تحتوي الفوتونات -تلك الجُسيمات الأولية المكونة للضوء- على مجموعة من الخصائص المثيرة للاهتمام، بما في ذلك حقيقة أنها لا تميل إلى التصادم مع بعضها البعض، لكن هذا لم يمنع علماء الفيزياء من المحاولة. توصل علماء الفيزياء في جامعة شيكاغو إلى طريقة جديدة ومرنة للغاية لجعل الفوتونات تتصرف بشكل يشبه الجُسيمات التي تكون المادة، هذا التصادم للفوتونات قد تنتج عنه بعض التقنيات الرائعة للحصول على جسيمات هجينة من الضوء -لا تحتوي على كتلة- وذلك عن طريق معرفة وجودها وجعلها تلتقي في حدود الذرة، والجمع بين خصائصها وخصائص الإلكترون.

يدرس الباحثون هذه التداخلات في المختبر منذ عدة سنوات وإلى الآن. تشكّل هذه العلاقات التشارُكية بين (الإلكترون والفوتون) نوعًا من الجسيمات شبه الهجينة تسمى (بولاريتون).

بغض النظر عن أصل التسمية، فإن وجود صفات تشبه صفات الضوء تسمح للبولاريتونات بالتحرك بسرعة في الفضاء، في حين تحدد الصفات الأخرى على المستوى الذري، ما يوفر لهم أفضل الصفات على كلا المستويين.

توفر هذه التقنية التي تعتمد على جسيمات هجينة ذات كتلة منخفضة إمكانيات كبيرة في مجال الحوسبة والاتصالات المشفرة، لذلك يحرص الفيزيائيون على السيطرة بشكل أفضل على التحكم فيها.

يقول عالم الفيزياء في جامعة شيكاغو لوغان كلارك: «نحن في طريقنا لمواجهة إحدى المشاكل، مشكلة أن الفوتونات تتفاعل فقط مع الذرات التي تكون مداراتها الإلكترونية في طاقات محددة بعناية».

إن التقييد باستخدام الإلكترونات في طاقات معينة فقط هو أمر مفيد مثل فائدة استخدام لوحة مفاتيح تحتوي على أحرف العلة فقط. أن يكون لدينا عدد أكبر من التفاعلات الإضافية سيكون أمرًا ذا فائدة إذا رغبنا في أن يكون لدينا مجموعة أوسع من التطبيقات.

كان الفيزيائي من جامعة شيكاغو لوغان كلارك يبحث عن طرق لمعالجة تعقيدات مستويات الطاقة الذرية من خلال الاستفادة من ميزة فيزياء الكم التي تقسم مدارات الإلكترون إلى نسخ عند هزّها بالطريقة المناسبة.

يقول كلارك: «لقد نظرنا دائمًا إلى النسخ كتأثير جانبي وليس كغاية»، ويضيف قائلًا: «لكن هذه المرة هززنا الإلكترونات بنية محددة، ألا وهي صنع النسخ».

يتطلب حالصول على جُسيم يهتز بطريقة كمومية مناسبة تطبيق الهندسة الفلوكية (Floquet engineering)، التي لها جذور في تاريخ تصليح المجالات الكهرومغناطيسية في أزمان محددة.

استخدم كلارك وفريقه ليزرًا لتحفيز الإلكترونات في ذرة روبيديوم نشطة، ما يجعلها في وضع أزيز. هذه الطريقة غيرت بشكل فعال الطيف اللوني للذرة. لا تحب الذرات في العادة التغيير في صفاتها. يبعث الهيدروجين نفس الطيف اللوني بغض النظر عن مكان وجوده في الكون، هذه الميزة تساعدنا في التعرف عليه وعلى عناصر أخرى في الفضاء البعيد.

ولكن عن طريق انتزاع مدارات إلكترونات الروبيديوم في الآلية الصحيحة، يمكن للفيزيائيين تغيير هذه المدارات عن طريق توليف الليزر بشكل صحيح ثم هزها، ما ينتج عنه عددًا من مستويات الطاقة الجديدة من كل مدار.

أصبحت العملية بعد ذلك عبارة عن دمج الفوتونات مع مدارات الإلكترونات المستنسخة التي تعمل على مستويات متعددة، وخلق تباين في شبه جسيمات هجينة أطلق عليها الباحثون اسم بولاريتونات فلوكية.

تتمتع هذه الجسيمات الهجينة بخصائص الضوء مع كمية صغيرة من الكتلة التي تتكون نتيجة التداخل مع الإلكترون.

على عكس البولاريتونات الأخرى، تكون هذه البولاريتونات موجودة في مساحة يمكن تخصيصها بشكل أفضل ويمكن التحكم فيها ببساطة عن طريق تعديل تردد أوساطها المحيطية.

يقول كلارك: «البولاريتونات الفلوكية مليئة بالمفاجآت؛ مازلنا نواصل فهمها بشكل أفضل»، ويضيف قائلًا: «على الرغم من ذلك، فإن عملنا التالي هو استخدام هذه الفوتونات المتصادمة لصنع سوائل طوبولوجية ضوئية. سيكون عملًا مثيرًا حقًا».

من شبه المؤكد أن استخدام الهندسة الفلوكية لمطابقة (قوس قزح الضوء) من مصادر مختلفة سيساعد على تطور تقنيات الفيزياء الكمومية، ناهيك عن توفير طرق جديدة لدراسة تفاعلات الضوء والمادة. قد لا تكون البولاريتونات أشعة ضوئية صلبة من الخيال العلمي، لكنها قد تضيء المستقبل.

اقرأ أيضًا:

البحث عن جسيمات لبتوكواركات

موضوع مثير في تأثير هول الكمي

ترجمة: أزهر البكري

تدقيق: سلمى توفيق

المصدر