها رجل آخر في صاروخ يتسارع في الفضاء.

 

 

أستطيع فهم التعادل بين الحالتين، ولكني فشلت في فهم سقوط حجر من أعلى مبنى بعجلة تسارع قدرها 9.8 م/ث²، أيضًا في التجربة السابقة كانت هناك قوة تؤثر على الصاروخ وهي الدفع الصاروخي.

هذا تقريبًا هو أكثر الأسئلة الشائعة حول النظرية النسبية العامة. إذا لم تكن الجاذبية قوةً فكيف تسرع حركة الأجسام؟

تقول النسبية العامة أن الطاقة -في صورة كتلة أو ضوء أو أي صورة تكون عليها- تخبر الزمكان بكيفية انحنائه، وانحناء الزمكان يخبر تلك الطاقة بكيفية التحرك.

فكرة الجاذبية هنا هي أن تلك الجسيمات تقع في انحناء ذلك الزمكان. المسار الذي تأخذه تلك الأجسام يُدعى «الجيوديسية».

لندقق النظر أكثر في انحناء الزمكان ثم نعود إلى الجيوديسية.

يرتبط مقدار الانحناء الناتج عن تلك الأشياء مباشرة بطاقة تلك الجسيمات (عادة ما يكون الجزء الأكثر أهمية في تلك الطاقة هو طاقة الكتلة، ولكن يمكن أن يكون هناك بعض الاستثناءات).

 

 

كتلة الشمس هي أكبر مساهم في الانحناءات في نظامنا الشمسي.

فهي تساهم بقدر كبير لدرجة أن الانحناءات الناتجة عن الأرض تبدو منعدمة للحد الذي يجعلنا نعتبر أن الأرض عديمة الكتلة أثناء دورانها حول الشمس نسمي هذا حد جسيم اختبار (Test Particle Limit).

بالمثل فحينما تكون واقفًا على سطح الأرض فإن كتلة الأرض تُهيمن على انحناءات الجاذبية من حولك، يمكنك أن تعتبر نفسك جسيم اختبار عديم الكتلة لجميع الأغراض.

ومع ذلك، لا بد وأن أخبرك بالحقيقة، فإنك تحني الزمكان من حولك بقدر قليل جدًا، ولهذا تأثير على الأرض في المقابل.

والآن دعنا نعود للجيوديسية.

الجسم الذي يمر خلال المسارات الجيوديسية لا يشعر بأي قوة مؤثرة عليه.

ولكنه يتبع ما يشعر بأن عليه فعله «الانحدار خلال الزمكان» (هذه هي كيفية تأثير الانحناء على حركة الأجسام).

المسار الجيوديسي المحدد الذي يريد شيء ما أن يسلكه يعتمد على سرعته، ولكن ربما وبشكل مفاجئ، ليست كتلته (مادام ليس عديم الكتلة؛ وفي تلك الحالة ستكون سرعته مساوية لسرعة الضوء).

ليست هناك أي قوة تؤثر على هذا الجسم، فنحن نقول إن هذا الجسم في حالة سقوط حر؛ فالجاذبية لا تعمل وكأنها قوة. (من الناحية التقنية، إذا كان هذا الجسم أكبر من نقطة معينة فإنه يتعرض لقوى التجاذب والتنافر التي تأتي نتيجة الفرق في تأثير الجاذبية بين طرفي الجسم، ولكننا سوف نتجاهل هذه القوى).

حسنًا، دعنا ننظر بعمق أكثر لتلك المسارات الجيوديسية.

كيف تبدو تلك المسارات؟ إذا قذفنا بكرة في الهواء ونحن واقفون على سطح الأرض فسوف تتبع هذه الكرة مسارًا ما إلى الأعلى ثم تعود وتسقط على سطح الأرض، هذا هو المسار الجيوديسي الذي اتبعته.

بالنظر إلى ذلك فإنه يعطينا تعريفًا مناسبًا، فهذا المسار يعادل خطًا مستقيمًا خلال الزمكان الرباعي الأبعاد.

كيف يرتبط هذا بما نعتقده عن التسارع نتيجة الجاذبية؟

دعنا نختار نظامًا إحداثيًا يعتمد على موقعنا على سطح الأرض.

سنقول إني أقف الآن عند نقطة الصفر، وسنلقي كرة إلى الأعلى بالهواء عند زمن (t=0) (هذا ضروري كي نسمي موقعنا ليس أكثر).

يمكننا أن نصف موقع الكرة في الزمكان في هذا النظام الإحداثي باستخدام معامل مناسب (والذي نسميه «المعامل الأفيني» كلمة أفيني تعني باللاتينية المتصل، والمعنى الفيزيائي: هو المعامل الذي يحافظ على العلاقة الخطية).

 

 

كلما تحركت الكرة خلال الزمكان، كان موضعها في الزمكان يمكن تحديده من خلال دوالّ مناسبة باستخدام ذلك المعامل.

يمكننا إعادة كتابة الأشياء قليلًا، لنربط موضعها في الفضاء بموضعها في الزمان. وعندما ننظر إلى ذلك المسار، يبدو وكأن ذلك الجسم يتسارع نحو الأرض، مما يدعم فكرة أن الجاذبية تتصرف مثل القوة.

ومع ذلك فإن ما يحدث حقيقة هو أن حركة هذا الجسم في نظامنا الإحداثي يمكن وصفها بالمعادلة الجيوديسية.

إذا كنت تريد بعض الرياضيات، فهذه هي المعادلة:

هنا (x) (مع الأسس الحروف اليونانية) تصف موضع الكرة في نظامنا الإحداثي. الأسس تُشير إلى ما نتحدث عنه سواء النظام الإحداثي المكاني (x,y,z) أو النظام الإحداثي الزمني.

