لماذا يتخذ الكون تلك الطريقة التي يعمل بها؟ طرح العلماء طرقًا عدة لشرح ماهية الكون، مما ساقهم إلى بعض الأفكار الجنونية والمثيرة في الوقت ذاته.

ذكرنا هنا بعض أقوى الأفكار المطروحة، بدءًا من سيناريو الكون الغشائي، المتضمن كونًا يطفو في أبعاد عليا، مرورًا بالاصطدام الكبير، الذي يشرح اصطدام مثل تلك الأغشية الكونية لتكوين كون جديد تمامًا.

1- الكون الغشائي

أحد الأوجه التي نتفق عليها في الكون هي وجود ثلاثة أبعاد مكانية. تطرح بعض النظريات وجود أبعاد مكانية أخرى لا يمكننا إدراكها، تلك الأبعاد الفضائية العُليا يُشار إليها باسم الجسد الشامل، إذ يطفو كوننا الغشائي ثلاثي الأبعاد في جسد الكون الشامل.

مع أن فكرة الكون الغشائي معقدة فهي تحل عدة معضلات فيزيائية، مثلًا يقترح الفيزيائيان النظريان ليسا راندال من جامعة هارفرد ورامن سندروم من جامعة مارلند نموذجًا للكون الغشائي يشرح التماثل بين القوى دون الذرية، إذ يفترض وجود أغشية كونية موازية لغشائنا الكوني، لكن لم يكن هذا كافيًا لإثباتها، إذ إن على النظرية أن تقدم تنبؤات يمكن اختبارها تجريبيًا.

في حالة نموذج راندال-سندروم، قد تتضمن اختبارات النظرية قياس موجات الجاذبية المنبعثة بواسطة ثقب أسود يربط غشاءً بآخر.

2- الاصطدام الكبير

انطباع تصوري لاصطدام الأغشية الكونية معًا. عندما يصطدم اثنان منها ربما يُخلق كون جديد.

في المستقبل، ستبتعد المجرات عن بعضها حتى لا يمكن ضوء إحداها أن يصل إلى الأخرى.

في الواقع -على غرار تطور النجوم وموتها- سيأتي وقت لا تبعث فيه أي ضوء أو حرارة، حيث سيكون الكون مظلمًا باردًا فارغًا، ستبدو كأنها نهاية كل شيء. تطرح إحدى النظريات أن يكون هذا بداية كون قادم في دورة لا نهائية.

هل تذكر الأغشية الكونية التي تحدثنا عنها سابقًا؟ يعتقد عالما الكونيات نيل تروك وبول شتاينهاردت أنه عندما يصطدم غشاء بارد بآخر-وهذا لا بد أن يحدث ولو بعد حين- ستتولد طاقة كافية لخلق كون جديد كامل، وقد أطلقوا على هذا الحدث «نظرية الكون الملتهب»، وأطلق عليها الفيزيائي ميتشو كاكو «الاصطدام الكبير».

3- الكون المليء بالبلازما

عشر نظريات مدهشة عن الكون - لماذا يتخذ الكون تلك الطريقة التي يعمل بها؟ بعض أقوى الأفكار المطروحة التي تثير الدهشة حيال الكون الذي نعيش فيه

تظل نظرية الانفجار العظيم النظرية المفضلة لدى العلماء، إذ يدعمها اثنان من الملاحظات الرصدية، التمدد الكوني والخلفية الكونية الميكروية. مباشرةً بعد الانفجار العظيم كان الكون صغيرًا وحارًا جدًا، إذ امتلأ بالبلازما المتوهجة كما في شمسنا. ما زلنا قادرين على رؤية نهاية تلك المرحلة الحارة على شكل بحر من الإشعاع يملأ الكون كله.

برد ذلك الإشعاع بفعل تمدد الكون عبر مليارات السنين، إذ وصلت درجة حرارته الآن إلى -270 درجة سيليزية، وما زال يمكن التقاطها عبر التليسكوبات الراديوية.

يبدو إشعاع الخلفية الكونية متماثلًا في جميع الجهات وهو أمر لا يمكن حدوثه إذا تمدد الكون بمعدله الحالي طيلة الوقت.

