لنفترض أننا أوقفنا انبعاثات غازات الاحتباس الحراري بين عشية وضحاها، فسترتفع المحیطات على الرغم من ذلك قدمًا ونصف بحلول عام 2100. إذا كنا أكثر واقعیة، فسيزداد ارتفاع مستوى البحر غالبًا قدمین أو ثلاثة أقدام، ويهدد الفيضان المتوقع نتيجة ارتفاع مستوى البحر حياة مئات الملايين من الناس وأعدادًا هائلة من البنى التحتیة على طول سواحل الكوكب.

حاول العلماء تقدير عدد الأشخاص المعرضين للخطر، لكن -وفقًا لدراسةٍ حدیثة- كل هذه التقدیرات متفائلة إلى حد بعيد.

یشیر البحث الذي نُشِر في مجلة اتصالات الطبيعة إلى أن عدد قاطني السواحل حول العالم المهددين بارتفاع مستوى البحر يفوق التوقعات السابقة ثلاث مرات.

یعمل سكوت كولب وبنجامين ستروس عالما المناخ اللذان يقفان وراء هذه الدراسة الحديثة بمنظمة Climate Central، وقد خلصا إلى أن 110 ملايين شخص حول العالم یعیشون أصلاً في مناطق ذات مستوى أدنى من مستوى المد العالي -أعلى مستوى یصله المد- الحالي، ويسكن حوالي 250 مليون شخص في مناطق ذات مستوى أدنى من مستويات الفيضان السنویة الحالیة.

عدد الذين سيواجهون خطر ارتفاع المحیطات یفوق أكثر توقعاتنا تشاؤمًا - ارتفاع مستوى البحر يفوق التوقعات السابقة ثلاث مرات - ذوبان جليد القطبين

یبین النموذج أيضًا أن عددًا لا بأس به من الناس یعیشون الیوم بمناطق ترتفع بالكاد عن مستوى المد العالي، وذكر ستروس في معرض حديثه إلى صحيفة Business Insider: «هناك تمركز هائل جدًا للكثافة السكانية بالمساحات الأرضیة الدنیا على طول السواحل حول العالم، اتضح أن هناك ما یزید عن 3 ملايين شخص لكل بوصة عند الأمتار الأولى فوق مستوى سطح البحر، ویعیش ربع مليار شخص بمناطق ترتفع بالكاد عن مستوى المد العالي».

في القرن العشرین، ارتفع مستوى البحر المتوسط العالمي 15 سنتیمترًا بسبب ارتفاع درجة حرارة المياه وذوبان الصفائح الجليدية، وتسبب ذلك في تزايد فيضانات المد العالي التي تدعى بالإنجلیزیة عادة بمد الملك king tide أو فيضانات الأيام المشمسة sunny-day floods.

یمكن لهذا النوع من الفیضانات أن یحدث في أي وقت ترتفع فیه میاه المحیط إلى مستویات تتجاوز القدرة الاستیعابیة المُصَّممة للبنى التحتیة الساحلیة، على عكس الفیضانات العاصفیة التي تحدث خلال الأحداث الجویة القاسیة كالأعاصیر.

من أجل هذه الدراسة الجديدة، اطلع الباحثون على بيانات من 135 دولة لعدة سیناریوهات انبعاثات وجداول زمنیة.

یعتمد التقییم الدولي لخطر الفيضانات عادة على بيانات البعثة الطوبوغرافية للرادار المكوكي Shuttle Radar Topography Mission التابعة لناسا، والتي رسمت خريطة ارتفاع الدول عن مستوى سطح البحر من الفضاء.

لكن تعتمد هذه البيانات على قمم البنايات لحساب الارتفاع عوض الاعتماد على الارتفاع الحقيقي للأرض التي تقف علیها. ومن ثمّ اعتمد ستروس وكولب نموذجًا جدیدًا صُمِّم لتصحیح هذا التفاوت.

وجدا أنه حتى في ظل سیناریو شدید التفاؤل تبلغ فیه انبعاثات الاحتباس الحراري ذروتها في العام القادم ثم تنخفض، سیعیش 190 مليون شخص في أراض تنخفض عن مستوى البحر بحلول نهاية القرن.

إذا استمرت الانبعاثات بالارتفاع حتى عام 2100، قد يرتفع هذا العدد إلى 630 مليون شخص حول العالم، أي ما یقرب من ضعف عدد سكان الولایات المتحدة الأمریكیة حالیًا. هذه الأرقام هي ثلاثة أضعاف حسابات العلماء المعتمدة حصرًا على بيانات ناسا.

استطرد ستروس قائلًا: «أوضحنا أنه لا يمكنك أن تقيس خطر الفيضانات من تحلیل ارتفاع الأسطح، يجب أن تعرف ارتفاع الأرض تحت قدميك».

