علماء يؤكدون: أصبح بإمكاننا رؤية المستقبل الكمي
فهل هذا ممكن؟


أثبت علماء في جامعة سيدني أنَّ بإمكانهم معرفة مستقبل النظم الكمّية، وتوظيف هذه المعرفة لاستباق فشل النظم الكمومية. يعدّ هذا إنجازًا كبيرًا قد يساعد في تقريب المجال الغريب لتكنولوجيا الكمّ إلى الواقع.

علينا أوّلًا الإلمام ببعض المصطلحات الضرورية في هذا السياق:

– الحواسيب الكمومية: هي الحواسيب التي تستفيد من فيزياء الكمّ، فبدل الاعتماد على الصفر والواحد اللذين اعتدنا التعامل معهما في الحواسيب العادية، نتعامل في الحواسيب الكمومية مع (البتات الكموميَّة – qubits). بإمكانك قراءة المزيد حول الموضوع في مقال آخر من هنا

 

– (فكّ الترابط الكمومي – decoherence): هو فقدان خاصّية الترابط الكمومي. إذْ تتصرف الجسيمات في ميكانيكا الكم -الإلكترونات مثلًا- كالأمواج، ويمكن تمثيل هذه الحالة على شكل دالة أو تابع موجي. لكنَّ تداخل هذه الأمواج ينتج عنه سلوك غريب من الجسيمات الكمومية.

وطالما وجدت علاقة محدّدة بين الحالات المختلفة، أمكن القول إنَّ النظام مترابط. هذا الترابط يعدّ خاصيةً أساسيةً في ميكانيكا الكمّ، وهو ضروريّ لعمل أجهزة الكمبيوتر الكمومية. إلا أنَّ النظم الكمومية ليست معزولةً تمامًا، وهناك اتّصال مع المحيط، ما يسبّب فقدان الترابط بمرور الوقت. ونتيجة فقدان الترابط الكمومي نفقد السلوك الكمومي. وقد قُدّم فكّ الترابط للمرّة الأولى في عام 1970 من قبل الفيزيائي الألماني (إتش ديتير زيه – H. Dieter Zeh)، ووضع تحت الدراسة منذ الثمانينيات.

وقد أظهرت التطبيقات الكمية الهائلة في مجال التكنولوجيا نتائج هامّة في مجالات عدّة, خاصّة في الاستشعار والقياس. ما دفع الشركات الكبرى في العالم إلى زيادة الاستثمارات لبناء أجهزة كمبيوتر كمومية قوية للغاية.

 

لكنَّ العشوائية التي تعاني منها النظم الكمومية بتأثير البيئة المحيطة تقف عقبةً كبيرةً أمام بناء تقنيّات موثوقة، وتدمّر الخصائص الكمومية المفيدة. لذلك اتخذ الفيزيائيون قفزة تقنية نوعية لمعالجة هذه المشكلة، مستخدمين تقنيات من البيانات الكبيرة (big data) للتنبّؤ بكيفية تغيّر النظم الكمومية ومنع انهيار النظام، وقد نُشر البحث في مجلّةNature) Communications).

وقال البروفيسور (مايكل جي بيركوك- Michael J. Biercuk)، أستاذ الفيزياء في جامعة سيدني، ورئيس فريق الباحثين في مجلس الأبحاث الأسترالي لهندسة النظم الكمومية:
«تفشل أنظمة الكم في عملها بطريقة مشابهة لفشل المكونات الفردية في الهواتف النَّقالة، لكن دورة الحياة في الحوسبة الكمومية تقاس بشكل عامٍ بأجزاء الثانية بدلًا من الأعوام». وأوضح أيضًا أنَّ فريقه برهن إمكانية منع تفكّك الترابط الكمومي بشكل استباقي وقائي.

المفتاح هنا هو تطوير تقنية للتنبؤ بكيفية فشل النظام. الأمر الذي يوضّحه الدكتور بيركوك ضمن العالم الكمي بقوله: «يطوّر البشر تقنياتٍ للتنبّؤ بشكل روتيني في تجاربنا اليومية العادية، فمثلًا عندما نلعب التنس، نتوقّع مكان سقوط الكرة بناءً على حركتها في الهواء، وتعمل القواعد التي تتحكّم بحركة الكرة – مثل الجاذبية – بشكل منتظمٍ ومعروف، لكن ماذا لو تغيّرت تلك القواعد عشوائيًا والكرة في طريقها إليك؟ حينها يصبح التنبّؤ بسلوك الكرة أقرب إلى المستحيل!».

 

ويضيف: «كان علينا التعامل مع هذا الوضع بالضبط، لأنّ تفكّك النظم الكمومية عملية عشوائية. وعلاوة على ذلك، فالمراقبة في النطاق الكمي تزيل الحالة الكمومية، مما احتاج فريقنا إلى تخمين كيف ومتى سيفشل النظام بشكله العشوائي».
نحن بحاجة إلى تغيير فعّال في حركة كرة التنس العشوائية، ونحن معصوبو العينين. ولذلك لجأ الفريق إلى تعلّم الآلة (machine learning) للحفاظ على أنظمتهم الكمومية من الفشل.

فما يبدو لنا سلوكًا عشوائيًا يحوي في واقع الأمر على ما يكفي من المعلومات التي تسمح لبرنامج الكمبيوتر بتخمين كيفية تغيّر النظام في المستقبل. أي يمكن التنبّؤ بالمستقبل دون الملاحظة المباشرة، التي من شأنها أن تزيل الخصائص المفيدة للنظام.
وكانت التوقّعات دقيقةً بشكل ملحوظ، ما سمح للفريق باستخدام تخميناتهم للاستباق وتعويض التغيّرات المتوقّعة، ومنع تفكّك الخصائص الكمّية في الوقت الحقيقي، وتمديد العمر المفيد للبت الكمومي.

 

يقول الدكتور بيركوك: «نعلم تمامًا أنَّه لبناء تقنيات كمومية حقيقية، علينا تطوير قدراتنا في مجال التَّحكم والسيطرة على البتات الكمومية». وهذه التقنيات قابلة للتطبيق على أيّة تكنولوجيا قائمة على البتات الكمومية، ومن ضمنها الدارات فائقة التوصيل(superconducting circuits) التي تستخدمها الشركات الكبرى.

أمّا عن مستقبل هذا المجال فيضيف الدكتور بيركوك: «نحن متشوّقون لتطوير تلك القدرات الجديدة التي تحوّل أنظمة الكمّ إلى تقنيات مفيدة، ويبدو مستقبل عالم الكمّ واعدًا مع مرور الوقت».


ترجمة: دعاء عساف
تدقيق: سيلڤا خزعل
المصدر الأول
المصدر الثاني
المصدر الثالث