الرمز (t) -والذي تم أخذ جميع المشتقات بالنسبة له- هو المعامل الأفيني، في هذه الحالة يعرف باسم «الزمن المناسب» للشيء (في حالة حركة الأشياء بسرعة بطيئة، يمكن اعتبار (t) هي نفس الزمن في نظامنا الإحداثي).

الجزء الأول في هذه المعادلة هو تسارع ذلك الجسم في نظامنا الإحداثي.

أما الجزء الثاني فهو يصف تأثير الجاذبية.

أما ذلك الرمز الذي يشبه المشنقة في تلك اللعبة الشهيرة فهو يُدعى «الرمز الاتصالي»، وهو يرمز إلى جميع التأثيرات الناتجة عن الانحناء في الزمكان (بالإضافة إلى معلومات حول النظام الإحداثي الذي اخترناه).

حقيقة هناك ستة عشر مصطلحًا رياضيًا هنا، وقد كُتبت بأسلوب يُدعى (Einstein summation convention).

يتضح لنا من هنا أن تأثير انحناء الزمكان يغير من عجلة التسارع لجسمٍ ما اعتمادًا على سرعته ليس فقط خلال المكان ولكن خلال الزمن أيضًا.

إذا لم يكن هناك انحناء في الزمكان، ستكون قيمة الرمز الاتصالي (صفر)، وسوف نرى أن جسمًا ما يتحرك بعجلة تسارعية قيمتها صفر (سرعة ثابتة) ما لم تؤثر عليه قوة خارجية (والتي سوف تستبدل الصفر في طرف المعادلة الأيمن).

مرة أخرى هناك بعض النقاط الفنية: سيكون كل ذلك صحيحًا في النظام الإحداثي الديكارتي، ولكن في نظامٍ إحداثي آخر كالنظام الإحداثي القطبي (Polar Coordinates)، قد لا تساوي قيمة الرمز الاتصالي في هذه الحالة صفرًا، لكنها ستصف التغيرات الحادثة في النظام الإحداثي في هذه الحالة.

إذا كان هناك بعض الانحناء في الزمكان، إذن لن تكون قيمة الرمز الاتصالي صفرًا؛ وفجأة تظهر لنا عجلة تسارعية.

الانحناء في الزمكان هو السبب فيما نفسره نحن بعجلة الجاذبية الأرضية.

لاحظ أنه لا توجد كتلة في المعادلة، فمهما كانت كتلة الجسم المتحرك فإنها لا تؤثر في المعادلة فجميع الأجسام ستتخذ نفس المسار الجيوديسي.

ينطبق هذا ما دام الجسم لديه كتلة، أما في حالة انعدام الكتلة سيكون هناك بعض الاختلافات البسيطة.

إذن، كيف تصف الجيوديسية قوة الجاذبية؟ ألا يمكننا أن نعتبر الجاذبية مجرد قوة ونتعامل معها بهذا المنطق؟

لقد اتضح أن هناك حالتان إذ تختلف نتائج تأثير الجاذبية عن فكرة اعتبار الجاذبية كقوة اختلافًا كبيرًا ملحوظًا.

الحالة الأولى هي حركة الأجسام بسرعة كبيرة جدًا تكاد تقترب من سرعة الضوء.

جاذبية نيوتن لا تستطيع توضيح تأثير طاقة هذه الأجسام في هذه الحالة بشكل صحيح.

 

 

ينطبق ذلك خصوصًا في مثال مهم كالفوتونات وهي جسيمات عديمة الكتلة.

واحدة من أهم النتائج التجريبية الأكيدة للنسبية العامة هي أن الضوء يمكن أن يحيد باستخدام كتلةٍ مثل كتلة الشمس.

تأثير آخر يتعلق بالضوء أثناء سفره خلال حقل الجاذبية الأرضية فإنه يفقد الطاقة.

لقد تنبأ العلماء بذلك قبل النسبية العامة، باستخدام قانون بقاء الطاقة للجسيمات الإشعاعية النشطة في حقل الجاذبية الأرضية.

ومع ذلك، وبالرغم من اكتشاف ذلك التأثير، إلا أنه لا يوجد له مصطلح رياضي في معادلات الجاذبية النيوتنية.

الحالة الثانية والتي يختلف فيها تأثير الجاذبية بشدة هي حالة حقول الجاذبية شديدة القوة مثل تلك التي تحيط بالثقوب السوداء.

هنا يكون تأثير الجاذبية شديدًا جدًا لدرجة أن الضوء لا يستطيع الهروب منها.

مرة أخرى هذا التأثير حُسب في جاذبية نيوتن على أنه سرعة هروب الجسم، وتأمل الآن ماذا يمكن أن يحدث إذا زادت تلك السرعة عن سرعة الضوء؟
المفاجئ في الأمر أن الإجابة التي ستصل إليها هي نفس الإجابة التي ستعطيها لك النسبية العامة.

ومع ذلك ونتيجة أن الضوء عديم الكتلة فإنه ليس لديك توصيف دقيق لهذا التأثير مرة أخرى في معادلات نيوتن للجاذبية، والتي تخبرك دومًا أنه لا بد وأن توجد نظرية أكثر كمالًا.

لنلخص كل ما ذكرناه، النسبية العامة تقول إن المادة تحني الزمكان، وتأثير ذلك الانحناء في الزمكان هو خلق نوع عام من القوى التي تؤثر على الأجسام. ومع ذلك فإنها ليست مثل تلك القوى التي نراها تؤثر على الأجسام ولكنها تجعل الجسم يتبع مساره الجيوديسي في الزمكان.

أتمنى أن يكون الشرح وافيًا.

تحياتي


إعداد: محمد خالد عبدالرحمن
تدقيق: جعفر الجزيري
المصدر