أثبت فريقٌ من المهندسين البيولوجيين من جامعة رايس قدرتهم على إيجاد علاج لسرطان المبيض والقولون والمستقيم في مراحل متقدمة لدى الفئران خلال ستة أيام، وقد يكون هذا العلاج جاهزًا لمرحلة التجارب السريرية لدى البشر لاحقًا في العام الجاري.

استخدم الباحثون “مصانع دوائية” قابلةً للزرع بحجم رأس الدبوس، بهدف تحرير جرعاتٍ عالية من الإنترلوكين-2 باستمرار، وهو مركب طبيعي ينشّط الكريات البيضاء لمحاربة السرطان، يمكن زراعة الغرسات كروية الشكل المنتجة للدواء في عمليةٍ جراحيةٍ طفيفة (باضعةٍ) بأقل حدٍّ ممكن، تحتوي كل منها على خلايا معدلة لإنتاج الإنترلوكين-2 ومحاطة بغلاف صلب يحميها.

يمكن الاطلاع على العلاج ونتائج الاختبارات الحيوانية على الإنترنت في دراسةٍ ضمن مجلة ساينس أدفانسز-Science Advances، شارك في تأليفها أوميد فيزيه وأماندا ناش وزملاؤهم من جامعة رايس، ومركز إم دي أندرسون للسرطان في جامعة تكساس، وجامعة فيرجينيا وغيرها.

أوضح فيزيه، الأستاذ المساعد في الهندسة الحيوية الذي أنتج مختبره هذا العلاج، أنَّ التجارب السريرية لدى البشر قد تبدأ هذا الخريف، لأنّ مساعدة مرضى السرطان بأقصى سرعة ممكنة هي أحد المعايير المفتاحية لتصميم فريقه. لقد اختار الفريق مكونات ثبُتَ أمانها للاستخدامِ البشري دون غيرها، وقد أوضحوا أمان العلاج الجديد في اختبارات متعددة.

قال فيزيه: «نتدخل نحن مرة واحدة، لكن مصانع الدواء تستمر بإنتاج الجرعة يوميًا كما تدعو الحاجة حتى يتم القضاء على السرطان. عندما حددنا الجرعة الصحيحة، أي كميةَ المصانع التي احتجناها، استطعنا تحقيق علاج للسرطان واستئصاله من جميع الحيوانات المصابة بسرطان المبيض، وسبعة من ثمانية حيوانات مصابة بسرطان القولون والمستقيم».

حسب الدراسة المنشورة حديثًا، زرع الباحثون بعض الغرسات المنتجة للدواء قربَ الأورام وضمن الصفاق، وهو بطانة شبيهة بالكيس تدعم الأمعاء والمبيضين وأعضاء أخرى في البطن. ركَّز وضع الغرسات في هذا الجوف الإنترلوكين-2 داخل الأورام، وحدّ من التعرض له في باقي الجسم.

قال المؤلف المشارك في الدراسة، الدكتور أمير جزيري، أستاذ علم الأورام النسائية والتناسلية في إم دي أندرسون: «أحد التحديات الكبرى في مجال العلاج المناعي هو زيادةُ التهاب الورم والمناعة المضادة للأورام مع تجنُّب التأثيرات الجانبية للسيتوكينات عند استعمالها علاجًا للسرطان وغيرها من الأدوية المعزِّزة للالتهاب، ولقد شرحنا في الدراسة أنَّ مصانع الدواء هذه تتيح إمكانيّة تطبيق موضعي وقابل للتنظيم للإنترلوكين-2 وتحقيق علاج للسرطان في العديد من نماذج الفئران، ما يدعو للحماس، لأنَّ ما سبق ذكره يوفّر حجةً منطقية قوية للتجارب السريرية».

الإنترلوكين-2 هو سيتوكين؛ نوع من البروتينات يستخدمه الجهاز المناعي للتعرف على الأمراض ومحاربتها، وهو علاج للسرطان حائزٌ على موافقة هيئة الغذاء والدواء FDA، لكن قالت ناش، المؤلفة الرئيسية للدراسة وطالبة خريجة في مجموعة فيزيه، أنَّ مصانع الدواء تحفّز استجابةً مناعيةً أقوى من تلك التي يحفّزها نظام العلاج بالإنترلوكين-2 الموجود حاليًا، لأنَّ الغرسات تحرّر تراكيز أعلى من البروتين الذي يستهدف الورم مباشرة.

قالت ناش: «في حال إعطاء التركيز ذاته من البروتين عن طريق مضخّة التسريب الوريدي، فسيكون شديد السمّيّة، أمَّا مصانع الدواء فالتركيز الملحوظ في باقي أنسجة الجسم البعيدة عن الورم أقلّ من التّركيز الذي يضطر المرضى لتحمّله في العلاج بالتسريب الوريدي، ويبقى التركيز العالي محصورًا بموقع الورم».

شرحت ناش أيضًا إمكانية تطبيق الطريقة العامة ذاتها المستخدمة في الدراسة لتوفير علاج لسرطان البنكرياس والكبد والرئتين وأعضاء أخرى. قد تُزرع مصانع الدواء قريبًا من الأورام، وضمن البطانات المحيطة بهذه الأعضاء ومعظم الأعضاء الأخرى، ويمكن تحميل الغرسات بخلايا معدلة لإنتاج مركبات أخرى للعلاج المناعي في حال دعت الحاجة إلى تصنيع سيتوكين مختلف لاستهداف نوعٍ محددٍ من السرطان.

يحمي غلاف الغرسات الخارجي خلاياها المنتجة للسيتوكين من الهجمات المناعية، وتُصنع هذه الأغلفة من مواد يتعرَّف عليها الجهاز المناعي بصفتها أجسامًا غريبة، لكن دون التعامل معها وكأنها تهديد طارئ، وقد استفاد مختبر فيزيه من ذلك في تصميمه.

قال فيزيه: «لقد وجدنا أنَّ التفاعلات الموجهة ضد الأجسام الغريبة أوقفت تدفّق السيتوكين من الكبسولات بأمانٍ وحزم خلال 30 يومًا، وقد أوضحنا إمكانيّة وأمان تقديمِ شوطٍ ثانٍ من العلاج في العيادة متى كان ذلك ضروريًا».

رخَّصت الشركة الناشئة «آفينج بايو» التي شارك فيزيه في تأسيسها في ماساتشوستس تقنيّة مصنع السيتوكين من رايس.

اقرأ أيضًا:

العلاج المناعي للسرطان: أنواعه وآلية عمله

جائزة نوبل للطب 2018: تعرف على المساهمة التي أحدثت ثورة بالعلاج المناعي للسرطان

ترجمة: حاتم نظام

تدقيق: سمية بن لكحل

المصدر