اعتقد بعض العلماء أن الكون قد مرَّ بفترة تسمى «التضخم» بعد الانفجار العظيم بفترة وجيزة، إذ خلال جزء صغير جدًا من الثانية تضخم الكون فجأة من المقياس دون الذري إلى عدة سنوات ضوئية.

4- الكون الهولوجرافي

فكر في وجود ملصق أمان ثلاثي الأبعاد، لكنه أساسًا جسم ثنائي الأبعاد يشفر صورة كاملة ثلاثية الأبعاد. وفقًا لتلك النظرية، قد يكون كل الكون ثلاثي الأبعاد قد شُفر على سطح ثنائي الأبعاد.

ربما ليس الأمر مثيرًا كالعيش في محاكاة، لكن له أفضلية تجعله قابلًا للاختبار علميًا. عرض بحث تابع لجامعة ساوثمبتون بالمملكة المتحدة أن النظرية متسقة مع أنماط التقلبات المرصودة في الأشعة الكونية الميكروية.

5-الكون الثابت

وفقًا لناسا، تُعد نظرية الانفجار العظيم النظرية الأفضل لشرح كيف بدأ الكون. كان الكون أكثف في الماضي وسيصبح أقل كثافة في المستقبل، لكن ذلك لم يكن مقنعًا لجميع العلماء، لذلك وجدوا طريقة لجعل الكثافة ثابتة حتى مع تمدد الكون.

هذه الطريقة تضمن الوجود المستمر لثلاث ذرات هيدروجين في المتر المكعب الواحد لكل مليون سنة. لكن اكتشاف الخلفية الكونية الميكروية كان عائقًا لهذا النموذج.

6-تعدد الأكوان

هل كوننا مجرد فقاعة وسط العديد من الأكوان المتعددة؟

هل كوننا مجرد فقاعة وسط العديد من الأكوان المتعددة؟

وفقًا لنظرية الانفجار العظيم، يتحتم وجود ما يُسمى فترة التضخم، لتفسير تناسق الخلفية الكونية الميكروية، إذ تفترض النظرية وجود فترة تضخم سريعة جدًا حدثت بعد الانفجار العظيم مباشرة. يعتقد العلماء أنه عند انتهاء هذه المرحلة التضخمية، كان مجرد فقاعة تطفو في بحر شاسع في الفضاء المتضخم. تلك الفرضية التي اقترحها بول شتاينهاردت تسمى «التضخم الأبدي»، إذ تظهر العديد من الفقاعات الكونية باستمرار في أجزاء مختلفة من فضاء شاسع متضخم، فيما يسمى ببساطة الأكوان المتعددة.

أخذت النظرية منحنى غريبًا ومثيرًا، لأنه لا يوجد سبب يحتم على قوانين الفيزياء أن تكون في جميع تلك الأكوان مماثلة لكوننا، ربما امتلك بعضها جاذبية أقوى، أو ربما كان الضوء أسرع. مع ذلك لا يمكننا رصد الأكوان المتعددة مباشرةً. لكن ربما اصطدم أحدها بكوننا، حتى أن بعض العلماء يعتقدون أن وجود مناطق باردة في الخلفية الكونية الميكروية سببه مثل تلك الاصطدامات.

7-فهمنا الخاطئ للجاذبية

هل تحيط المادة المظلمة بمجرتنا أم أن قوانيننا للجاذبية لم تكن صحيحة؟

هل تحيط المادة المظلمة بمجرتنا أم أن قوانيننا للجاذبية لم تكن صحيحة؟

تعتمد نظرياتنا للكون على فهمنا الدقيق للجاذبية، القوة الفيزيائية الوحيدة في الكون التي تربط الأجسام الكبيرة معًا. لكن لم تكن الجاذبية كافية لشرح بعض المشاهدات الفلكية. إذا قسنا سرعة النجوم عند حافة المجرة لوجدناها سريعة للغاية، إلى درجة أنه من المفترض أن تغادر حافة المجرة، إذ لا تكفي قوة الجاذبية لتفسير استمرار وجود تلك النجوم عند الحافة رغم سرعاتها العالية، وبالمثل تظل العناقيد المجرية مترابطة بقوة أكبر من قوة الجاذبية المفترض وجودها وفقًا للمادة المرئية للعناقيد.

