الصوفية ممارسة روحية تستهدف الرحلة الداخلية لاكتشاف ذات المرء الحقيقية، ومن أهم المفكرين والفلاسفة المرتبطين بها هم الرومي وحافظ الشيرازي من إيران، ويعتقد بعض الناس أن الصوفية تتناغم مع رؤية علم النفس في التعرف الحقيقي على النفس والتحرر من القيود التي تُكوّن تصورات زائفة للمرء عن ذاته كالقيود التي اكتسبها من المحيط والانحيازات والآخرين. هي اعتقاد مفاده أنه إذا وصلنا إلى جوهر كينونتنا سنكون متناغمين مع الكون وخالقه. هنا بعض الأسئلة المتعلقة بالصوفية وتجيب عنها الدكتورة سلومة بزرغزاده رئيسة مؤسسة علم النفس الصوفي.

ما هي الصوفية؟

د. سلومة: الصوفية هي التزام بمعرفة الذات، تهدف إلى معرفة المرء بذاته، لا الأبعاد المادية لكيانه فحسب، التي تشمل شخصيته ومشاعره وجسده وهويته الاجتماعية، بل أيضًا الأبعاد الروحية، تلك الأجزاء من أنفسنا التي نجمع فيها قوتنا وشجاعتنا وتعاطفنا. ذلك الجزء الثابت فينا الذي لا يتغير أو يتأثر بشيء رغم أن جميع الأبعاد المادية تتغير باستمرار، ذلك الجزء الذي يجعلك ما أنت عليه حقيقة.

كيف بدأتِ الانخراط بالصوفية؟

د. سلومة: كنت أذهب إلى مدرسة شاهماغسودي للصوفية الإسلامية منذ أن كنت صغيرة برفقة والدي. إن أحد تعاليم الصوفية هو أن تكتشف نيتك الحقيقية في كل ما تفعله. يجب أن تفرق بين الأشياء التي تفعلها بحكم العادة أو بسبب التوقعات والتقاليد الاجتماعية والثقافية والعائلية، وأن تستكشف حقيقة هدفك وغايتك منها. وهي عملية صعبة، لأنني اكتشفت كم كنت أعيش اعتمادًا على القرارات التي اتُّخذت نيابة عني، وأدركت خوفي من تحديد ما يناسبني. لقد كنت مقيدة بخوفي من اتخاذ القرار الخاطئ. وكل الجوانب التي كنت أعرفها عن نفسي -أفكاري وعواطفي- تغيرت باستمرار. كيف يمكنني أن أتخذ قرارًا بنيته على أساس هش؟

علم النفس الصوفي - الصوفية - ممارسة روحية تستهدف الرحلة الداخلية لاكتشاف ذات المرء الحقيقية - التعرف الحقيقي على النفس والتحرر من القيود

يقول المعلم الصوفي والبروفيسور صادق آنغا في كتابه «أصول الفقر والتصوف»: «بدايةً، يجب أن تعرف نفسك، ثم يمكنك تحديد ما تحتاج إليه بعد ذلك».

إن الخوف والشك بهويتي بعد تجردي من أدواري وعاداتي وقصصي الشخصية جعلني أبحث عن هذا السبيل لمعرفة نفسي، وجعلني تلميذة في هذه المدرسة. لم يكن لدي خيار آخر، إذ يجب أن أعرف نفسي لأملك شيئًا ثابتًا. وكلما تعلمت المزيد عن نفسي تعلمت المزيد عن علم النفس وطريقة تفكيرنا.

ما هو علم النفس الصوفي؟

د. سلومة: علم النفس الصوفي هو تطبيق تعاليم الصوفية على علم النفس المعاصر، فمن وجهة النظر هذه، ينتج كل إحباطنا وألمنا عن قلة معرفتنا أنفسنا. إذ إننا ننغمر في القصص والقيود التي نفرضها على أنفسنا، وبطريقة تأثرنا بالماضي أو ثقتنا بأنفسنا فيما يخص المستقبل. يحدث كل هذا بسبب عدم معرفتنا أنفسنا وقدراتنا. يسعى علم النفس الصوفي إلى تذكير الأفراد بأنهم يملكون أكثر من هذه الجوانب التي تتأثر بالمحيط. بتعمقنا في معرفة أنفسنا والوصول إلى الجزء الثابت فينا نكون أقل عرضة للاضطراب بسبب ما يحدث حولنا من متغيرات الحياة.

كيف يختلف علم النفس الصوفي عن مجالات علم النفس الأخرى؟

د. سلومة: يركز علم النفس الغربي على ما سبق ذكره من الأبعاد المادية، فذلك يساعدنا على تتنظيم أفكارنا وعواطفنا وعلاقاتنا الاجتماعية، وهي أمور مهمة بالنسبة إلى هذه الأبعاد. ولكن علم النفس الصوفي يسلط الضوء على الجانب الروحي. يستخدم المعلم الصوفي نادر آنغا تشبيه المصباح، إذ يركز علم النفس الغربي على الجوانب المادية له؛ هل الأسلاك مهترئة؟ وهل تتوافق أجزاؤه؟ وهل هو المصباح الملائم للغرفة؟ ولكن علم النفس الصوفي يهتم بمصدر الضوء وإشعاله.

كيف تختلف الصوفية عن الفسلفات الشرقية الأخرى؟

د. سلومة: لكل ممارسة صيغتها الخاصة، وتتوافق هذه الصيغة مع أشخاص مختلفين بطرائق مختلفة. وللمقارنة بينها يجب فصل بعض جوانبها بغرض المقارنة. وهنا يصبح الأمر اختزاليًا لا يمنح فهمًا شاملًا لأي من تلك الجوانب. ما يمكنني قوله هو أن طالب الصوفية يسعى إلى المعرفة. إذ لا يمكننا الاكتفاء بمراقبة أنفسنا، بل يجب أن نعرف أنفسنا ونتواصل معها، كقطرة ماء نمحي الحدود التي افترضناها كي نصبح البحر.

يمكن استخدام تعبير مجازي هنا هو أن معرفة نهر ما تختلف عن السباحة فيه.

ما هي مجالات علم النفس الأكثر تداخلًا مع الصوفية؟

د. سلومة: الأقرب هو علم النفس الإنساني بسبب تركيزه على تحقيق الذات. ولكن يجب التنويه بأننا نستخدم اتجاهات نظرية أخرى في العلاج النفسي الصوفي. إن المدارس الفكرية المعاصرة لعلم النفس توفر راحة للجوانب المادية، وهي تساعدنا على وعينا لأفكارنا وعواطفنا وتأقلمنا الاجتماعي واستكشاف تأثير الماضي علينا وأنماط علاقاتنا، وتستهدف تجارب الأذية الجسدية.. إلخ. وهذا أمر ضروري للعيش في العالم. لكن الصوفية تضيف عنصرًا آخر، وتسعى إلى إعادة توجيه المراجع إلى المصدر في داخله، الجوهر الذي بقي ثابتًا ومستقرًا في حين أن كل شيء من حولنا متغير، إن مصدر الحياة ذاك يضيء حينها دون توقف، ويرافقنا في كل لحظات حياتنا حتى تلك الأصعب على الإطلاق.

اقرأ أيضًا:

ما هو أصل الأمراض النفسية ؟

ممارسات الانتباه الحديثة: هل هي ممارسات سطحية؟

ترجمة: ليلان عمر

تدقيق: عون حدّاد

المصدر