بدأت الحياة في بعض الدول بالعودة إلى مجاريها الطبيعية بعد حوالي العام من الدخول إلى الحجر الصحي لأول مرة بسبب مرض الكورونا. هناك شعور عام بالتفاؤل الحذر من أننا ابتدأنا نرى النور في نهاية نفق أزمة الكورونا المقيت. من الجدير أن نقيّم بشكل أولي ما تعلمناه من هذه الفترة:

  1. على الرغم من أن هذه السنة كانت قاسية علينا جميعا، وبالذات على هؤلاء الذين مرضوا أو فقدوا أعزاء لهم لهذا المرض اللعين، إلا أن تطوير تطعيم ضد الكورونا حدث بسرعة مذهلة نسبيا لتطوير لقاحات لأوبئة أخرى عانت منها البشرية في السابق. العودة التدريجية للحياة أتت بفضل الفهم العلمي لفيروس الكورونا وتطوير عدة أنواع تطعيم مكنتنا من العودة التدريجية للحياة الطبيعية. علينا أن نشكر العلماء الذين طوروا هذا التطعيم بسرعة قياسية غير مسبوقة في تاريخ البشر. الفهم العلمي للواقع هو حجر الأساس في التغلب على مصاعب من هذا النوع وليس الغيبيات ونظريات المؤامرة التي ما زالت تنبت، كحشائش الربيع، في كل مكان.
  2. كانت للممارسات اليوميّة التي نصحتنا بها المؤسسة الطبية، مثل استعمال الكمامة والابتعاد الاجتماعي ووضع المرضى والمرشحين للمرض في حجر صحي، دور هام جدا في تخفيف عدد المرضى. لولا هذه الإجراءات لكان الثمن الذي جناه هذا المرض وما زال يجنيه أكبر بكثير مما هو عليه (من يشك بهذا، فلينظر إلى وضع أمريكا من ناحية هذا المرض).
  3. أوضحت هذه الفترة لنا العمل المقدس الذي يقوم به العاملون في مجال الصحة وفي المؤسسة الطبية إجمالا، أولئك الذين لولاهم ولولا تضحياتهم لكان وضعنا أسوأ بكثير.
  4. نظريات المؤامرة ما زالت تغطي صفحات التواصل الاجتماعي وغيرها من المنابر. رأينا خلال العام الماضي عشرات من مثل هذه النظريات التي تولد في مخيلة الناس أسبوعيا، لكنها لا تفتأ أن تموت سريعا على مذبح الواقع والحقائق الموضوعية. على الرغم من أنه ما زال هناك من يختلق المؤامرات، فالحقيقة البسيطة واضحة، وهي أنه لا توجد نظرية مؤامرة واحدة تداولها الناس حول الكورونا إلّا وباءت بالفشل الذريع.
  5. لا يوجد مجتمع لا يحتاج إلى المعرفة العلمية، ومن يدّعِ غير ذلك، عليه أن يطالب الناس بالتوقف عن أخذ الأدوية حين تمرض، أو عن أن يركبوا السيارة حين يريدون السفر، أو عن استعمال الهواتف الذكية، وإلى ما ذلك من متطلبات أساسية في حياتنا لم تكن ممكنه من غير تطور العلم والتكنولوجيا في عصرنا. القرار الذي يجب على المجتمعات أن تتخذه هو، إمّا أن تكون من بين الشعوب التي تطور العلوم والأفكار والمعارف، أو من تلك التي تقف جانبا، أو حتى أن تحارب هذا التطور.
  6. من الأفضل للمرء بكثير أن يعيش في دول تثق بالعلوم وتستثمر بها من أن تعيش في دول ومجتمعات مظلمة تقدس الغيبيات المظلمة وتحارب أو تقمع المعرفة العلمية والفكرية. لهذا هناك دور هام جدا على القطاعات المتنورة أن تلعبه في هذه المجتمعات المسكينة وعليها ألّا تتقاعس عنه؛ عليها محاربة الجهل والغيبيات التي تفتقد الأساس والقمع الفكري والاجتماعي والسياسي. هذه التغييرات هي تغييرات حتمية في أي مجتمع يريد أن ينهض ويصبح سيد مصيره ومستقبله.
  7. في نهاية مقال كتبته قبل عام تقريبا، حول كيفية فهمنا للواقع الذي يحيط، متخّذا من التعامل العلمي مع وباء الكورونا كنموذج للطريق الذي يجب علينا أن نتبعه، كتبت ما يلي: ” لعلّ هذه النكبة بالرغم من مآسيها تذكّر البشريّة مجددًّا أنّ المعرفة هي أهمّ أدواتنا التي نشكّل بها مستقبلنا، كما لعلّها تعلّمنا من جديد أنّ العقل والمنطق والحقائق الموضوعيّة هي الأساس المتين الذي نبني عليه معتقداتنا وأفكارنا، وليس العكس.”

كلي أمل أن نكون، أو يكون بعضنا على الأقل، قد تعلمنا الدرس الصحيح.