نتج عن حادثة المفاعل النووي الرابع في محطة تشيرنوبل عام 1986 أكبر تسرب للمواد الإشعاعية في البيئة في التاريخ البشري.

لقد كان تأثير التعرض الحاد لجرعات كبيرة من المواد الإشعاعية شديدًا على البيئة والسكان، لكن بعد ثلاثة عقود على الحادثة أصبحت تشيرنوبل أكبر احتياطي طبيعي في أوروبا، فقد وجدت الأنواع الحية المعرضة للخطر ملاذًا لها هناك مثل الدببة والذئاب وقطط الوشق.

يؤذي الإشعاع المادة الوراثية للكائنات الحية، ما يسبب طفرات غير مرغوب فيها، لكن حاول أحد أكثر الأبحاث المثيرة للاهتمام في تشيرنوبل تحديد وجود أنواع حية تكيفت للعيش مع الإشعاع.

يعد الإشعاع مثل غيره من الملوثات عاملًا انتقائيًا قويًا جدًا، يؤثر خصوصًا في العضويات التي تتمتع بآليات تزيد فرص النجاة في المناطق الملوثة بالمواد الإشعاعية.

الدور الواقي للميلانين من الإشعاع

بدأ العلماء في بحثهم في تشيرنوبل في عام 2016، واقتربوا من المفاعل النووي المتأذي، وحددوا عدة ضفادع شجر شرقية من نوع Hyla orientalis عليها صبغة سوداء غير طبيعية. كانت الضفادع طبيعيًا ذات لون أخضر لامع على ظهرها، على الرغم من وجود بعض الأفراد ذات لون أغمق.

يعد الميلانين مسؤولًا عن اللون الغامق للعديد من الكائنات الحية، ويقلل من الأثر الضار للأشعة فوق البنفسجية، كذلك يشمل دوره الحماية من الإشعاع المؤين، كما حدث مع الفطريات.

يمتص الميلانين الإشعاع ويبدد جزءًا من طاقته، إضافةً إلى ذلك يتخلص من الجزيئات المتأينة داخل الخلايا، مثل أنواع الأكسجين النشط، ونتيجةً لذلك من غير المرجح أن تتأذى الخلايا عند الأفراد المتعرضين للإشعاع، ما سيزيد من فرص نجاتهم.

لون ضفادع الشجر في تشيرنوبل

قرر العلماء دراسة دور الميلانين في الحياة البرية في تشيرنوبل بعد تحديد الضفادع السود الأولى عام 2016، فقد تفحصوا بين عامي 2017 و2019 تفاصيل تلون ضفادع الشجر الشرقية في مناطق مختلفة من شمال أوكرانيا، وخلال تلك السنوات الثلاث حللوا تلون جلد الظهر لـ 200 ذكر ضفدع التقطت من 12 مستنقع تكاثر مختلف، موزعة على طول مدرج كبير من التلوث الإشعاعي، وتضمنت أكثر الأماكن تعرضًا للإشعاع على الكوكب، إضافةً إلى أربع مناطق خارج منطقة انفجار مفاعل تشيرنوبل، وذات مستويات إشعاع طبيعية استُخدمت للمقارنة.

أظهر البحث أن تلون ظهر ضفادع الشجر في تشيرنوبل أغمق بكثير من الضفادع المأخوذة من مناطق المراقبة خارج منطقة الانفجار، إذ إن الضفادع ذات اللطخات السوداء التي اكتُشفت عام 2016 لم يرتبط تلونها بمستويات الإشعاع التي تعرضت له الآن التي يمكن قياسها عند جميع الأفراد، بل بالإشعاع في المناطق الملوثة أو بالقرب منها وقت حدوث الانفجار.

الاستجابات التطورية في تشيرنوبل

تقترح نتائج الدراسة أن ضفادع تشيرنوبل استمرت في تطورها السريع استجابةً للإشعاع. في هذا السيناريو كانت الضفادع ذات اللون الأغمق وقت وقوع الحادثة -التي مثلت تقريبًا الأقلية في مجموعاتها- محمية من الإشعاع بفضل صبغة الميلانين.

نجت الضفادع الأغمق لونًا من الإشعاع أكثر، وتكاثرت بنجاح أيضًا، فقد استمرت لأكثر من عشرة أجيال منذ الحادثة وأصبحت النوع السائد في منطقة الانفجار في تشيرنوبل، وقد فسر العلماء ذلك بعملية الانتخاب الطبيعي.

شكلت الدراسة التي أجريت على ضفادع تشيرنوبل السوداء خطوةً أولى لفهم أفضل للدور الوقائي للميلانين في البيئات المتأثرة بالتلوث الإشعاعي، إضافةً إلى فتحها آفاقًا لتطبيقات واعدة في مجالات متنوعة مثل تدبير النفايات النووية واستكشاف الفضاء.

يأمل العلماء أن تنتهي الحرب الحالية التي تحدث في أوكرانيا عاجلًا للعودة إلى متابعة الدراسة مع الخبراء الأوكرانيين لاستكشاف العمليات التطورية الساحرة في الأنظمة البيئية في تشيرنوبل.

اقرأ أيضًا:

كارثة تشيرنوبل النووية

كيف ازدهرت الحياة بعد 32 عامًا في منطقة تشيرنوبل المُشعة؟

ترجمة: هادي سلمان قاجو

تدقيق: جعفر الجزيري

مراجعة: نغم رابي

المصدر