الإجهاد شيء عظيم؛ فهو يجعلنا أسرع وأقوى وأذكى، كذلك يمرِّن أدمغتنا لأن تكون أفضل استجابة ومرونةً.

هذا هو أحد الأسباب التي تجعل الناس على استعداد لوضع أنفسهم في مواقف العمل المجهدة أو الانخراط في الرياضات المتطرفة.

لكنّ المشكلة تقع في أنّ الضغط غير المنضبط والمطلق يمكن أن يتركنا متجمدين على الفور وغير قادرين على التفكير، وهو شيء مألوف للغاية بالنسبة للأشخاص أثناء القائهم للخطابات أو التحدث في الأماكن العامّة أمام عدد كبير من الناس أو الطلّاب الذين يخضعون للاختبارات في قاعة الامتحان.

إن تطوّر الإنسان أدّى إلى تطوّر الضغط النفسي والإجهاد، فالإنسان البدائي كان يعيش على مقربة من الحيوانات المفترسة، وكان يعاني من قلة الغذاء ومن تفشي الأمراض.

بفهمنا لما يجري داخل أجسادنا ومحيطنا يمكننا أن نتعلّم السيطرة على الإجهاد والضغط واستخدامهما لمصلحتنا.

جسدك عند الإرهاق

عندما تشعر بالتوتر، يتعامل جسمك مع هذا الموقف كأنه حالة طارئة.

يتمّ الضغط على زر توربو (turbo button)، ويقوم جسدك بمضاعفة ردود فعلك وقدراتك؛ فتصبح إنسانًا خارقًا.

هذا يعني أنك تصبح أكثر يقظة، وقادرًا على الاستجابة بسرعة أكثر على التغيّرات من حولك، كما تزداد قدرتك على التذكّر، وحفظ كل ما تراه، وتسمع وتشعر به، وهذا الاهتمام المتزايد بالتفاصيل يمنحنا الشعور بأنّ الوقت لا يمر، وهذا ما يحصل أثناء حادث سيارة على سبيل المثال.

داخل الجسم، يتمّ تشغيل سلسلة معقدة من الهرمونات عن طريق إطلاق هرمون يطلق عليه اسم هرمون مطلق لموجهة القشرة (corticotropin-releasing hormone) بواسطة جزء صغير من الدماغ يعرف باسم هايبوثلاموس (hypothalamus)، الذي يؤدّي عدّة وظائف حيويّة للجسم إذ يضبط بعض عمليات الأيض، وبعض الأفعال اللا إرادية على سبيل المثال.

هذا يؤدّي إلى زيادة في التنفس وضغط الدم ومعدل ضربات القلب؛ للمساعدة في ضخ الدم والأكسجين في جميع أنحاء الجسم بشكل أكثر فعالية.

في الوقت ذاته، يقوم الكبد بتفكيك الجليكوجين، وهو مادة تخزين عالية الطاقة مشابهة للنشا في النباتات، وهو مصنوع في الجسم عن طريق الجمع بين جزيئات الجلوكوز (السكّر)، وبتفكيكه مرة أخرى ينتج الجلوكوز الذي تستخدمه أجسامنا للحصول على الطاقة.

تتسارع الدورة الدموية ويتمّ نقل الدم إلى كل الأعضاء في الجسم لدعم العضلات، والتي تظهر زيادة القوة والقدرة على التحمل.

يصبح جهاز المناعة الخاص بك أكثر فعالية، ويستعد الدم للتخثّر في حال كنت مصابًا.

يبدأ دماغك بالعمل بشكل أفضل وذلك بفضل حصوله على تغذية كافية بفضل الجلوكوز والأكسجين الذي يتم ضخهما حول الجسم مع تقدم سرعة الدم المتدفق إلى الدماغ.

ماذا عن الإرهاق؟

مثل محرك قوي، عندما نكون متوترين تزيد عمليّة الأيض، ولكن إذا كنّا بهذه الحالة لفترة طويلة جدًا، فإنّ جسدنا لن يتمكن من التحمّل، وستنفد طاقتنا.

على المدى القصير، التغييرات الفيزيولوجية، بما في ذلك زيادة ضغط الدم ومستويات أعلى من الجلوكوز في دمنا وانخفاض الشهيّة، هي تكيّفات مهمّة للتوتر، وتسبب عادة ضررًا بسيطًا للجسم.

لكن التوتر المزمن يمكن أن يؤدي إلى انخفاض فعالية وظيفة نظام مناعة مثبط، وارتفاع التعرّض لمرض السكري والنوبات القلبية والسكتات الدماغية ومجموعة من الحالات المرضية الأخرى.

تبذل أجسادنا قصارى جهدها للتكيُّف مع الضغط عند الحاجة، وذلك بمحاولة حماية أنفسها وتقليل احتمالية حدوث الضرر.

ولكن على الرغم من هذا، فإنّ الجسم يميل إلى الإجهاد، نظرًا لميزاته المحتملة في بقائنا.

التنفس للسيطرة على التوتر

أحد أبسط الأشياء التي يمكنك القيام بها لتخفيف الضغط هو التنفس، وهو أمر نعرف جميعًا كيف نقوم به.

إنّ وجود تقنيات التنفس في كل من تقنيات التأمّل التقليدية وطرق الاسترخاء الحديثة يعكس أهمية أخذ نفس عميق لتحسين وظائفنا الجسدية.

يمكن ملاحظة التأثير المباشر للقيام بذلك في انخفاض إنتاج واحد من هرمونات التوتر، هرمون النورأدرينالين (noradrenaline)، كما ستبدأ مستويات الكورتيزول (cortisol) -وهو هرمون إجهاد آخر- بالتقلّص.

توصّل بحث أجراه العلماء في معهد هوارد هيوز الطبي بجامعة ستانفورد، إلى أنّ هذه التغيرات مرتبطة بمجموعة من الأعصاب في أدمغتنا الذي تنظم تنفسنا تعرف باسم (pre-Bötzinger complex).

وجد العلماء أن التغيُّرات في التعبير عن جينات معينة في هذه الأعصاب، التي ترتبط فعليًا بالمناطق المهمة في الدماغ المرتبطة بالاسترخاء والانتباه والإثارة والذعر، يمكنها أن تهدئ الفرد.

التأثير الواضح هو أنّ طريقة التنفس تؤثّر بشكل مباشر على مستويات التوتر.

تتجلى تقنيات التأمل الحديثة في مفهوم تلخيص وتجريد الذهن، وهذا ما يُعرَف بجمع تقنيات التنفس وفكرة «العيش في الوقت الراهن»، مما يضع مخاوف الماضي والمستقبل خارج إطار حياة الفرد الحاضرة.

من الناحية النفسية، يساعد هذا المفهوم في الحدّ من مستوى التوقع المرتبط بالتخطيط والمخاوف المستقبلية غير الضرورية، في حين أنه على المستوى الفيزيولوجي يقلل فعليًا من إفراز هرمونات الإجهاد.

من خلال تعلّم استراتيجيات التكيُّف البسيطة، وفهم ما يجعلنا نتوتر، ومحافظتنا على مستويات من الإجهاد يمكن التحكّم فيها من خلال تقنيات التنفس، وكذلك أخذ فترات راحة منتظمة منه، يمكننا أن نبدأ في تعلّم كيفية استخدام الإجهاد لصالحنا بدلًا من السماح له بالتحكّم بنا والحدّ من آثاره السلبية.


  • ترجمة: د. صفا عازار
  • تدقيق: صهيب الأغبري
  • تحرير: تسنيم المنجّد
  • المصدر