لذلك تفسيران، الأول -المفضل لمعظم العلماء- هو وجود كتلة غير مرئية تسمى المادة المظلمة، التي قد تفسر الجاذبية المفقودة، التفسير البديل أن تكون قوانيننا للجاذبية خاطئة ويجب استبدالها بما يُسمى ديناميكا نيوتن المعدلة.

اقترح العلماء وفقًا لبحث منشور عام 2002 أن كلا الخيارين يتوافق مع الملاحظات المرصودة، لكننا بحاجة إلى مزيد من التجارب لإثبات أحدهما.

8- الزمكان فائق الميوعة

حتى إن كان الفضاء يحوي ثلاثة أبعاد مكانية فقط، ما زال هناك البعد الرابع المتمثل في الزمن.

لذلك يمكننا تصور الكون في أربعة أبعاد. وفقًا لنظرية اقترحها العالم استيفانو ليبراتي من الجامعة الدولية للدراسات المتقدمة، ولوكا ماكيوني من جامعة لودفيج ماكسيميليان، منشورة في مجلة عرض رسائل الفيزياء، فإن الزمكان ليس مجرد إطار يحوي الأجسام كالنجوم والمجرات، بل مادة بحد ذاتها، مثل ماء المحيط. وكما يحوي المحيط عددًا لا يحصى من جزيئات الماء، فإن الزمكان -وفقًا للنظرية- يتكون من جزيئات دقيقة، أصغر بكثير مما يمكن أدواتنا أن تدركه.

تلك النظرية تصور الزمكان أنه فائق الميوعة صفري اللزوجة، ومن الخصائص الغريبة لهذا المائع أنه لا يدور بالكامل مثل سائل عادي تُقلِّبه، بل ينقسم إلى عدة دوامات صغيرة، في حالة الزمكان فائق الميوعة قد تكون تلك الدوامات هي بذور نشأة المجرات.

9- نظرية المحاكاة

وفقًا لبعض الفلاسفة، فإن الكون ليس إلا جهاز حاسوب يخلق الوهم في أدمغتنا

وفقًا لبعض الفلاسفة، فإن الكون ليس إلا جهاز حاسوب يخلق الوهم في أدمغتنا

دومًا يطرح العلماء النظريات، أما تلك النظرية فطرحها الفلاسفة.

لما كانت جميع معلوماتنا عن الكون حصلنا عليها باستخدام حواسنا وأدواتنا العلمية، فلم لا يكون كل ذلك مجرد وهم صُمم بذكاء؟ حيث الكون بأكمله مجرد محاكاة حاسوبية فائقة التعقيد.

روج فيلم «ماتريكس» فكرةً مشابهة، لكن يبدو أن بعض الفلاسفة أخذوا الأمر بجدية، وإن فشل اختبارها نظريةً علميةً حقيقية، إذ لا توجد طريقة للتحقق من صحتها.

10- رحلة الأنا الكونية

تتضمن القوانين مجموعة من الثوابت الأساسية التي تحدد مدى قوة الجاذبية، والقوة الكهرومغناطيسية، والقوى على المستوى دون الذري.

وفقًا لما نعلمه حتى الآن يمكن تلك الأرقام أخذ أي قيم محتملة، ولو اختلف أحدها قليلًا عن القيم الفعلية التي نعرفها، لخُلق كون مختلف تمامًا عن الكون الذي نعهده. الأهم لنا نحن الجنس البشري، أن الحياة كما نعرفها، متضمنة أنفسنا وذواتنا قد لا توجد.

يرى بعض الناس أن الكون صُمم بوعي لكي يُطور الحياة الشبيهة بحياة الإنسان، ما يُسمى النظرية الأنثروبية المتمركزة حول الذات، واقترحها نيك بوستروم في كتابه «التحيز الأنثروبي».

اقرأ أيضًا:

المادة المظلمة المسبب الأساسي لوجود ثقوب سوداء في بداية الكون

هل لبنية الكون نمط معين؟

ترجمة: آية قاسم

تدقيق: روان أحمد أبوزيد

المصدر