قد تثبت عينات السيليكون المعالجة بالإشعاعات النيوترونية وجود القوة الخامسة غير المعروفة في الطبيعة ، وفقًا للباحثين. باستخدام تقنية تسمى «مقياس بندلسونج التداخلي»، استطاع فريق من الفيزيائيين بقيادة بينجامين هاكوك، من المعهد الوطني للمعايير والتكنولوجيا، تسليط حزم من الأشعة النيوترونية باتجاه بلورة من السيليكون بدقة غير مسبوقة، لفحص تفاصيل أدق مقارنةً بنتائج تقنيات الأشعة السينية.

كشفت التجربة عن خصائص سابقة لم تكن مثبتة في السيليكون، الذي يُعد مادة مهمة في التكنولوجيا، لا سيما معلومات أكثر تفصيلًا عن خصائص النيوترون، ووضع قواعد مهمة للكشف عن القوة الخامسة في الطبيعة، إذا ثبُت وجودها.

أضاف الفيزيائي ألبرت يانج من جامعة ولاية كارولينا: «علمًا أن مادة السيليكون مادة شائعة الانتشار، فإننا مازلنا نتعلم الكثير عن خصائصها الأساسية.

النيوترونات متعادلة الشحنة، ما يجعلها مثالية لسبر أغوار بلورات السيليكون، كونها لا تتفاعل مع الإلكترونات السالبة في المواد التي تُفحص. لا سيما أن للأشعة السينية بعض العيوب في أثناء قياس القوى الذرية داخل المواد، بسبب تفاعلها مع الإلكترونات السالبة».

تصدر النيوترونات الموجودة في النواة الذرية نتيجة الانشطار النووي. يمكن تركيزها في حزم من الأشعة بإمكانها اختراق المواد بعمق مقارنةً بالأشعة السينية، وتتشتت بفعل النوى الذرية، عوضًا عن الإلكترونات الذرية، ما يعني إمكانية استخدامها لسبر أغوار المواد بطرق مكملة لما تفعله قياسات الأشعة السينية.

يقول الفيزيائي مايكل هوبر من المعهد الوطني للمعايير والتكنولوجيا: «من الأسباب التي تجعل قياساتنا حساسة للغاية، قدرة النيوترونات على اختراق المواد بعمق مقارنةً بما تفعله الأشعة السينية، ما يمكننا من قياس مجموعة أكبر من النوى الذرية. لدينا دليل على أن النوى والإلكترونات لا تهتز بقوة، ما يغير فهمنا لكيفية تفاعل ذرات السيليكون معًا داخل شبكة بلورية».

لتحقيق ذلك، تُصَوب حزمة من الجزيئات باتجاه المادة. فور اختراق الحزمة للمادة، ترتد النيوترونات وتتناثر عبر الشبكة البلورية للذرات.

في بلورة سيليكون مثالية، تترتب الذرات في الشبكة وفقًا لمستويات تتكرر تبعًا للمسافة والاتجاه. قد يسبب ارتداد الأشعة خلال تلك المستويات حيود النيوترونات عن طريقها عبر الشبكة البلورية، ما يخلق طيفًا من الأنماط المتداخلة تسمى تذبذبات بينديلوسنج، التي تكشف خصائص هيكل البلورة.

يشرح هوبر: «تخيل وجود غيتارين متطابقين. انقرهما بنفس الطريقة، ثم قُد على طريق تتخلله مطبات –تمثل طول مستويات الذرة في الشبكة البلورية- والآخر على طريق سريع دون مطبات- يمثل التنقل بين مستويات الشبكة. مقارنة الأصوات الصادرة عن الغيتارين سيعلمنا عن تلك المطبات: ما حجمها، وما مدى سلاستها، وهل لها أشكال معينة؟».

منحتنا تلك التقنية قياسًا جديدًا لقطر الشحنة في النيوترونات. مع أن للنيوترونات شحنة متعادلة، فإن جسيمات الكوارك داخلها ليست كذلك. إذ يتكون النيوترون من كوارك علوي وكواركين سفليين. تبلغ شحنة الكوارك العلوي 3/2+، أما الكواركين السفليين فيحمل كل منهما شحنة سالبة مقدارها 3/1-، ما يعني أنها تلغي بعضها إجمالًا.

لكن داخل النيوترون، لا توزع الشحنة بالتساوي. إذ تتركز الشحنة الموجبة في المركز، في حين تلتف الشحنة السالبة قرب الحواف، وتُسمى المسافة بينهما نصف قطر الشحنة.

لا يتبع مقياس بيندلسونج العوامل التي ينتج عنها تناقضات باستخدام التقنيات المختلفة السابقة، ما يعني أن النتائج قد تكون مفتاحًا لتحديد نصف قطر النيوترون.

قد تضع تلك التقنية بعض القيود على القوة الخامسة التي لم تُكتشف بعد. وفقًا للنموذج القياسي للفيزياء، توجد في الطبيعة ثلاث قوى: القوية والضعيفة والقوة الكهرومغناطيسية، إضافةً إلى الجاذبية بوصفها قوة رابعة خارج النموذج القياسي.

اقترح بعض الفيزيائيين وجود قوة خامسة في الطبيعة، تفسر الملاحظات الغريبة غير المتفقة مع قوانين الفيزياء بعدد القوى الموصوفة حاليًا. إذا كانت تلك القوة موجودة بالفعل، فلا بد أن لها ما يحملها، كما تحمل الفوتونات القوة الكهرومغناطيسية.

طول النطاق الذي يتبعه حامل قوة معينة يتناسب عكسيًا مع كتلته. إذ يتمتع الفوتون عديم الكتلة بنطاق غير محدود. يقدم مقياس بيندلوسنج التداخلي قيودًا معينة يمكن أخذها في الحسبان عند البحث عن نطاق حامل القوة الخامسة، ما قد يضع حدًا لقوته.

ضيقت نتائج الفريق نطاق حامل القوة الخامسة بعشرة أضعاف، ما يضيق نطاق عمليات البحث المستقبلية عن القوة الخامسة.

قال يانج: «لم نحقق الدقة فحسب، بل ركزنا على تفاصيل معينة في البلورات، ولا نحتاج إلى مصادم كبير لتنفيذ التجربة، إذ يمكننا تجربتها على طاولة المختبر. إجراء هذه القياسات الدقيقة يسمح لنا بالمضي قدمًا للإجابة عن أكثر الأسئلة تحديًا في الفيزياء الأساسية».

اقرأ أيضًا:

تأكيد التصادمات الحاصلة بين النجوم النيوترونية والثقوب السوداء

موجات الجاذبية تستكشف مادة غريبة داخل النجوم النيوترونية

ترجمة: آية قاسم

تدقيق: دوري شديد

المصدر