وفقًا لتحليل جديد لبيانات المرصد الفضائي غايا، فإن أقرب عنقود نجمي إلى نظامنا الشمسي يتعرض للتمزق والاضطراب، لا لأسباب طبيعية فحسب، بل بسبب قوة جذبوية لشيء ضخم لا يمكننا رؤيته.

يقول علماء الفلك: «إن هذا الاضطراب قد يكون دليلًا على وجود كتلة غير مرئية من المادة المظلمة في مكان قريب، ما يُحدث اضطرابات جذبوية على أي جسم ضمن نطاقها».

في الواقع، إن تفكك العناقيد النجمية بفعل قوى الجاذبية أمر حتمي. العنقود النجمي، كما يوحي اسمه، هو تجمع كثيف للنجوم، وقد تكون تفاعلات قوى الجاذبية عنيفة جدًا داخله.

بسبب تلك التفاعلات الداخلية، وقوى المد والجزر المجرّية التي تمارسها المجرة على نفسها، قد ينتهي المطاف بالعناقيد النجمية بالانفصال إلى ما يشبه نهر من النجوم، يُسمى تيار المد والجزر المجرّي.

يصعب رصد هذه التيارات في السماء بسبب صعوبة قياس المسافات النجمية، ومن ثم تجميع النجوم معًا. يعمل المرصد الفضائي غايا على رسم خريطة ثلاثية الأبعاد لمجرة درب التبانة بأكبر قدر ممكن من التفاصيل، وأعلى دقة ممكنة، وتحصيل بيانات دقيقة الموقع والسرعة لأكبر عدد ممكن من النجوم.

نظرًا إلى أن النجوم المسحوبة من عنقود نجمي تشترك في نفس السرعة تقريبًا مع النجوم في العنقود، فقد ساعدت بيانات غايا علماء الفلك على تحديد العديد من تيارات المد والجزر المجرية التي لم تكن معروفة سابقًا، والعناقيد النجمية ذات الذيول المديّة. الذيل المدي هو ذيل من النجوم بدأ بالانفصال عن العنقود من الجهة الأمامية والخلفية.

سنة 2019، كشف علماء الفلك دليلًا في الإصدار الثاني لبيانات غايا على وجود ذيول مديّة متدفقة من عنقود القلائص النجمي على بعد 153 سنة ضوئية، وهو العنقود النجمي الأقرب إلى الأرض.

لفت ذلك انتباه عالمة الفلك تيريزا يرابكوفا وزملائها من وكالة الفضاء الأوروبية والمرصد الأوروبي الجنوبي، عندما أصبح الإصداران (2.5) و(3) من بيانات غايا متاحين، توسعت مراجع البحث لرصد النجوم غير المكتشفة سابقًا.

وجدوا المئات من النجوم المرتبطة بعنقود القلائص، يمتد مركز العنقود إلى نحو 60 سنة ضوئية، وتمتد الذيول المدّية آلاف السنين الضوئية.

يُعد وجود ذيول كهذه أمرًا طبيعيًّا إلى حد ما لعنقود نجمي تمزق بفعل قوى المد والجزر المجرية، لكن الفريق لاحظ شيئًا غريبًا، إذ أجروا عمليات محاكاة لاضطراب العنقود، فوجدوا عددًا أكبر بكثير من النجوم في تيار الذيل، أما في الواقع فقد كانت بعض النجوم مفقودة في العنقود.

أجرى الفريق المزيد من عمليات المحاكاة لمعرفة سبب اختفاء هذه النجوم، ووجدوا أن تفاعلًا جذبويًّا مع شيء كبير، نحو 10 ملايين ضعف كتلة الشمس، قد يكون السبب وراء الظاهرة المرصودة.

قالت يرابكوفا: «لا بد من وجود تفاعل كبير مع كتلة هائلة، أدى إلى تمزق عنقود القلائص».

مشكلة هذا السيناريو أننا لا نرصد أي شيء بهذا الحجم في أي مكان قريب. ومع ذلك فإن الكون مليء بالفعل بأشياء غير مرئية كالمادة المظلمة، الكتلة الغامضة التي لا نرى إلا تأثيرها الجذبوي في الأجسام المرئية.

وفقًا لتأثيرات الجاذبية، قدّر العلماء أن نحو 80% من كل المادة في الكون هي مادة مظلمة. يُعتقد أن المادة المظلمة جزء أساسي من تكوين المجرات، إذ تجمعت كتل كبيرة منها في الكون المبكر وشكلت مادة المجرات التي نراها اليوم.

مخطط لهالة المادة المظلمة في مجرتنا

مخطط لهالة المادة المظلمة في مجرتنا

يمكن العثور على كتل المادة المظلمة في «هالات المادة المظلمة» الممتدة حول المجرات. يُعتقد أن مجرة درب التبانة تمتلك هالة تمتد 1.9 مليون سنة ضوئية، وفي تلك الهالات يتوقع علماء الفلك وجود كتل أكثف، تُسمى المجموعات الفرعية لهالات المادة المظلمة.

قد تكشف عمليات البحث المستقبلية عن جسم قد يسبب اختفاء غريب للنجوم من تيار الذيل في عنقود القلائص. وإن لم تسفر الأبحاث عن نتيجة، يعتقد الباحثون أن الاضطراب قد يكون نتيجة المجموعات الفرعية لهالات المادة المظلمة.

تشير النتائج أيضًا إلى أن تيارات المد والجزر المجرية والذيول المدّية قد تكون أماكن ممتازة للبحث عن مصادر تفاعلات الجاذبية الغامضة.

قالت يرابكوفا: «مع غايا، تغيرت الطريقة التي نرى بها مجرة درب التبانة تمامًا، ومع هذه الاكتشافات، سنستطيع رسم خرائط للبنى الفرعية للمجرة بطريقة أفضل من أي وقت مضى».

اقرأ أيضًا:

اكتشاف عنقود نجمي مقذوف بأكمله خارج مجرته

معضلة المادة المظلمة: أحد أكبر الألغاز المتعلقة بالمادة المظلمة قد يكون مجرد خطأ رقمي

ترجمة: حمزة البدارنة

تدقيق: تسبيح علي

مراجعة: أكرم محيي الدين

المصدر