انصبَّ الكثير من التركيز خلال الشهور الـ 12 الماضية على رحلة نـاســا للمريخ. ولكن مجموعة من خُبراء الفضاء، من ضمنهم كبار عُلماء وكالة ناسا، أنتجوا طبعة مجلة خاصة تذكُر بالتفصيل كيف يُمكن لنا أن نُنشئ مُستعمرة بشرية على القمر خلال السبع سنوات القادمة فقط بـ 10 مليارت دولار.

على الرغم من أنّ هذا رائعٌ جدًا، إلا أنَّ الهدف لم يكُن القمر بحدِّ ذاته – من وجهة نظر استكشافية- يمتلك مُعظم العُلماء أهدافًا أكبر في الأفُق. ولكن الدروس التي سنتعلمُها والتقنية التي سنُطورها لبناء قاعدة بشرية خارج كوكب الأرض ستكون في نهاية المطاف مفتاح استعمار كوكب المريخ وكواكب أُخرى وفقًا للخُبراء.

يقول عالم الأحياء الفلكية كريس ماكاي (Chris McKay)، الذي حرر الطبعة الخاصة لمجلة الفضاء الجديد”: إن اهتمامي ليس متركزاً على القمر، إنه بالنسبة لي باهت ككُرة من الخرسانة. لكن لن يتسنى لنا الحصول على قاعدة أبحاث على المريخ حتى يُمكننا تعلُّم كيفيَّة إنشائها على القمر أولاً، حيث سيوفر القمر نسخة طبق الأصل لقاعدة الاستيطان التي سنتَّخذُها على المريخ.

جاءت مقالة المجلة من ورشة عمل عُقدت في شهر آب 2014، عندما دُعيَ بعضٌ من أعظم العقول في أبحاث الفضاء والأعمال معًا لاستكشاف وتطوير خيارات مُنخفضة الكُلفة لبناء مستوطنة إنسانية على القمر.

ببساطة، لم نعُد إلى القمر مُنذ عام 1972 بسبب التكُلفة العالية لذلك، حيث أنَّ برنامج أبولو الذي وضع أول البشر على سطح القمر قد كلّف الولايات المُتحدة 150 مليار دولار بمقاييس اليوم. ومع ميزانية تبلُغ 19.3 مليار دولار لكامل عام 2016، لم تكُن نـاسـا قادرة على التطلُّع للقمر وكذلك المريخ.  ولكن بفضل التكنولوجيا الحديثة، لن تكون بهذه الحال بعد الآن.

وبحسب استنتاجات إلكسندرا هول وتشارلز ميلر في إحدى أوراقهم البحثية “قد تقود أميركا عودة البشر لسطح القمر خلال فترة 5-7 سنوات من خلال المضي قُدمًا بكُلفة إجمالية تُقدر بنحو 10 مليارات دولار (يمكن أن تكون أكثر ب 30% أو أقل)”. كما دوّنت يوريكا دوجموفيتش في مجلة “. Marketwatch هذا أرخص من حاملة طائرات واحدة تمتلكها الولايات المُتحدة”.

يقول ماكاي: “الإستنتاج الكبير، هو أن التقنيات الحديثة، والتي كان البعض منها غير ذو نفع في الفضاء – كالسيارت ذاتية القيادة والمراحيض ذات تقنية إعادة تدوير الفضلات – ستكون مُفيدة بشكلٍ لا يُصدق في الفضاء، وتُخفّض من كُلفة القاعدة الفضائية إلى النُقطة التي يسهُل حينها إنشاؤها.”

وفقًا لأوراق البحث، من المُمكن لقاعدة سطح القمر أن تستوعب 10 أشخاص للبقاء حوالي سنة واحدة في البداية، وقد تنمو كمستوطنة مُكتفية ذاتيًا تتسع لِ 100 شخص خلال عشر سنوات.

سيصلون إلى القمر باستخدام مركبة الإطلاق فالكون الثقيل “Falcon Heavy” التابعة لشركة الفضاء سبيس أكس( SpaceX )، وبينما يحتاجون أخذ الكثير من المعدات الثقيلة لرحلتهم الأولى، قد تُستخدم الطباعة ثُلاثية الأبعاد لإنتاج كل شيءٍ آخر تقريبًا عندما يصلون إلى هناك.

من المُحتمل أن يتم تأسيس المُستعمرة على الحافة الخارجية لأحد قُطبي القمر، الذي يتلقى مزيدًا من ضوء الشمس أكثر من باقي السطح، مما يُساعد على إدامة عمل المَعدات التي تعمل بالطاقة الشمسية.

“علاوة على ذلك، كل تلك الطاقة يُمكن أن توفر طاقة للروبوتات التي ستقوم بحفر كميات كبيرة من الجليد المتجمع داخل الحفر. حيث أن الماء المُجمع بتلك الطريقة يُمكن أن يُستخدم لاحقًا لدعم الحياة، فضلًا عن توفير الأوكسجين، او يُمكن أن يتم مُعالجته إلى وقود الصواريخ، الذي سيتم بيعه أو خزنه لإعادة تزويد المركبات الفضائية بالوقود”.

ربما سيعيش رواد الفضاء في شيءٍ مُشابه لـ مسكن “بيجلو الفضائي الجوي القابل للنفخ(Bigelow Aeropsace’s inflatable (habitat ، كما كتب الباحثون، والذي يتميز بكونه مقاومًا للإشعاع وقد يسمح بمجموعة من مساحات العيش، فضلًا عن سهولة التخزين والنقل.

يُمكن أن يُجهز أيضًا مساكن محمية لزراعة المحاصيل الأساسية، التي يمكن أن تُخصَّب بمساعدة مرحاض يقوم بتدوير فضلات الإنسان إلى طاقة، ماء نظيف، وعناصر غذائية، كـ المرحاض الأزرق الذي تموله مؤسسة جيتس. أما بقية الأغذية والإمدادات للأشخاص العشرة والتي لم يُمكن زرعها أو طباعتها بالطباعة ثُلاثية الأبعاد على القمر فيُمكن أن يتم شحنها بواسطة سبيس أكس بتكلفة أقل من 350 مليون دولار للسنة الواحدة باستخدام صاروخ فالكون 9 القابل لإعادة الاستخدام.

كل هذا يبدو رائعًا، ولكن المعوق هو حقيقة أن 10 مليارات دولار تكلفة الإنشاء هي أكبر من ميزانية ناسا لرحلات الفضاء، حيث تتراوح ما بين 3 إلى 4 مليارات دولار في السنة. ولكن بافتراض إنشاء المُستعمرة بهذه التكلفة الثابتة، فإنها بالتأكيد لا زالت رخيصة، ويُمكن أن تُنفذ جنبًا إلى جنب مع خطط للمريخ.

لكن يُمكن للأشياء أن تكون أكثر رُخصًا إذا تدخل مزودو الخدمات التجارية، الذين سيكونون عندها في منصب رفيع لبيع المواد الدافعة (التي تُنتج طاقة الدفع في المُحركات) من مدار القمر إلى ناسا وأي وكالات فضاء أُخرى تحاول أن تنقل البشر إلى المريخ.

كل الأوراق في الطبعة الخاصة من مجلة الفضاء الجيد مُتاحة الآن مجانًا على الإنترنت لك لتتمكن من متابعتها واستخدامها للتخطيط لمستقبلك في الفضاء. احلُم، فإنّ حُلمك أقرب إليك مما تتخيل.

تُلخص مُقدمة المجلة “لقد حان الوقت للعودة إلى هذا القمر، هذه المرة للبقاء. ولم يعُد التمويل عقبة رئيسية.”


 

المصدر