تمكنت الهند من إطلاق عدة رحلات فضائية عملية وغير مكلفة في العقد الماضي، إذ اتبعت استراتيجية إنتاج ثابتة لتحافظ على انخفاض التكاليف.

أطلقت مؤخرًا منظمة أًبحاث الفضاء الهندية ISRO، المهمة chandrayaan-2 (يمكن ترجمة الاسم حرفيًّا إلى: العربة القمرية-2). وهي المهمة الثانية من نوعها ولا تحمل على متنها أي رواد، وتتضمن المركبة الفضائية 3 مكونات رئيسية: مركبة مدارية ومركبة هبوط (فيكرام) ومركبة جوالة (براغيان)، تكلف إنشاء المركبة 978 مليون روبيه (140 مليون دولار أمريكي)، قطعت المركبة مسافةً قدرها 384 ألف كيلومتر (وهذا لا يتضمن الدوران حول القمر)، أي إن التكلفة تبلغ 364 دولار لكل كيلومتر. ماذا تعني هذه الأرقام؟

شاندريان-2.. كيف تمكنت الهند من إنشاء مركبة فضاء اقتصادية؟ - إطلاق عدة رحلات فضائية عملية وغير مكلفة - منظمة أًبحاث الفضاء الهندية ISRO

أنفقت الولايات المتحدة في رحلة أبوللو نحو 25 مليار دولار (ما يعادل 175 مليار دولار اليوم). وتكلفت رحلة change-4 الصينية في ديسمبر 2018 نحو 8.4 مليار دولار. وللمزيد من المقارنة، يبلغ دخل لاعب كرة القدم كرستيانو رونالدو نحو 110 مليون دولار سنويًّا، وتكلف إنتاج فيلم Avengers: Endgame 356 مليون دولار. إذن كيف تمكنت ISRO من خفض تكلفة برنامجها الفضائي إلى هذا الحد؟

1- تقنيات الإنتاج الفعالة وانخفاض تكلفة العمالة

عندما سُئل عن انخفاض تكلفة المهمة القمرية التابعة لمنظمة أبحاث الفضاء الهندية، صرح رئيسها K. Sivan قائلًا: «يمكننا أن نجعل مهماتنا الفضائية اقتصادية وذات تكلفة فعالة، وذلك عبر تبسيط النظام وتقليل الأنظمة المعقدة، مع المراقبة الشديدة للجودة وزيادة الإنتاج. ويساعدنا تقليل الهدر عبر المراحل المختلفة من تطوير المركبة الفضائية على تقليل تكلفة المهمة».

تشير البيانات إلى أن المنظمة الهندية تراقب جميع مراحل الإنتاج بدقة بالغة، ما أدى إلى التخلص من الهدر أو تلف القطع تمامًا. وبالنظر إلى المركبة الفضائية وما تحتويه من أجزاء معقدة، فلابد أنهم قد قطعوا طريقًا طويلًا للحفاظ على التكلفة. تعتمد المنظمة تقنية إنتاج بطيئة ومرتبطة بالعمالة labor-oriented، تتضمن مستويات عالية من التخصص (إذ يضطلع كل قسم بالعمل الذي يبرع فيه).

إضافةً إلى ذلك، تتمتع الهند بانخفاض تكلفة العمال، بسبب الكثافة السكانية المرتفعة، ما يلعب دورًا حيويًّا في تقليل تكلفة تصنيع الأقمار الصناعية.

تكلفة العمالة حول العالم، توضح انخفاض تكلفة العمالة الهندية

تكلفة العمالة حول العالم، توضح انخفاض تكلفة العمالة الهندية

2- الحمولة غير المكلفة والاعتماد على الجاذبية

تُعَد الحمولة غير المكلفة نسبيًّا أحد أهم أسباب انخفاض تكلفة البعثات الهندية مقارنةً بالوكالات الفضائية الأخرى. الحمولة هي معدات تحملها المركبة الفضائية لإجراء اختبارات مختلفة. تضمنت حمولة شاندريان-2 أدوات بسيطة وخفيفة وغير مكلفة، مثل مطياف الأشعة السينية الدقيق ومراقب الأشعة السينية الشمسية ومطياف الأشعة تحت الحمراء.

للمقارنة، حملت المهمة أبوللو 17 التابعة لناسا أجهزةً أعقد كثيرًا، وأكبر عددًا ووزنًا من الحمولة الهندية، إذ تضمنت أجهزة قياس الأشعة الكونية البيولوجية ومقياس ليزري ومقياس للجاذبية ومعدات أخرى، وهو ما أدى إلى ارتفاع تكلفة الرحلة كثيرًا.

استغرقت شاندريان-2 نحو 40 يومًا للوصول إلى القمر، وهي مدة أطول مما استغرقه أي مسبار قمري آخر، وذلك بسبب الاعتماد على قوة الجاذبية بين القمر والأرض لزيادة السرعة، بزيادة عدد مرات الدوران حول الأرض، وبهذا كانت كمية الوقود اللازمة لإخراج المركبة من مدار كوكبنا منخفضة نسبيًّا، ما ساعد على تخفيض التكلفة الإجمالية، وتقليل الوزن أيضًا.

رغم قلة تكلفتها، هل هذه المهمة مبررة؟

شاندريان-2 لحظة الإقلاع

شاندريان-2 لحظة الإقلاع

أثبتت شاندريان-2 إمكانية الوصول إلى القمر بميزانية منخفضة، لكن إطلاقها أثار أسئلةً حول توقيت المهمة، فالهند بلد نام يعيش 22% من سكانه تحت خط الفقر. بدلًا من إنفاق 140 مليون دولار على مسبار قمري كان من الممكن إنفاقها على دولة يعيش فيها 200 مليون فقير. وليس هذا تقليلًا من شأن برنامج الفضاء الهندي، فقد حققت البلاد تطورًا تقنيًّا مذهلًا في فترة زمنية قصيرة جدًّا، لكنه عالي التكلفة مقارنةً بإمكانيات البلاد.

كلمة أخيرة

ليس استمرار البشر على كوكب الأرض مضمونًا، إذ نستنزف موارده بدرجة لا تُصدق ونلحق بالبيئة أضرارًا لا يمكن إصلاحها، وإن عاجلًا أو آجلًا سيؤدي التغير المناخي إلى تحول الأرض إلى كوكب غير قابل لحياة البشر، خاصةً مع تزايدهم المستمر. لذلك قد يكون الحل لإنقاذ الجنس البشري حينها هو اللجوء إلى الأجرام السماوية الأخرى.

لذلك سيكون أمرًا عظيم الفائدة أن تتعاون البلدان معًا بتقنياتها في إطلاق المبادرات الفضائية. مثلما حدث في محطة الفضاء الدولية (ISS) وهي ثمرة تعاون 5 وكالات فضائية (الأمريكية والروسية واليابانية والكندية والأوربية) وتُعَد نموذجًا طيبًا لما يستطيع البشر تحقيقه إذا تعاونوا معًا. وسنحتاج على المدى البعيد إلى الكثير من المشاريع المشتركة وبرامج الفضاء التعاونية لاغتنام الفرص واستغلال الوقت لإنقاذ الجنس البشري.

اقرأ أيضًا:

نظام دفع مائي لأصغر مركبة فضائية يمكنك تخيلها، هذا ما نجحت ناسا باختباره

أسس ومبادئ الطيران في الفضاء: كيف يضع الصاروخ المركبة الفضائية في مدارها؟

ترجمة: حلا ناصر

تدقيق: حسام التهامي

مراجعة: أكرم محيي الدين

المصدر