فترة ثلاثة أشهر بالنسبة للفيروسات طويلة جدًا وكافية لتتطور وتنتشر بين أكثر من ثلاثة ملايين مضيف، إذ تصيب الطفرات بعض الفيروسات مثل فيروس الإنفلونزا بكثرة، وللحد من انتشارها نحتاج لتطوير لقاحات جديدة لها كل عام، لكن لحسن الحظ فإن فيروس كورونا الذي تسبب بالجائحة الحالية تصيبه الطفرات ببطء أكثر وبقيت مادته الوراثية ثابتة نسبيًا.

يعد هذا خبرًا سعيدًا بالنسبة للعلماء ومطوري اللقاحات الذين وضعوا هذا الفيروس نصب أعينهم لإيجاد لقاح أو علاج له، لكن هذا الخبر لا ينفي قدرة الفيروس على التطور.

أجريت دراستان جديدتان لتحليل طفرات فيروس سارس- كوف-2، صدرت إحداهما عن جامعة ولاية أريزونا وأعلنت عن اكتشاف خبن (حذف) كبير في المادة الوراثية لفيروس أُخذ من إحدى العينات، أما الدراسة الثانية من مختبر لوس آلاموس الوطني تعقبت الطفرات التي نشأت في ظل هذه الجائحة، وركزت على واحدة من السلالات لاعتقاد الباحثين أنها أشد عدوى من السلالة الأصلية التي نشأت في ووهان، وما زالت هذه الدراسة قيد المراجعة.

نجحت دراسة أريزونا في التعرف على ثلاثة جينومات كاملة الطول أخذت من سلسلة من العينات، ووجدت أن أحدها امتلك خبنًا كبيرًا في مورثة تدعى ORF7a يشمل 81 زوجًا من الأساسات النكليوتيدية، وأطلق عليه اسم AZ-ASU2923.

تشرف هذه المورثة على صنع بروتين يساعد الفيروس على تجنب الجهاز المناعي وقتل الخلية المضيفة عند إتمام عملية تكاثره، وبذلك يسهل عليه الانتشار والتكاثر في جسم المريض.

الطفرات تصيب فيروس كورونا.. ماذا يعني ذلك - قدرة الفيروس على التطور - فيروس سارس- كوف -2 - الطفرة الشوكية D614G - المورثة 8ORF

يفسر عالم الفيروسات وأحد القائمين على هذه الدراسة إفريم ليم اهتمامه بهذه الطفرة بقوله: «تذكرنا هذه الطفرة بالخبن الكبير الذي سبب جائحة فيروس سارس عام 2003».

لا يعلم الباحثون بعد كيف ستؤثر هذه الطفرة على الفيروس وما تزال قيد الدراسة، لكن الأبحاث السابقة على المورثات المشابهة تؤكد أنها لا توجد سوى في فيروسات مفردة، ولهذا نعتقد أنها تؤدي إلى نقص فعالية الفيروس الطافر.

يوضح الباحثون هذا الاعتقاد: «تحدث أخبان مشابهة في فيروس سارس- كوف -2 وبالأخص في المورثة 8ORF، ما سيؤدي غالبًا إلى خفض كفاءة الفيروس».

يتابع الباحثون قولهم: «عمومًا، تشير الجهود العالمية المبذولة للتعرف على الجينومات إلى أن جينوم سارس- كوف-2 مستقر نسبيًا، ويمكن تتبع الطفرات الفعالة لدى الأشخاص الذين تظهر عليهم أعراض مميزة».

من ناحية أخرى، حظيت دراسة مختبر لوس آلاموس بتغطية إعلامية أكبر من سابقتها مع أنها ما زالت في مرحلة المراجعة.

صمم الباحثون في هذه الدراسة مسارًا تحليليًا لتتبع طفرات فيروس كورونا المستجد وبالأخص تلك الطفرات المرتبطة بالبروتينات السطحية الشوكية، ووجدوا 14 طفرةً مرتبطة بهذه الأشواك وما يزال العدد في ارتفاع مع ازدياد انتشار الفيروس، لكن إحدى هذه الطفرات أقلقت الباحثين.

هذه الطفرة أصغر من التي اكتشفتها دراسة أريزونا، فهي تناذر (تبادل) بين زوج أساسات نكليوتيدية، علمًا أن معظم الحالات المدروسة احتوت أيضًا على تناذرين مفردين آخرين في مورثتين مختلفتين.

فسر الباحثون قلقهم تجاه هذه الطفرة بقولهم: «بدأت الطفرة الشوكية D614G الانتشار في أوروبا في بدايات شهر فبراير وأصبحت النمط السائد في المناطق الجديدة التي انتقلت إليها، لكننا لم نجد ارتباطًا وثيقًا بين هذه الطفرة والحالات التي تتطلب دخول المستشفيات».

لم يحسم الفريق بعد رأيه حول هذا الارتباط، لأن عدد الإصابات بالفيروس الطافر تجاوز عدد الإصابات بالفيروس الأصلي الذي نشأ في ووهان -الذي يسمى 614D- في بعض المناطق، بالإضافة إلى كونه أشد نقلًا للعدوى، لذا وجب التحذير باكرًا من هذه السلالة لمنعها من التأثير على عملية تطوير الأدوية واللقاحات.

لا يعتقد جميع الباحثين أن هذه الطفرة ستغير قدرة الفيروس على الانتشار، إذ يقول عالم الوبائيات من جامعة هارفارد بيل هاناج: «الغالبية العظمى من الجينومات المسلسلة المعزولة تعود لعينات من الجائحة الأوروبية التي انتشرت بعنف أكبر من الجائحة الصينية. قد يحدث هذا الانتشار الكبير لأن الفيروس الطافر معدٍ أكثر، لكنه قد ينتج أيضًا عن تأخر التحذيرات والاحتياطات ما سمح للفيروس بالانتشار أسرع وعلى نحو أكبر».

ستستمر الفيروسات بتغيير مادتها الوراثية ببطء، مثل أي كائن يملك مادةً وراثية. تقدر نسبة حدوث الطفرات لدى سارس- كوف-2 بأقل من 25 مرةً في السنة، وهي قليلة بالمقارنة مع فيروس الإنفلونزا الذي تصل نسبة حدوث الطفرات فيه إلى 50 مرة في السنة. معظم هذه الطفرات محايدة، أي لا تأثير لها على الفيروس تقريبًا، ويسبب القليل منها الأذى للفيروس نفسه ويقوده للفناء، لكن لنسبة ضئيلة من الطفرات أثر إيجابي على الفيروس.

تحدث هذه الطفرات لدى كل العضويات لكنها نادرة جدًا، وأبرز مثال هو مقاومة الجراثيم للمضادات الحيوية، لكننا لا نعلم بعد أي نوع من الطفرات هي D614G بالنسبة لفيروسنا الجائح.

الخبر الجيد هو أن الباحثين يتعقبون هذه الحالة، ولا شك أنهم سيحددون تفاصيلها بوضوح قريبًا. من المخيف سماع خبر تطور فيروس خطير وتحوله إلى شكل أشد عدوى، لكن يجدر بنا الحفاظ على برودة أعصابنا، فالفيروسات جميعها تتطور وتتغير، وفيروس كورونا لا يُستثنى من ذلك.

اقرأ أيضًا:

ماذا يعني “البقاء للأصلح” في ظل جائحة فيروس كورونا؟

هل صنع فيروس كورونا في ووهان؟ إليكم رأي العلم

ترجمة: رضوان مرعي

تدقيق: غزل الكردي

المصدر