تفترض أعمال خيال علمي كثيرة، مثل أعمال ديفيد برين، ولاري نيفين، وبول أندرسون، أن مجرتنا تعج بالحياة الذكية التي سنتواصل معها لاحقًا لغايات التعاون، والتنافس، وبل حتى الصراع، لكن إسحق عظيموف من جهة أخرى، افترض في مؤلفاته ضمن سلسلة «الأساس» أن البشرية ستنتشر في المجرة الخالية وتستعمرها دون التعرض إلى أي كائنات ذكية أخرى.

الأرض النادرة: هو كتاب علمي كتبه الجيولوجي بيتر وارد وعالم الفلك دون براونلي، وكلاهما من جامعة واشنطن، ويتحدث الكتاب عن مجرتنا كمكانٍ مقفر وحيد يحوي كواكب عديمة الحياة تدور حول نجوم إما حارة للغاية أو باردة للغاية، أو متقلبة للغاية، أو قصيرة العمر بصورة كافية لاستدامة تطور الحياة المعقدة؛ نعم لا ريب أن أشكال الحياة متعددة الخلايا نادرة، وأن الحياة الذكية ليس بالسهل تواجدها، وسنختصر في هذا المقال بعضًا من أفكار وارد وبراونلي لما يطلقون عليه «فرضية الأرض النادرة».

تقترح نظرية الأرض النادرة أن الكواكب الشبيهة بالأرض التي تحتوي الحياة التي نعرفها هي نادرة جدًا في الكون.

وسنناقش بعض المقاييس التي قادت علماء مثل بيتر وارد ودونالد براونلي لوضع هذه الفرضية في كتابهم «الأرض النادرة: لماذا لا تشيع الحياة في الكون».

يتفق العلماء بشكل عام بأن الأرض تشكلت قبل 4.5 مليار عام، إلا أن الحياة المعقدة وجدت على الأرض قبل 500 مليون عام فقط، وما زالت الأمور المتعلقة بسلسلة الأحداث التي قادت إلى نشوء هذه الحياة غير واضحة، وينظر العلماء إلى المناخ المستقر لوقتٍ طويلٍ نسبيًا كأحد العوامل المهمة والذي نتج من مدار كوكبي مستقر يبعد مسافة مناسبة عن نجمٍ مناسب.

لنبدأ بحثنا عن نجم مناسب إذًا من خلال النظر إلى الخصائص التي تجعل من الشمس ملائمة لازدهار الحياة المعقدة على الأرض، فيمكن تصنيف الشمس كنوع «جي» على مقياس تسلسل حياة النجوم، ما يعني أنها تحوي احتراقًا مستقرًا للهيدروجين من خلال اندماج نووي ينتج بدوره الهيليوم في لب النجم، ويشع أيضًا بالطاقة على شكل ضوء مرئي في معظم الأحوال، ويسمى مقياس الطاقة الإشعاعية للنجم «اللمعان»، وبرغم من أن شمسنا كانت أكثر سطوعًا فيما مضى، إلا أنها استمرت بالإشعاع بهذه القيم منذ خمسة مليارات عام حتى الآن، ما يجعلها الآن في منتصف حياتها البالغة عشرة مليارات عام.

وبناءً على هذا، وجب علينا استكشاف نوعٍ من النجوم شبيهٍ بالشمس ليسمح بالحياة بالتطور على كواكبه، ومهمتنا الأولى تحديدًا هي تحديد نطاق الكتل النجمية التي تقابل معايير الحياة المعقدة، وبذلك نحسب نسبة النجوم في الكون التي تعتبر مناسبة لحياة معقدة.

وسنناقش عاملين رئيسيين يرتبطان بالنجم واللذين جعلا من وفرة الحياة المعقدة أمرًا نادرًا.

العامل الأول: ما هو عمر النجم؟ وكم قيمة لمعانه؟ وما هي ضخامته اللازمة لدعم الحياة؟

يُظهر الشكل الأول التسلسل الرئيسي لحياة نجم بالنسبة لكتلته، ويوضّح أيضًا كيفية ارتباط نجمٍ ما بلمعانه –عند الخط المتصل- ويمكننا ملاحظة علاقة كتلة ذلك النجم بزيادة لمعانه.

العامل الثاني: ما هي قيمة اللمعان الحرج التي يتخطى بعدها إمكانية وجود حياة؟

كلما زاد لمعان نجمٍ ما، كلما أعطى إشعاعًا أكبر، وتميل معظم الإشعاعات إلى إنتاج ترددات عالية، فالشمس تشع معظم إشعاعاتها في نطاق مرئي، ولكن بشكل عام؛ كلما زاد تردد الإشعاع المبعوث، كلما زاد الضرر على الحياة المعقدة.