وأضاف ستروس أن أكثر ما يبعث على القلق هو أن عدد الأشخاص القاطنين حالیًا على ارتفاع یقل 10 أمتار عن مستويات المد العالي الحالیة مليار شخص، يعيش ربعهم عند ارتفاع متر واحد تحت مستوى المد العالي.

يقول ستروس: «تحمل هذه الأرقام المهولة دلالات واضحة».

تشير نتائج هذه الدراسة إلى أن سكان آسيا وإندونیسیا بالأخص مهددين بهذه القضية بحالٍ غير متناسب.

مجموع السكان على الأراضي المعرضة للخطر

مجموع السكان على الأراضي المعرضة للخطر

وجد النموذج أن 237 مليون شخص في الصين، وبنغلادیش، والهند، وفیتنام، وإندونيسيا وتایلاند قد یواجهون تهدیدات بفیضانات ساحلیة سنویة بحلول عام 2050، وقد يصل هذا العدد إلى 250 مليون شخص، وقد يرتفع مستوى البحر ثلاثة أقدام بحلول عام 2100 إذا استمرت الانبعاثات دون رادع.

أشار تقریر جدید من الهیئة الحكومیة الدولیة المعنیة بتغير المناخ التابعة لمنظمة الأمم المتحدة إلى أن التقديرات الحالية للارتفاع المستقبلي لمستوى البحر جد متفائلة.

وجد المؤلفون أنه في حال ارتفاع درجة حرارة الأرض بأكثر من 3 درجات مئوية، فإن مستويات المياه سترتفع بمتوسط 3 أقدامٍ بحلول عام 2100، وقد ارتفع متوسط درجة حرارة الكوكب بالفعل درجة مئویةٍ واحدة، وارتفعت مستويات البحر عالمیًا 15 سنتیمترًا، وخلص التقرير إلى أن الارتفاع في تسارعٍ مستمر.

یشیر تقرير الهيئة إلى أن ارتفاع مستويات البحار سيؤثر على الأرجح على 680 مليون شخص بالمناطق الساحلية المنخفضة، وعلى 65 ملیونًا من ساكني دول جُزُرِیة صغیرة بنهایة القرن. ذكر ستروس أن دراسته الجدیدة مبنية على هذه النتائج.

السبب الرئيسي في ارتفاع مستوى البحر، حسب الهیئة، هو ذوبان القطب الجنوبي وصفائح جرينلاند الجليدية بستة أضعاف سرعة ذوبانها قبل أربعة عقود.
تغطي صفائح جرينلاند الجلیدیة مساحة تقارب 1.7 مليون كيلومتر مربع، أي ما يعادل مساحة ولاية تكساس الأمریكیة ثلاث مرات تقریبًا. تحتوي هذه الصفائح وصفائح القطب الجنوبي الجلیدیة، على 99% من المیاه العذبة لكوكبنا، طبقًا المركز الوطني الأمريكي لبيانات الثلوج والجليد.

إذا حدث أن ذاب جليد جرينلاند كاملًا -سیستغرق هذا الأمر بكل تأكيد عدة قرون- سیرتفع مستوى البحر بمتوسط 7 أمتار، وذلك كافٍ لغمر الطرف الجنوبي لولاية فلوريدا الأمریكیة.

إذا حدث أن ذاب جليد جرینلاند والقطب الجنوبي كاملًا، سیرتفع مستوى البحر أكثر من 61 مترًا، وستختفي ولاية فلوريدا.

یتسبب ارتفاع درجة حرارة المحيطات بدوره في ارتفاع مستوى سطح البحر -بغض النظر عن ذوبان الجلید- بسبب تمدد الماء بالحرارة، إذ تمتص المحيطات 93% من حرارة الاحتباس الحراري الزائدة العالقة في الأرض.

أوردت مارغريت ویلیامز مديرة تسییر برنامج الصندوق العالمي للحياة البرية بالقطب الشمالي في حديثها إلى موقع Business Insider: «الرسالة الأهم التي یجب أن نستشعرها هي أن عدد الأشخاص المهددین بارتفاع مستوى البحر في هذا القرن، استثنائي».

حسب ستروس، یجب أن تشكل التقدیرات الجدیدة حافزًا للتصدي لهذا التهديد على الفور.

صرح ستروس: «حتى ونحن نستعرض وجود تهديد أخطر بكثير جراء ارتفاع مستوى البحر، فنحن نعرف أن للحَد من الانبعاثات منافع أعظم من ذلك بكثير»، وأضاف: «یمكن لهذه البیانات الجدیدة أن تكون أداة مفيدة للمدن والدول لتخطيط أفضل للمستقبل الذي سیواجه سكانها الساحليين».

اقرأ أيضًا:

هذه البلدان الساحلية بدأت بخسارة أراضيها بسبب ارتفاع مستوى البحر لليابسة

تقديرات بارتفاع مستوى سطح البحر قد يتضاعف خلال الـ 100 سنة القادمة

المترجم: أمین البكدوري

المدقق: سمية المهدي

المصدر