قيس الحقل التجاذبي الضئيل بين كرتين من الذهب عيار 90 ميللي جرام لأول مرة، وهذا ما جعل عملية قياس أصغر حقل جاذبية على الإطلاق ناجحةً بشكل رسمي. عُدّ ذلك إنجازًا يمهد الطريق أمام استكشاف تفاعلات الجاذبية في عالم الكم.

تواجهنا مشكلة كبيرة في الرياضيات التي نستخدمها لوصف الكون، خاصةً ما يتعلق بوصف سلوك الجاذبية، فلا يمكن وصف سلوك الجاذبية كما هو موضح في النموذج القياسي للفيزياء، على عكس القوى الثلاث الأساسية في الكون (الضعيفة والقوية والكهرومغناطيسية).

تقوم نظرية النسبية العامة لآينشتاين، بوصف وتوقع التفاعلات التجاذبية، وهي تعمل بصورة جميلة في أغلب الحالات، وعلى كل حال، حين يتعلق الأمر بالمقاييس الكمومية فإن النسبية العامة تتوقف، ويتولى ميكانيك الكم الأمر، وثبت أن الجمع بين النموذجين لحد الآن صعب للغاية.

حلت النسبية العامة محل نموذج قديم، وهو قانون نيوتن للجاذبية الكونية الذي لم يُدرج فيه منحنى الزمكان، وينص على أن قوى التجاذب متناسبة طردًا مع حاصل كتلتيهما، ومتناسبة عكسًا مع مربع المسافة الفاصلة بين مركزيهما.

تعمل الفيزياء النيوتونية جيدًا في معظم الاستخدامات الأرضية، حتى لو تعثرت قليلًا في وضعٍ فيزيائي فلكي، ولكن ماذا عن تفاعل تجاذبي صغير جدًا جدًا؟

يكون قياسه صعبًا عادةً، لأن إبعاده عن تأثير حقل الجاذبية الأرضي والاضطرابات الأخرى صعبٌ للغاية، وأشركت معظم اختبارات الجاذبية على مقاييس أقل كيلوغرامًا على الأقل، أو ما يعادل 2.2 رطلًا، وفيما نسعى لتحقيق أقل من تلك القيمة بكثير؛ استند فريق من العلماء من أكاديمية العلوم الصربية بقيادة توبياس ويستفال إلى إلهام القرن الثامن عشر، وهو أول تجربة لقياس الجاذبية بين حقلين، التي أعطت أول قيمة دقيقة لثابت الجاذبية، الذي صممه العالم الإنجليزي هينري كافنديش، وأوجد طريقةً حجب بها تأثير الجاذبية الأرضية بشكل فعال، إذ شكل توازن فتل يربط الأثقال المعدنية عند كل من طرفي قضيب معدني معلق أفقيًا.

ويسبب التجاذب بين الأوزان دوران القضيب وفتل السلك الذي علق فيه القضيب، وذلك سمح لكافنديش بقياس التجاذب اعتمادًا على مقدار انحراف السلك، وأصبح هذا النظام معروفًا باسم تجربة كافنديش.

وقام ويستفال وزملاؤه بتعديل تجربة كافنديش لاستخدامها في اختباراتهم على قوى التجاذب عند مقاييس صغيرة، وكانت الحقول عبارةً عن كرتين ذهبيتين صغيرتين، بنصف قطر يعادل 1 ملليمتر، وبوزن يعادل 92 ميللي جرامًا، وكان على العلماء تفسير عدد من مصادر الاضطرابات.

كرتان متصلتان بقضيب زجاجي أفقي على تباعد 40 ميلليمترًا، إحدى الكرتين هي كتلة/ حقل الاختبار، والأخرى هي كتلة/حقل الموازنة، ويتحرك الجسم الثالث وهو كتلة/حقل المصدر، قرب كتلة الاختبار لخلق تفاعل تجاذبي.

استُخدِم درع فاراداي لمنع الكرات من التفاعل كهرومغناطيسيًا، ومن أجل منع التشويش الصوتي والاهتزازي أُجريت التجربة في جو مفرغ.

Figure 1Westphal et al., Nature, 2021

Figure 1Westphal et al., Nature, 2021

يرتد الليزر عن المرآة الموجودة في مركز قضيب الجهاز الكاشف، وبينما يفتل القضيب، تظهر حركة الليزر على الكاشف كمية قوى التجاذب التي تولدت بين الحقلين.

وجد الباحثون بأن قانون نيوتن للجاذبية الكونية لا يزال راسخًا بثبات، حتى على هذه المقاييس الصغيرة، وحتى أنهم توصلوا إلى حساب ثابت نيوتن أو ما يسمى ثابت الجاذبية، باشتقاق ما يعادل 9% من القيمة العالمية المقترحة. وقالوا إنه يمكن تغطية الفرق بشكل كامل من خلال أوجه عدم اليقين في تجربتهم، التي لم تكن مصممةً لحساب ثابت الجاذبية G.

وتُظهر نتائجهم أنه سيكون من الممكن إجراء جميع القياسات في المستقبل، وهذا ما يساعد العلماء على اكتشاف النظام الكمي ويمكنهم تقديم رؤى متعمقة أو مُوسعة عن المادة المظلمة، والطاقة المظلمة، ونظرية الأوتار، والمجالات العددية.

ومما جاء في ورقتهم البحثية: «تزود هذه التجربة منهجًا عمليًا للدخول والاستكشاف في نظام فيزياء الجاذبية، الذي ينطوي على اختبارات دقيقة على الجاذبية باستخدام كتل مجهرية معزولة عند كتلة بلانك أو تحتها، وهذا سيفتح إمكانيات مثل اتباع طرق مختلفة لتحديد ثابت نيوتن، الذي يعتبر حتى الآن أقل ثابتٍ مُحدد بين الثوابت الأساسية وقد تسمح التجارب الدقيقة المصغرة إجراء اختبارات على قانون التربيع العكسي للجاذبية بمقاييس أصغر بكثير مما هو ممكن اليوم».

اقرأ أيضًا:

لماذا تختلف الجاذبية عن القوى الأخرى؟

لماذا يتأثر الضوء بالجاذبية؟

ترجمة: حلا بوبو

تدقيق: مازن النفوري

مراجعة: أحلام مرشد

المصدر