وبالنسبة لأشكال الحياة الشبيهة بالأرض، فإن الإشعاعات فوق البنفسجية مضرة كثيرًا للخلايا والحمض النووي، وتلاحظ بالشكل الثاني تردد الإشعاعات النجمية على المحور العمودي، والإشعاع النجمي على المحور الأفقي، ويمكننا من هذا الشكل استنتاج طردية العلاقة بينهما.

وفي سبعينيات القرن الماضي، أوجد الفلكيان فرانك دريك وكارل ساجان وسيلة أسموها معادلة دريك، واستخدمت المعادلة لحساب عدد الحضارات المتقدمة التي قد تتواجد في حضارتنا.

وفي عام 1974، توصل كارل ساجان بالاستعانة بهذه المعادلة باحتمالية وجود مليون حضارة متقدمة فقط في مجرة درب التبانة، إلا أن اكتشافات عديدة في كلٍ من الفلك والجيولوجيا أتت بعد كارل ساجان وبنيت عليها حسابات جديدة لتعلن لاحقًا عن استنتاجات أكثر تشاؤمًا.

وكما تعلم جولديلوكس في رواية الدببة الثلاثة، فمن المهم أن تكون الظروف غير متطرفة جدًا، ولكن ملائمة وحسب كي تكون الحياة متواجدة.

ولذلك، يجادل العالمان في كتابهما أنه لوجود أصلٍ للحياة المعقدة، يتوجب وجود ظروف ملائمة جدًا، وهذا أمر نادر، كما أورد العالمان قائمةً بالحالات التي جعلت من الأرض مكانًا مناسبًا لتطور أشكال حياة عليها، وبالقرب من نهاية كتابهما، عملا على تقديم مراجعةٍ لمعادلة دريك الشهيرة، ليتوصلا إلى سلسلة احتمالات أسموها معادلة الأرض النادرة، وينتج من هذه المعادلة القيمة «N» والتي تمثل عدد الكواكب التي تحوي في طياتها شكل حياةٍ معقدةٍ شبيهةٍ بتلك الموجودة على كوكب الأرض.

‏N = N* fp fpm ne ng fi fc fl fm fj fme

  • ‏N* = هو عدد النجوم الموجودة في مجرة درة التبانة
  • ‏fp = نسبة النجوم الممتلكة لنظامٍ كوكبي
  • fpm = نسبة الكواكب الغنية بالمعادن
  • ‏ne = معدل عدد الكواكب الواقعة في النطاق الصالح للحياة لذلك النجم
  • ‏ng = عدد النجوم الممتلكة الموجودة في النطاق المجري الصالح للحياة
  • ‏fi = نسبة الكواكب الموجودة في النطاق الصالح للحياة التي يحتمل نشوء حياة عليها
  • ‏fc = نسبة الكواكب التي يحتمل نشوء حياة متعددة الخلايا عليها
  • ‏fl = نسبة حياة الكوكب الكاملة التي نشأت خلالها حياة متعددة الخلايا
  • ‏fm = نسبة الكواكب الممتلكة لأقمار كبيرة الحجم
  • ‏fj = نسبة الأنظمة الشمسية التي تمتلك كواكب بحجم كوكب المشتري
  • ‏fme = نسبة الكواكب الممتلكة لرقم متدني من الأحداث المسببة للانقراض

في ضوء هذه المعادلة، استنتج العالمان أن الأرض هي مكان نادرٌ جدًا تكاتفت عليه عوامل عشوائية لصنع موقعٍ مثالي لتطور حياة معقدة، وبتعويض أرقام معقولة في معادلة الأرض النادرة، ينتج فقط بضعة كواكب تحمل في طياتها حياة معقدة في كل مجرة، وهكذا، فمن الممكن أن الأرض هي الكوكب الوحيد ذو حياة ذكية في مجرتنا.

هل يجدر بكُتّاب الخيال العلمي أن يتوقفوا عن الكتابة عن كائنات فضائية ذكية؟ بالطبع لا! لربما أغفل كل من براونلي ووارد عاملًا مهمًا كان من شأنه زيادة احتمالية وجود حياة معقدة.

وفي جميع الأحوال، فإن البحث عن الكائنات الفضائية وتخيل وجودها وماهية الأسئلة التي قد تطرحها يعلمنا الكثير عن أنفسنا.